تابعنا
يعتبر مراقبون أنّ الإمارات تحاول من وراء دعمها المالي لموريتانيا خدمة مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة.

نواكشوط ـــ أعلنت دولة الإمارات عن دعم مالي بمقدار ملياري دولار لموريتانيا بالتزامن مع زيارة قام بها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للإمارات استمرت عدة أيام، وشهدت تبادل الخطابات بينه ومحمد بن زايد، إضافة إلى العديد من اللقاءات وتبادل وجهات النظر حول بعض القضايا الإقليمية والعربية.

وعلى الرغم من أن وسائل إعلام البلدين صنفت الدعم على أنه لغرض الاستثمار، ودعم موريتانيا التي تعاني في الوقت الحالي من أزمة اقتصادية، إلا أن هناك من يرى أن العلاقات السياسية والأمنية وأهداف الإمارات التوسعية حاضرة بقوة في هذا المجال.

التحكم في مسار اللعبة

يتساءل عدد من المهتمين بالملف السياسي والاقتصادي والأمني بموريتانيا عن أهداف الإمارات من دعمها السخي، في هذه الظروف التي يشهد فيها البلد تولي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لرئاسة البلد، وارتباط نواكشوط بعلاقات وطيدة مع الإمارات تستدعي من الأخيرة التحرك للحفاظ على حضورها في البلد والدفع باتجاه تمرير بعض الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية المحلية والإقليمية ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة لها، والتحكم في توجيه بوصلة المشهد السياسي والدبلوماسي في موريتانيا.

يجب أن ننظر للدعم الإماراتي لموريتانيا من زاوية دوافع كل طرف لكنه بالنظر لدوافع الإمارات فمن الواضح استثماريّاً أن لديها توجهاً لرفع استثماراتها في سبع دول عربية.

أحمد ولد محمد المصطفى، محلل سياسي

وفي هذا الإطار يرى المحلل السياسي أحمد ولد محمد المصطفى أنه يجب أن ننظر للدعم الإماراتي لموريتانيا من زاوية دوافع كل طرف، لكنه بالنظر لدوافع الإمارات فمن الواضح استثماريّاً أن لديها توجهاً لرفع استثماراتها في سبع دول عربية خلال السنوات الخمس المقبلة، كما أنه لا يمكن فصل هذا المسار عن المسار السياسي الذي تهدف من خلاله الإمارات لمشروع واضح هو "دعم الثورات المضادة"، في كل الدول العربية التي لها علاقة بالملف.

ويضيف ولد المصطفى في تصريح لـTRT عربي، أنه على الرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي توجد فيها موريتانيا، وحاجة البلد لدعم مالي نتيجة ارتفاع المديونية، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية (كما أشار إلى ذلك الوزير الأول في خطابه الأخير أمام البرلمان)، فإن العلاقات بين موريتانيا والإمارات شهدت خلال السنوات الأخيرة متانة في مجالات حيوية، كالمجال العسكري حيث قدمت الإمارات طائرة للجيش الموريتاني، ورممت قاعدة عسكرية في الشمال، وتولت شركة إماراتية تسيير ميناء نواكشوط، وشركة أخرى لتسيير المطار".

الثمن السياسي

على الرغم من تمحور الدعم الإماراتي لموريتانيا حول الدعم الاقتصادي والسعي لإنقاذ البلد من أزمته الاقتصادية الراهنة إلا أن الكثيرين يرون أن للدعم الإماراتي علاقة بالشأن السياسي والأمني في موريتانيا والمنطقة العربية والإفريقية بشكل عام.

ويرى الناشط السياسي المعارض وجاهة ولد الأدهم أن الإمارات بعد الثورات العربية الأخيرة، شكّلت حلفاً مناهضاً لها، ووجدت في الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز ضالتها حيث ارتمى في حضن محور (الإمارات والسعودية)، عندما استشعر الخطر الداخلي، إضافة إلى رغبته في الحصول على أموال البلدين مقابل الارتهان لتوجهاتهم الدبلوماسية.

وأضاف ولد الأدهم في تصريح لـTRT عربي، أن ارتماء الرئيس السابق في حضن المحور الإماراتي السعودي تمت ترجمته بقطع العلاقات مع الشقيقة قطر في خطوة لاقت رفض معظم أطياف الشعب بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية، مشدداً على أن الدعم المالي الإماراتي للرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني (خليفة الرئيس السابق في الحكم)، يدخل في نفس السياقات السابقة مع ظهور عوامل جديدة كالرغبة الجامحة للنظام الموريتاني الحالي في قطع الطريق أمام الرئيس السابق في توظيف علاقاته مع الإمارات في اتجاه مواجهة يمكن أن تتطور بين شركاء الأمس فرقاء اليوم.

ارتماء الرئيس السابق في حضن المحور الإماراتي السعودي تمت ترجمته بقطع العلاقات مع الشقيقة قطر وهو ما لاقى رفض معظم أطياف الشعب.

وجاهة ولد الأدهم، ناشط سياسي موريتاني

واعتبر ولد الأدهم أن الإمارات تسعى من خلال دعمها المالي للنظام الجديد في موريتانيا إلى قطع الطريق على إعادة العلاقات القطرية الموريتانية ومحاولة الحضور في موريتانيا بقوة خلال السنوات القادمة في ظل تحولها إلى أهم البلدان المصدرة للغاز الطبيعي والذي ينظر إليه على أنه سيكون منافساً قوياً للغاز القطري.

ويؤكد ولد الأدهم أن الإمارات تسعى إلى محاولة للحضور العسكري بالمنطقة، لتعزيز محاولات التدخل بالمنطقة المغاربية بعد حضورها في ليبيا، ورغبتها في دخول المشهد السياسي التونسي، مُنبّها ـ في الوقت ذاته ـ إلى تأثير موريتانيا في البلدان الإفريقية بحيث تشكل سوقاً جديدة، ومنطقة استراتيجية لتشبيك العلاقة مع الإمارات خصوصاً بعد زيارة أمير قطر لبعض الدول الإفريقية والعربية في فترة سابقة.

بدوره يرى المحلل السياسي أحمد محمد المصطفى أن الثمن السياسي للدعم الإماراتي يظل مطروحاً خصوصاً أن الإمارات مهتمة بالمنطقة المغاربية والإفريقية، والسقف الأدنى لهذا الثمن هو وقوف موريتانيا بقوة وبشكل مكشوف إلى جانب المحور المضاد للثروات، رغم أن نواكشوط كانت دائماً تحتفظ بالوقوف مع إيران.

ويضيف أن موريتانيا قد اتخذت موقفاً متشنجاً في السابق كقطع العلاقات مع دولة قطر، لكن موقفها الأخير من القضية الليبية كان أكثر تأنياً عندما عَزَّت حكومة الوفاق الوطني في ضحايا قصف الطيران الإماراتي، ومن هنا يتضح مدى رغبة الإمارات وسعيها للسيطرة على المواقف الدبلوماسية لموريتانيا.

على الرغم من تأكيد بعض المحللين السياسيين والمعارضين أن الدعم الإماراتي لموريتانيا له ثمن سياسي وأمني واقتصادي إلا أن الناطق باسم الحكومة أكد أن الثوابت الوطنية لا تباع ولا تشترى.

أحمد ولد محمد المصطفى، محلل سياسي

وشدد ولد محمد المصطفى على أن السقف الأعلى للدعم الإماراتي لموريتانيا قد يصل إلى ملف صفقة القرن في ظل الحديث عن دور الإمارات في العمل على تغيير مواقف دول عربية من القضية، وهو الملف الحساس في موريتانيا بسبب الإجماع الوطني على قضية فلسطين ورفض أي تطبيع، كما أن الملف القطري سيكون حاضراً ضمن الملفات الأخرى المرتبطة بالدعم الإماراتي.

التمسك بالثوابت

على الرغم من تأكيد بعض المحللين السياسيين والمعارضين أن الدعم الإماراتي لموريتانيا له ثمن سياسي وأمني واقتصادي، إلا أن الناطق باسم الحكومة أكد أن الثوابت الوطنية لا تباع ولا تشترى، مشيراً إلى أن ما يحدث بين الدول هو العلاقات والشراكة وتبادل المصالح ولكن ليس على حساب الثوابت الوطنية والمصالح الوطنية.

وقال الناطق باسم الحكومة الموريتانية سيدي ولد سالم في مؤتمر صحفي بنواكشوط، إن الزيارة التي نفذها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للإمارات هي زيارة دولة تتضمن المصالح العامة للبلد وتعزيز الشراكة، وليست زيارة خاصة.

TRT عربي