طلاب يحاولون القراءة في إحدى المدارس اليهودية في إسرائيل (Others)
تابعنا

تستعد بلدية القدس لإطلاق منهج جديد لتدريس اللغة العربية لتلاميذ المدارس اليهودية مع بدء العام الدراسي 2022/2023، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "المونيتور" بتاريخ 29 أغسطس/آب 2022.

يركز المنهج المسمّى "أهلاً" على اللغة العربية المحكية بدلاً من العربية الفصحى، على عكس عديد من مناهج العربية المتبعة في مؤسسات التعليم هناك.

هذا المنهج الذي سيطبَّق في 30 مدرسة في جميع أنحاء المدينة، تشرف عليه مؤسسة "مدرسة" وهي منظمة غير ربحية تروّج اللغة العربية المحكية بين اليهود الإسرائيليين.

وذكرت مؤسسة "مدرسة" في موقعها الإلكتروني أن 95% من اليهود الإسرائيليين ليس لديهم القدرة على التواصل باللغة العربية، على الرغم من أن 22% من إجمالي "سكان الداخل" في إسرائيل من الناطقين بالعربية.

تظهر الإحصائيات أيضاً أن 2.4% فقط من اليهود في إسرائيل يمكنهم قراءة نص قصير باللغة العربية، و1.4% فقط يمكنهم كتابة فقرة باللغة العربية، و0.4% فقط من اليهود في إسرائيل يمكنهم قراءة كتاب باللغة العربية.

تثير هذه المسألة قضية الدوافع التي تقف خلف هذا الاهتمام المفاجئ باللغة العربية، في وقت يعيش الفلسطينيون تضييقات عنصرية شتّى تمارَس عليهم من السلطات الإسرائيلية.

يرى يونتان ماندل مدير المشاريع في معهد فان لير المتخصص في أبحاث العلوم الإنسانية والاجتماعية ومقره القدس، في بحث نشر عام 2020 بعنوان: "العرب، اليهود، والعربية: تعليم العربية في إسرائيل وتحدياتها"، أن تدريس العربية دائماً يرتبط بالاحتياجات الأمنية لدولة إسرائيل، وبين وزارة التعليم الإسرائيلية والاستخبارات العسكرية تاريخ طويل من التعاون من أجل إعداد كادر يتقن العربية للعمل في الجهاز الاستخباراتي، كما تحظى وزارة التعليم بدعم مالي من الجيش الإسرائيلي أيضاً.

في حين تقوم بعض المبادرات المهتمة بتدريس اللغة العربية على الترويج للأمر باعتباره إدماجاً للثقافة بين مجتمعَين ولتطوير الحياة المشتركة بين العرب واليهود، إلا أن الواقع العملي والقانوني، وفق خبراء، بعيد إلى حد كبير عن هذه المزاعم. وخصوصاً بعد إقرار قانون القومية في 2018، وحذف العربية من اللغات الرسمية للدولة والإبقاء على العبرية فقط.

على سبيل المثال يعاني العرب الفلسطينيون من سحب تراخيص مدارس فلسطينية خاصة في القدس الشرقية في الآونة الأخيرة بحجة التحريض على إسرائيل في الكتب المدرسية، كما هُدمت مدرسة في الشهر الماضي. فحسب ما نقلته كالة الأناضول، أصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس، قرار "هدم فوري" لمدرسة عين سامية شمال شرق مدينة رام الله.

المسألة ليست حديثة

يقول عبدالله معروف أستاذ دراسات بيت المقدس ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى في حديثه مع TRT عربي: "إن مسألة تعليم اللغة العربية في المدارس بإسرائيل ليست حديثة، والحديث فيها مستمر منذ بداية تأسيس تلك الدولة في 48، لكن الخلاف كبير داخل المؤسسات والمجتمع الإسرائيلي في جدوى أهمية تعلم العربية"،

وأضاف أن "بعض الباحثين الإسرائيليين يرى ضرورة تعليم اليهود في فلسطين العربيةَ من باب تمكينهم من الاطلاع على المحيط العربي والتعامل معه بأريحية، في حين يقابَل هذا المسعى بمعارضة من بعض الذين يرون أن هذا سيؤثر على الشخصية اليهودية".

ويكمل معروف: "في فترة معينة من الثلث الأخير من القرن الماضي صدرت قوانين بإلزام تعلم العربية في المرحلة الإعدادية ثم تراجعت السلطات الإسرائيلية بعد زمن، وجعلت تعلمها اختيارياً وهذا ما يظهر تخبطهم حول الأمر".

وفي هذا الصدد يشير النائب السابق لرئيس بلدية باقة الغربية ومدرس اللغة العربية في الجامعة المفتوحة إدريس مواسي في حديث خاص مع TRT عربي إلى أن "تدريس العربية في المدارس العبرية قديم جداً، درّستُ قبل 40 أو 42 سنة في مدارس يهودية، المسألة قائمة طوال الوقت ولكن لم تكن تؤخذ بشكل جدي. خصوصاً وأن الطلاب كانوا يدرسون بالفصحى فقط وهي لن تفيدهم في الحياة اليومية، لذلك جرى التركيز على تدريس اللغة المحكية إلى جانب الفصحى أيضاً. في المدارس الابتدائية والإعدادية كتب ومناهج لتدريس العربية المحكية منذ فترة، أما في الثانوية فيركزون على تعلم الفصحى حتى إن منهم من يجتاز امتحان الثانوية في اللغة العربية قبل القبول في الجامعات".

أسباب التوسع في تدريس اللغة اليومية

وفي ضوء إغلاق المدارس العربية الشهر الماضي في القدس وهدم أخرى والتوسع في تعليم العربية بالمدارس اليهودية يقول معروف: "في الحقيقة فإن سلطات الاحتلال لا تتعامل مع تعلم العربية من منطلق ثقافي بحت وإنما من منطق كولونيالي استعماري يهدف بالدرجة الأولى إلى فهم المجتمع العربي للتعامل معه بشكل أسهل".

ويؤكد على أن "هذه الإجراءات لا تعني أن سلطات الاحتلال تريد التعايش مع المجتمع العربي بل تريد أن تستفيد من هذا الأمر في تسهيل عمليات اختراق المجتمع العربي سواء في مدينة القدس أو في بقية الأراضي الفلسطينية، لذلك نرى هذا التناقض". وأضاف أن "سلطات الاحتلال لا ترى اللغة العربية لغة حضارة، وكثير من أبناء التيار الصهيوني المتشدد في دولة الاحتلال يتعاملون مع العربية بشيء من الازدراء وتقليل أهميتها".

على صعيد آخر، يرى مواسي، وهو مرشح سابق عن فلسطينيّي 48 لانتخابات الكنيست في الدورة الـ19 في قائمة عدالة اجتماعية، أن "عديداً من اليهود يرغبون في تعلم العربية، لكي يستطيعوا التحدث مع جيرانهم العرب بشكل أكثر جدوى ويتعلموا تقاليدهم وطباعهم وحتى أمثالهم الشعبية".

ويشير مواسي إلى أن "بعض الطلاب اليهود في الجامعات يقولون إنهم أتوا لتعلم العربية رغبة في العيش بسلام مع العرب، وخصوصاً اليساريين منهم". وعلى جانب آخر لا ينكر مواسي وجود "من يتعلمون للالتحاق بالاستخبارات، مؤكداً أن لهؤلاء معاهد متخصصة".

واستكمل مواسي حديثه قائلاً: "لديّ بعض الطلبة في الجامعة المفتوحة، هم في الأصل معلمون يهود أتوا لتعلم العربية لرغبتهم أن يصبحوا معلمين للغة العربية في المدارس الإسرائيلية. ومع ذلك لا نستطيع القول إن عدداً ضخماً يسجل في دورات اللغة العربية بالجامعة، فهو تقريباً لا يتعدى 150 شخصاً سنوياً".

وعن علاقة مبادرات المجتمع المدني لتعليم العربية المحكية بحكومة الاحتلال، يؤكد أستاذ دراسات بيت المقدس عبد الله معروف لـTRT عربي أن هذا الأمر "يعتمد على طبيعة منظمات المجتمع المدني وطريقة تقديم رؤيتها في تعليم العربية للمجتمع الإسرائيلي"، مؤكداً أن "بعض المنظمات يتبع اليسار الإسرائيلي ولا يلقى دعماً حكومياً كبيراً خاصة من حكومات اليمين الإسرائيلي، ولكن يوجد بعض المؤسسات التي تتفهم رؤية اليمين في موضوع تعليم العربية في المجتمع اليهودي في إسرائيل وهذه تتلقى بعض الدعم الحكومي".

وعن كيفية استقبال فلسطينيّي 48 مثل هذه المبادرات، يرى معروف أن "فلسطينيّي 48 من أكثر الجهات التي تفهم العقلية الإسرائيلية وخفايا وأبعاد مقترحات الاحتلال بتعليم اللغة العربية المحكية للمجتمع اليهودي في إسرائيل وبالتالي فهم يفهمون تماماً أن المقصود ليس التقرب منهم بقدر ما هو لمحاولة فهمهم بشكل أكبر ومحاولة التعامل معهم، وذر الرماد في العيون في نفس الوقت لإبراز وكأن في هذه الدولة ديمقراطية، وإظهار أنها تتعامل مع الجميع بشكل متساوٍ".

من جانبه، اختتم مواسي حديثه مع TRT عربي قائلاً: "المسألة هنا ليست في غياب لغة التفاهم، فجميع فلسطينيّي الداخل يتقنون اللغة العبرانية تقريباً مثلهم مثل اليهود، ونحو 75 % من سكان الضفة الغربية يتقنونها أيضاً، ومع ذلك البعض يؤيد أن يتعلم اليهود العربية، لأننا لدينا ثقافة مختلفة وتاريخنا الخاص وهم لا يعرفون عن ذلك شيئاً، من المهم جداً أن يصل إليهم ذلك وأن يدركوا وجودنا".

TRT عربي