الرئيس أردوغان استقبل نظيره الأوكراني في إسطنبول (AA)
تابعنا

رفضت تركيا الاعتراف بالسيادة الروسية على شبة جزيرة القرم الأوكرانية، وذلك بعد ضمّ موسكو القرم إلى الأراضي الروسية في مارس/أذار 2014، حيث ترى أنقرة أن تتار القرم جزء لا يتجزأ من العالم التركي الكبير الذي تتشارك معه اللغة والتاريخ والثقافة الواحدة. ولهذا، يؤكد الرئيس أردوغان ووزارة الخارجية التركية على الدوام مواصلة تركيا تقديم الدعم السياسي لأوكرانيا من أجل الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، إدراكاً للدور المحوري الذي تلعبه كييف في ضمان الاستقرار والسّلام في منطقة البحر الأسود.

فمنذ الأزمة الروسية الأوكرانية قبل أكثر من 7 سنوات، شهدت العلاقات التركية الأوكرانية تتطوراً ملحوظاً بوتيرة متسارعة، اقتربت من الارتقاء لمستوى العلاقات الاستراتيجية الرفيعة، بعد توقيع العديد من الاتفاقيات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والدفاعية، خلال الزيارات الرفيعة المتبادلة على مستوى الرؤساء والوزراء.

والتي كان آخرها، زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى إسطنبول يوم 10 أبريل/نيسان الماضي من أجل المشاركة في اجتماع المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، الذي حضره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وعقب اللقاء، أكد أردوغان مجدداً دعمه وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، وأضاف قائلاً: " إنّ تعاوننا ليس بأيّ حال من الأحوال محاولة ضد دولة ثالثة"، في إشارة طمأنة لبوتين، الذي اتصل بأردوغان في اليوم السابق للاجتماع.

روسيا تراقب التقارب التركي الأوكراني

من جانبه دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، جميع الأطراف المعنية بحلّ الأزمة الأوكرانية للامتناع عن شحن المشاعر العسكرية في أوكرانيا. وعاد وأكّد مجدداً من خلال تصريحه لصحيفة "أرجومنتي آي فاكتي" الروسية، والذي جاء فيه: "ننصح بشدّة زملاءنا الأتراك بتقييم الموقف بعناية والامتناع عن تأجيج المشاعر العسكرية في كييف". فيما هدد مساعد رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف بدوره بـ"إعادة النظر في التعاون الفني والعسكري مع تركيا في حال باعت مُسيّرات لأوكرانيا".

بينما قرأت الحكومة الروسية التقارب التركي الأوكراني بمثابة محاولة تركية لتأجيج نار الصراع الروسي الأوكراني، بهدف إيجاد أسواق جديدة لبيع المنتجات العسكرية التي تنتجها شركات الصناعات الدفاعية التركية، وذلك بعد رصد مُسيّرات تركية من طراز "بيرقدار TB 2" فوق منطقة دونباس والبحر الأسود، فضلاً عن كونه محاولة لردم الهوّة مع المعسكر الغربي بقيادة أمريكا من خلال استغلال الأزمة مع أوكرانيا لتضيّق الخناق على روسيا في مياه البحر الأسود.

وفي أعقاب الاجتماع الذي جمع الرئيسين التركي والأوكراني، نشرت الصحيفة الروسية "غازيتا الروسية" تقريراً بعنوان: "تركيا لها مخططاتها الخاصة.. لماذا يدعم أردوغان أوكرانيا؟"، سلّطت فيه الضوء على التعاون السياسي والعسكري بين كلٍّ من أنقرة وكييف، والأهداف وراء هذا التحالف الذي تستغله أوكرانيا لتعزيز قواتها العسكرية بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية في مجال الطائرات المُسيّرة، فضلاً عن نيل دعم أنقرة في ملف انضمام أوكرانيا لحف الناتو، فيما تسعى تركيا لتعزيز أوراق لعبها في سياستها الخارجية التي تعتمد على تعدد المحاور. ولم يغفل التقرير عن التوجّس الروسي إزاء هذا التقارب.

منصّة القرم تزيد التوجّس الروسي

الاثنين الماضي، شارك وزير الخارجية التركي في القمّة التأسيسية لمنصّة القرم التي عُقدت في العاصمة الأوكرانية كييف بمشاركة 46 وفداً من دول ومنظمات عديدة، والتي تسعى أوكرانيا من خلالها إلى الحفاظ على قضية شبه جزيرة القرم مدرجة على الأجندة الدولية.

المشاركة التركية رأت فيها الصحافة الروسية تهديداً تركياً مباشراً يستهدف السيادة الروسية ويسلب منها السيطرة على مياه البحر الأسود. ومن أبرز التقارير الصحفية التي تعرّضت للمشاركة التركية في منصة القرم، التقرير الذي نشرته الصحيفة الروسية "سفوبودنايا بريسا" تحت عنوان: "أنقرة ذهبت إلى كييف لتظهر لروسيا من هو سيّد البحر الأسود"، والذي استعرض الدور التركي المعادي لروسيا في منصة القرم.

من جانبه، أشار الأستاذ المساعد في الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الشؤون الخارجية الروسية، فلاديمير أفاتكوف، إلى أنّ تركيا ما زالت تنتهج النهج نفسه من خلال محاولتها الجلوس على عدة كراس في الوقت ذاته. وقال: "تركيا من ناحية، تُظهر لروسيا أنها أصبحت لاعباً أكثر استقلالية في نظام العلاقات الدولية، ومن ناحية أخرى، تُظهر الولاء للغرب، وتقوّض مصالح روسيا في دول الاتحاد السوفيتي السابق".

ولفت أفاتكوف، إلى أنّ تركيا تستغلّ قضية شبه جزيرة القرم وسكانها من التتار لتحقيق مكاسب خارجية على مستوى المنطقة وخصوصاً في العالم التركي، وداخلياً من خلال اللعب على ورقة القومية والإسلام لتحقيق مكاسب سياسية من شأنها تعزيز سلطة ونفوذ أردوغان في الانتخابات المقبلة، نظراً لعدد المسلمين والقوميين الكبير.

سياسة تعدد المحاور

تتباين آراء الخبراء الروس حول التقارب التركي الأوكراني في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد تحسّن العلاقات التركية الروسية في الملف السوري وما تبعه من شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الروسية "S 400". فمن جانب، يرى آمور هاجييف، من مركز الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية، أنّ تركيا تتعامل مع أوكرانيا بموافقة ضمنية من موسكو، وأن هدفها الأعظم هو فتح أسواق جديدة لبيع منتجاتها الدفاعية، وبالأخص الطائرات المسيّرة.

ومن جانب آخر، يشير فيكتور نادين راييفسكي، الباحث في مركز دراسات الاقتصاد والعلاقات الدولية في موسكو، إلى أنّ تركيا تستخدم الأزمة الأوكرانية كورقة ضغط ضد روسيا.

فيما يتّفق الخبيران، على أنّ أنقرة ستبقى معتمدة على سياسة تعدد المحاور في سياستها الخارجية. فبحسب هاجييف، فإنّ تقارب أنقرة مع كييف يعكس اهتمام تركيا بزيادة نفوذها في منطقة البحر الأسود. فيما يرى رايفسكي أنّ محاولات أنقرة لدعم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو ما هي إلا تذكير بدور تركيا المحوري داخل الحلف.

TRT عربي