تابعنا
أخيراً تمكنت الوساطة الأفريقية الإثيوبية المشتركة، من إقناع قوى الحرية والتغيير، بالعودة للتفاوض المباشر، مع المجلس العسكري الانتقالي.

بعد مرور ثلاثين يوماً على فض اعتصام القيادة العامة بالقوة، في 3 يونيو/حزيران الماضي، بعدما علّقت قوى الاحتجاج التفاوض -وقتها- تنديداً بما سمّته مجزرة فض الاعتصام، استطاعت الوساطة الأفريقية الإثيوبية المشتركة إقناعها للتفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي.

المشاركة الواسعة من المواطنين في "مليونية الشهداء"، التي دعت إليها قوى الحراك الشعبي في 30 يونيو/حزيران الماضي، رسمت واقعاً جديداً، ربما يغير كثيراً من موازين القوة في المشهد التفاوضي بالسودان، وفقاً لمختصين.

كانت قوى الحرية والتغيير أكدت مشاركة أحد عشر مليوناً في "مليونية الشهداء"، التي تهدف إلى الضغط على المجلس العسكري لنقل السلطة إلى المدنيين.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية الدكتور إبراهيم مريود، أكد أن عودة قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري للمفاوضات مجدداً، لن تكون بمنأى عن الاستجابة الواسعة من المواطنين في مليونية الشهداء.

برهان شعبي

وقال مريود لـTRT عربي إن قوى الحرية والتغيير برهنت بجلاء على أنها تملك الجماهير المؤثرة في المشهد السوداني، وبالتالي ربما تطالب بأن يكون التفاوض بشروط جديدة، بخاصة أن المجلس العسكري شكك كثيراً في أن قوى الحرية والتغيير لا تمثل الشارع الثوري.

كان نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان حميدتي، أكد أن المجلس يملك شعبية وتفويضاً تفتقر إليه قوى الحرية والتغيير، وبناء على ذلك هدد بتكوين حكومة مدنية بقرار منفرد.

وتوقّع أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية الدكتور إبراهيم مريود، أن يتخلى المجلس العسكري عن شروطه العالية للتفاوض، بعدما حصدت مليونية الشهداء مشاركة غير مسبوقة في السودان.

لكن المحلل السياسي محمد عبد العزيز، رأى خلاف ذلك، منوهاً بأن المجلس العسكري مع أنه مهزوم نفسياً، فإنه سيصر على المناورة، وسوف يتمسّك بسقف المطالب القديمة.

ولفت عبد العزيز في حديثه مع TRT عربي، إلى أن المجلس العسكري يسعى للحصول على رئاسة المجلس السيادي بصورة دائمة، متوقعاً أن يتخلى جنرالات الجيش عن الأغلبية لصالح المدنيين في المجلس السيادي، للحصول على مبتغاهم.

كانت الوساطة الإفريقية الإثيوبية المشتركة، طرحت تكوين حكومة مدنية من قوى الحرية والتغيير، بجانب تشكيل مجلس سيادي من سبعة مدنيين ومثلهم من العسكريين، على أن يتفق الطرفان على شخصية مدنية ثامنة لترجيح كفة المدنيين، كما دعت الوساطة لتأجيل الحوار حول المجلس التشريعي إلى ما بعد تكون الحكومة.

تفاوض مشروط

عودة قوى الحرية والتغيير للتفاوض المباشر مع المجلس العسكري، كشفت عن حالة من الارتباك داخل قوى الاحتجاج في السودان، إذ أعلنت كتلة الإجماع الوطني أحد أبرز المكونات داخل قوى الحرية والتغيير، رفضها للتفاوض المباشر، وطالبت أن يكون الحوار مع المجلس العسكري عبر الوساطة فقط.

وعلى ما يبدو أنه محاولة لتدارك الخلافات بداخلها، رهنت قوى الحرية والتغيير، عودتها للتفاوض المباشر مع المجلس العسكري، بإطلاق سراح المعتقلين.

وقال القيادي في قوى الحرية والتغيير جعفر حسن لـTRT عربي، إنهم طالبوا بمعرفة ماذا جرى بشأن الملاحظات التي دفعوا بها للوساطة، وهل حصل تضمينها لبنود المبادرة المقترحة، أو لا.

وأضاف "طالبنا بأن يتم إخطارنا بالرد على هذه الشروط قبل الدخول إلى جلسة المفاوضات المباشرة".

لكن أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية الدكتور إبراهيم مريود، رأى أن قوى الحرية والتغيير قدّمت تنازلاً بقبولها التفاوض المباشر، وبالتالي يجب على المجلس العسكري أن يقابل هذا الموقف بالتخلي عن سقف المطالب العالية، بخاصة أن التفاوض المباشر كان مرفوضاً بالنسبة لقوى الحراك الشعبي.

كانت قوى الحرية والتغيير علّقت التفاوض مع المجلس العسكري عقب فض اعتصام القيادة العامة بالقوة، إذ قُتل أكثر من 120 من المعتصمين، وفقاً للجنة الأطباء المركزية.

ورهنت قوى الحرية والتغيير -حينها- العودة إلى التفاوض بالتحقيق في الحادثة بواسطة لجنة تحقيق دولية.

هنا يشير المحلل السياسي محمد عبد العزيز إلى أن الوساطة الأفريقية الإثيوبية المشتركة اقترحت تكوين لجنة مستقلة برعاية إقليمية للتحقيق في فض الاعتصام، وقال إن ذلك ربما يكون قرّب المسافة الفاصلة بين قوى الاحتجاج والمجلس العسكري.

ولفت عبد العزيز إلى أن عودة قوى الحرية والتغيير إلى التفاوض ربما تحرج المجلس العسكري وتضعه من جديد في مواجهة المجتمع الإقليمي والدولي، حال لم يظهر المرونة المطلوبة في التفاوض.

وانتهت في 30 يونيو/حزيران الماضي، المهلة الممنوحة من قبل الاتحاد الإفريقي للمجلس العسكري الانتقالي، لتسليم السلطة للمدنيين.

كان مجلس السلم والأمن علّق عضوية السودان في منظماته وفقاً للبند السابع من ميثاق الاتحاد الإفريقي، وهدد بمحاسبة أعضاء المجلس العسكري حال عرقلوا نقل السلطة للمدنيين، قبل 30 يونيو/حزيران الماضي.

إقرار سياسي

المشاركة الواسعة في مليونية الشهداء، غيّرت كثيراً في الواقع السوداني، حيث أقرّت منظومات سياسية بنجاح قوى الاحتجاج، في حشد الجماهير.

وأثنى رئيس حزب منبر السلام العادل الطيب مصطفى، على قدرة قوى الحرية والتغيير في التحشيد، لكنه شدد على أنها لا تمثل كل السودانيين، وطالبها بالنأي عن إقصاء المكونات السياسية الأخرى.

وبدوره، أشار القيادي في قوى الحرية والتغيير مدني عباس مدني، إلى أن مليونية الشهداء أثبتت بجلاء قدرتهم على التأثير في الجماهير، وبرهنت على أن موازين القوة في صالحهم.

وأضاف "على الرغم من البرهان الذي أثبتته مليونية الشهداء، لكننا سنستمر في طرحنا القديم، ولن نعلِّي سقف مطالبنا، مع أن ذلك من حقنا تماماً، وكل ذلك بهدف إنهاء الأزمة وتكوين مؤسسات الدولة المدنية، لاستكمال أهداف الثورة.

المشاركة الواسعة في مليونية الشهداء، غيّرت كثيراً في الواقع السوداني، حيث أقرّت منظومات سياسية بنجاح قوى الاحتجاج، في حشد الجماهير (Reuters)
المجلس العسكري السوداني شكك كثيراً في أن قوى الحرية والتغيير لاتمثل الشارع الثوري (AP)
TRT عربي