تطرح مظاهرات الجمعة تساؤلات جديدة حول استخدام العنف، وإمكانية حدوث مواجهات بين القوات الأمنية ومجموعات مسلحة دُعيت لحماية المظاهرات (Reuters)
تابعنا

استفاق العراق على احتجاجات مبكّرة، صباح الجمعة، استبقت يوم احتجاجات واسعة تُعدّ الأكبر منذ بداية الحراك في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري. ففي الوقت الذي بدت فيه في طريقها إلى الهدوء، عادت لتشتعل من جديد مساء الخميس.

وتطرح مظاهرات الجمعة تساؤلات جديدة حول استخدام العنف، وإمكانية حدوث مواجهات بين القوات الأمنية ومجموعات مسلحة دُعيت لحماية المظاهرات، وحول دلالات اقتحام المنطقة الخضراء التي تُعتبر ذات أهمية كبيرة لضمّها مقارّ حكومية رسمية وهيئات دبلوماسية.

"اقتحام" المنطقة الخضراء

انطلقت، منتصف ليل الخميس/الجمعة، موجة جديدة من الاحتجاجات ضد الحكومة العراقية في بغداد وعدة محافظات وسط وجنوبي البلاد، بعد أيام من الهدوء النسبي.

في السياق ذاته، خاض المتظاهرون عدة محاولات لاقتحام المنطقة الخضراء، التي تضم مقار الحكومة والبرلمان ومنازل المسؤولين والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، بينما قابلت قوات الأمن هذه المحاولات بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص الحيّ.

في الأثناء، أعلن مسؤولون في وزارة الصحة العراقية سقوط قتيلين اثنين ونحو 100 جريح من المتظاهرين، خلال المواجهات التي أعقبت محاولات اختراق المنطقة الخضراء تحولت إلى رمز لعزل الطبقة السياسية عن الشعب خلال العقد الماضي.

وتعدّ احتجاجات الجمعة موجة جديدة تستأنف الحراك الذي بدأ مطلع الشهر الجاري، رافعاً مطالب أساسها اقتصادي، ينطلق من المطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد، قبل أن يأخذ طابعاً سياسياً ويدعو إلى استقالة الحكومة بعد موجة العنف التي ووجه بها.

وقال موقع ميدل إيست آي البريطاني إن "مظاهرات الجمعة حرّكها الغضب المتصاعد بعد أعداد القتلى التي خلفتها موجة الاحتجاجات السابقة منذ بداية أكتوبر".

من جهتها، أشارت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أن "مظاهرات الجمعة أكبر وأكثر غضباً عن سابقاتها" أمرٌ يدلّ، حسب الصحيفة، على أن "العراق يواجه أزمة داخلية أكثر جديّة من كل شيء عاشه العراق بعد فترة صدام حسين".

سلاحُ الدولة وسلاحٌ لـ"حماية" المظاهرات؟

استباقاً لموجة الاحتجاجات الجديدة، أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، مساء الخميس، طرح حزمة إصلاحات جديدة، كان أبرز ما جاء فيها تحسين الخدمات وفرص العمل للمواطنين، ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم للقضاء، وتحقيق النمو الاقتصادي للبلاد.

وفي خطوة مفاجئة، تعهّد عبد المهدي بحصر السلاح في يد الدولة، وحل الفصائل المسلحة، وضمان الحريات والأمن والاستقرار، لكنه عاد وحذّر من أنه لن يتم التسامح مع أي "أعمال عنف".

وقال إنه سيعمل على خفض أجور كبار المسؤولين إلى النصف تدريجياً، على أن يعاد توجيه الأموال إلى صندوق للضمان الاجتماعي لصالح الفقراء، مشيراً في الآن ذاته إلى أن "استقالة الحكومة، الآن، دون بديل دستوري يعني الدخول في الفوضى".

في هذا السياق، قال الباحث السياسي جاسم الغرابي لـTRT عربي إن إعلان عبد المهدي "لم يكن في المستوى المطلوب"، مشيراً إلى انعدام "ضامن لتنفيذ هذه الإصلاحات، إذ لم تعد هناك ثقة بين الطبقة السياسية والمواطنين".

لم يلاق إعلان عبد المهدي ترحيباً شعبياً، إلا أنه في جزء منه جاء رداً على إعلان دعوة الزعيم الديني مقتدى الصدر أنصاره التظاهر، طالباً من جناحه المسلح "سرايا السلام" الاستعداد "لحماية المتظاهرين"، ما أثار مخاوف حيال حصول مزيد من أعمال العنف، واحتمال حصول مواجهات مع قوى الأمن.

من جهته، حذر المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، الجمعة، من انزلاق البلد إلى العنف والفوضى، ودعا إلى "الالتزام التام بسلمية التظاهرات وعدم السماح بانجرارها إلى استخدام العنف"، مطالباً باتخاذ "إجراءات مشددة لحصر السلاح بيد الدولة".

جيلُ احتجاجاتٍ جديد؟

حجم الاحتجاجات وكثافتها واستمراريتها، بالإضافة إلى مطالبها وشعاراتها، جعلت عدداً من المراقبين يشيرون إلى أنها تندرج ضمن موجة جديدة من ثورات وانتفاضات "الربيع العربي"، استمراراً للحراكات في كل من السودان والجزائر ثم لبنان، كما أنها تشير إلى تشكّل جيل جديد من أشكال الاحتجاج عربياً.

من جهته، شدّد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، على أن الحراك العراقي يدخل ضمن "جيل جديد من الاحتجاجات"، وبرر ذلك بالقول إن مطالبه لم تتوقف "عند توفير الخدمات وتحسين الظروف الاقتصادية والتخلص من فساد الطبقة السياسية"، بل تميزت بكونها نابعة "من شعور عميق بالانتماء إلى وطنية عراقية صاعدة تؤمن بأن الاستقلال السياسي عن أي محور إقليمي ودولي، هو مدخل لتغييرات لا غنى عنها لتحقيق بقية المطالب"

وأضاف المركز في ورقة تقدير موقف، أن الاحتجاجات في البلاد "تمهد لإصلاح سياسي يبدو مستحيلاً في ظل طبقة سياسية يتم التحكم بها من الخارج، وفي ظل اقتسام المغانم بين الفصائل المسلحة والجماعات الدينية في الداخل".

أمر يتفق معه الباحث هشام الهاشمي، إذ يقول إن "دورة التظاهرات العراقية غير المكتملة" هذه، "قد تكون مختلفة لأنها جاءت عابرة لكل الفئات الحزبية والسياسية والأيديولوجية كافة".

حجم الاحتجاجات وكثافتها واستمراريتها، بالإضافة إلى مطالبها وشعاراتها، تشير إلى تشكّل جيل جديد من أشكال الاحتجاج (AP)
TRT عربي