تابعنا
هي حرب مفتوحة تأبى أن تضع أوزارها، وليست هناك مبالغة إذا وُصِفت بالحرب. فحوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة الأمريكية تخلّف يومياً 100 قتيل والمئات من الجرحى.

واشنطن ـــ على الرّغم من كونها أرقاماً "مفزعة" فإن الجميع هنا في أمريكا، باستثناء بعض الأصوات الحقوقية، تعوّد على سماعها، بل ويعارض تقنين حمل السلاح.

فمنذ مطلع عام 2019، أحصى موقع Gun Violence Archive المتخصص في تتبع حوادث إطلاق النار في أمريكا 22.095 حادثاً، خلفت حسب الموقع نفسه مقتل 5815 شخصاً وجرح 11.118.

ويعدّ انتشار السلاح وسهولة امتلاكه من بين الأسباب المساهمة في انتشار حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة، كما ساهم وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في تزايد جرائم الكراهية وفق وسائل إعلام أمريكية.

وأثناء كتابة هذا التقرير، وقع أسوأ حادث إطلاق نار "عشوائي" في مدينة فرجينيا بيتش الواقعة في ولاية فرجينيا شرق الولايات المتحدة. الحادث هو الآخر خلف مقتل 12 شخصاً وإصابة أربعة آخرين.

وهاجم المسلّح زملاءه في مجمع البلدية، لكنّ شرطة المدينة تمكنت من تحديد مكانه وقتلته بعد تبادل لإطلاق النار.

ولا تزال منطقة الجنوب الشرقي من العاصمة الأمريكية واشنطن هي الأخرى تحت وقع الصدمة. أسبوع مرّ على مقتل موريس سكوت، الطفل البالغ من العمر 15 عاماً والذي قتلته مجموعة مسلحة أمام متجر غير بعيد عن منزله.

زارت TRT عربي المنطقة التي يسكنها الأمريكيون من أصول أفريقية، وغالباً ما يتجنب البيض الدخول إليها، فـ"ساوث إست" تُعدّ من أخطر أحياء واشنطن.

أمام منزل والدة سكوت، هناك وجودٌ مُلفت لسيّاراتٍ للشرطة غير بعيدة عن المنزل. كانت السيدة في انتظار TRT عربي في منزلها المكوّن من غرفتين وصالة. مظاهر الفقر وقلة ذات اليد واضحة للعيان، أما الحزن فواضح أنه لم يغادر هذا البيت على الرغم من مرور أسبوع على رحيل سكوت.

"قتلوه... اختطفوا مني طفلي الصغير، القتلة قضوا على أحلامه وعلى أحلامي"، تقول والدة سكوت في تصريح خصّت به TRT عربي.

تتذكر مونيك سكوت يوم رحيل ابنها جيداً، كان يوماً عادياً في بدايته قبل أن ينقلب إلى "كابوس" أغرق الأسرة في حزن عميق.

تضيف "كنت أهم بإعداد وجبة فطوره، أخبرني أنه ذاهب إلى المتجر لشراء بعض الأغراض، أنهيت فطوري وذهبت لأستلقي قليلاً، بعدها سمعت أحدهم يطرق الباب ويصرخ. كان صديقه فرانكي الذي صاح في وجهي: سيدتي إن ابنك قتل. نزل عليّ الخبر كالصاعقة، كانت برفقتي شقيقته التوأم، هرولنا بسرعة إلى مكان الحادث وياله من منظر، سْكوت قتل برصاصة بندقية اخترقت رأسه".

كانت مونيك البالغة من العمر 51 عاماً، تنظر إلى ابنها الوحيد موريس، كـ"منقذ" للأسرة مما تعانيه من الفقر، لا سيما وأنه يتوج دائماً على رأس دفعته في الفصل، كتلميذ نجيب ومنضبط يحب التعلّم.

"كان تلميذاً نجيباً بشهادة معلميه، كان نجماً أيضاً في رياضة كرة السلة، باختصار اختطفوا مني كل شيء. موريس لم يكن مجرّد طفل، كان رجلاً ذكياً ومتأكدة من أنه لو بقي بيننا لصار نجماً من نجوم كرة السلّة" تؤكد والدته.

ما تزال ملابسات الحادث غير معروفة. لم تتسلم مونيك تقرير الشرطة بعد، لكنها تجزم هي والمقربون من الأسرة أن ابنها لم يكن ضالعاً في أية أعمال مشبوهة لا سيما أنه يقضي معظم أوقاته في البيت وفي صالة الرياضة.

وتوضح قائلة "ابني تواجد في المكان الخطأ، هو ضحية ليس إلا، إنه طفل صغير لا علاقة له بأي عمل مشبوه". قبل أن تستدرك "في السنة الماضية قُتل طفل آخر في نفس المكان".

وحسب إحصائيات لموقع "إفري تاون سورش"، المتخصص كذلك في تعقب جرائم السلاح، فإن أطفال الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية هم الأكثر عرضة للقتل بالسلاح الناري بنسبة تصل إلى 14 مرة، مقارنة بالأطفال من ذوي البشرة البيضاء.

وفي السياق نفسه تؤكد مونيك أن السلطات تتعامل بنوع من التمييز في مثل هذه الجرائم مضيفة "الإف بي أي يملكون معدات تقنية متطورة يمكنها تحديد ملامح المجرمين، ما سمعته من الشرطة لا يشفي غليلي. قالوا إن كاميرات المراقبة لم تتمكن من رصد تعابير وجوه الجناة. أعتقد أن منطقة ساوث إست غير مهمة بالنسبة لهم، لا أحد يكترث لأوضاعنا".

حادث باركلاند الذي استهدف مدرسة في ولاية فلوريدا في فبراير/شباط عام 2018، وخلف حينها 17 قتيلاً ومصابين بجراح، استلهم مجموعة من الشباب في واشنطن العاصمة لتأسيس منظمة تدافع عن تقنين استعمال السلاح وعلى القضاء على جرائمه.

"مارش فور أور لايفز"، أو مسيرة من أجل أرواحنا تضمّ اليوم أزيد من 300 عضو ينشطون في منطقة واشنطن، يعملون ليل نهار من أجل ولايات أمريكية خالية من حوادث إطلاق النار.

عمل المنظمة يقوم على الترافع "نحن في تواصل دائم مع بعض النواب داخل الكونغرس. نؤمن جيداً أن الحل يبدأ بإقناع جماعات الضغط بأهمية سن قوانين من شأنها حماية أرواح الناس"، يوضح إثان سوميرز، المتحدث باسم المنظمة لـTRT عربي.

وتدعو منظمة "مسيرة من أجل أرواحنا" أيضاً إلى تقنين استعمال السلاح، وتقول إن ذلك لن يتحقق دون مراجعة قوانين منح موافقة حمل السلاح الناري، "نعمل على تشديد إجراءات الحصول على السلاح الناري. مقترحنا ومن خلال التشاور مع بعض النواب في الكونغرس هو الآن فعلاً مُدْرج في جدول أعماله. ويحظى المقترح بدعم بعض النواب، كالسيناتور البارز لينزي غراهام"، يضيف المتحدث.

ميدانياً، تنشط المنظمة أيضاً في عدد من أحياء واشنطن العاصمة من خلال القيام بزيارات إلى المدارس وإلى بعض المؤسسات التي تنشط في نفس مجال، في هذا الجانب يوضح إثان "هناك شراكة مع عدد من المنظمات المحلية، نعمل جنباً إلى جنب في التوعية بمخاطر السلاح، كما نواكب أسر الضحايا وأقرباءهم".

وتواجه المنظمة وغيرها من المؤسسات الناشطة في نفس المجال "خصماً" قوياً اسمه الاتحاد القومي للأسلحة، المعروف اختصاراً بـ NRA. تأسس الاتحاد عام 1871، ويدافع عن حق الأمريكيين في حمل السلاح، مستشهداً في كل مرة بالتعديل الثاني من الدستور الذي يعطي الأمريكيين حق حيازة السلاح.

ويحظى الاتحاد بدعم الرئيس دونالد ترمب، بل بدعم مختلف الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم، ولعل ذلك ما يجعله من أقوى اللوبيات التي تدافع عن "تسليح" الأمريكيين، والنتيجة؛ الولايات المتحدة على رأس قائمة دول العالم المتقدم في جرائم السلاح الناري.

كانت مونيك (وسط الصورة) البالغة من العمر 51 عاماً، تنظر إلى ابنها الوحيد موريس (على اليسار)، كمنقذ للأسرة مما تعانيه من الفقر، قبل أن يقضي بطلق رصاص   (TRT Arabi)
"مارش فور أور لايفز"، أو مسيرة من أجل أرواحنا تضمّ اليوم أزيد من 300 عضو ينشطون في واشنطن، يعملون ليل نهار من أجل ولايات أمريكية خالية من حوادث إطلاق النار (TRT Arabi)
ما تزال ملابسات الحادث غير معروفة ولم تتسلم مونيك تقرير الشرطة بعد، لكنها تجزم هي والمقربون من الأسرة أن ابنها لم يكن ضالعاً في أية أعمال مشبوهة   (TRT Arabi)
يعدّ انتشار السلاح وسهولة امتلاكه من بين الأسباب المساهمة في انتشار حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة   (TRT Arabi)
TRT عربي