نانسي بيلوسي (Others)
تابعنا

فجّر الهجوم على منزل رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الجدل من جديد حول العنف السياسي في الولايات المتحدة وتزايد المؤشرات على حضوره ضمن الحياة السياسية فيها.

الهجوم أعاد إلى الأذهان أحداث السادس من يناير/كانون الثاني 2020 التي اقتحم فيها محتجون مؤيدون للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب مبنى الكونغرس الأمريكي، في حادثة صدمت الوعي الأمريكي الذي اطمأن طويلاً إلى أن الآليات الديمقراطية هي وحدها التي تصوغ المنافسات السياسية في أمريكا، ليستيقظ على واقع جديد يطلّ فيه الحديث عن الحرب الأهلية برأسه.

ووجدت دراسة استقصائية أجراها جون زغبي عام 2021 أن 46% من الأمريكيين يعتقدون أن الحرب الأهلية في المستقبل أمر محتمَل، في حين شعر 42% أنها غير مرجحة، فيما يعتقد أكثر من خمسي الأمريكيين أنها ستكون محتملة خلال العقد المقبل وفقاً لمسح أجرته الإيكونوميست. وهذا ما أثار تساؤلاً حول إذا كانت أمريكا تقف على عتبة انفجارها.

الميل إلى العنف يتزايد لدى كل الأطراف

على غير المتوقع فإن تبرير العنف السياسي ليس محصوراً بطرف سياسي أو آيديولوجي بعينه في الولايات المتحدة، بل تُظهِر الإحصاءات واستبيانات الرأي تزايُد الميل إلى استخدام هذا النوع من العنف لدى جمهور كلا الحزبين الرئيسيين في البلاد، الجمهوري والديمقراطي، مع تفاوت النسب.

وفي مسح أجراه الباحثان ليليانا مسون وناثان كالموي على مدى السنوات الخمس الماضية، وجدا أن تبرير اللجوء إلى العنف ارتفع (بخاصة بالنسبة إلى الجمهوريين) مع أول محاكمة لعزل الرئيس السابق دونالد ترمب، ثم انخفض مرة أخرى، في حين أن نسبة الداعمين للعنف في وسط الحزبين بين عامي 2017 و2020 كانت متقاربة جدّاً مع ارتفاع نسب للديمقراطيين، لكن حوادث العنف الفعلية كانت أعلى بكثير بالنسبة إلى الجمهوريين.

وفي نفس السياق كانت الأرقام بعد انتهاء الفرز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة مفزعة، ووفقاً لميسون وكالموي فإنه بحلول فبراير/شباط 2021 شعر 25% من الجمهوريين و17% من الديمقراطيين أن التهديدات ضد قادة الحزب الآخر مبرَّرة، واعتقد 19% من الجمهوريين و10% من الديمقراطيين أنه من المبرر مضايقة الأعضاء العاديين في الحزب الآخر، في حين ادّعى 20% من الجمهوريين و13% من الديمقراطيين أن العنف السياسي مبرَّر "هذه الأيام".

الاستقطاب يزداد حدة

في البحث عن أسباب ومسوغات هذا الارتفاع تبدو الاستقطابات السياسية والأيديولوجية الحادة داخل الولايات المتحدة عاملاً رئيسياً ومؤثّراً.

ويزيد الانقسام المجتمعي الحادّ على أساس حزبيٍّ المخاوفَ من تداعيات هذا الاستقطاب، فتقدّر المتخصصة الأمريكية في علم النفس السياسي ليليانا ماسون أن الأمريكيين الآن ينتمون في الغالب إلى مجموعتين عريضتين، ففي حين يميل الديمقراطيون إلى العيش في المدن، حيث من المرجح أن يكونوا أقليات ونساء وغير منتسبين دينياً، ويتجهون إلى الليبرالية، يعيش الجمهوريون عموماً في المناطق الريفية أو في الضواحي، ومن المرجَّح أن يكونوا من البيض والذكور والمسيحيين والمحافظين.

استمرار هذا النمط الانقسامي يهيّئ المجموعتين للصراع مستقبلاً، مع تزايد المشاعر العدائية لدى كل منهما تجاه الأخرى، ومع بلوغ قوة العاطفة الحزبية درجة الاستقطاب العرقي الحادّ في الولايات المتحدة، وتناقص الثقة بالمؤسسات، تتقلص مساحات الثقة بين الطرفين، ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز بيو عام 2016 فإن 55% من الديمقراطيين يقولون إنهم يخافون من الحزب الجمهوري، في مقابل 49% من الجمهوريين يقولون الشيء نفسه عن الديمقراطيين.

هذه النزعة التصارعية تظهر في الأزمات الحادة كالمواسم الانتخابية، ووفقاً لورقة نشرتها "جورنال أوف ديموكراسي" الأمريكية المرموقة، فإن العنف الانتخابي مرتبط بالمنافسة السياسية المتزايدة ولا سيما عندما تكون النتائج غير مؤكدة ومتقاربة للغاية، ما قد يوفر سبباً للجوء إلى العنف، وما قد يدقّ ناقوس الخطر هنا أنه منذ عام 2010 تشهد الانتخابات الأمريكية مستوى من المنافسة غير مسبوق منذ قرابة قرن ونصف من الزمان.

بروز المليشيات المسلحة المتطرفة

تنشط الآن في الولايات المتحدة عدة مئات من المليشيات الخاصة، التي تتألف غالباً من رجال بيض من اليمين الأمريكي القلق على مستقبل البيض من تغيُّر التركيبة السكانية نحو أمريكا أكثر تعددية عرقياً، ومن خلال نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي تعمل هذه المجموعات على جذب المتطرفين وتدريبهم على المواجهات العنيفة، إذ يتحدثون صراحةً عن التمرُّد المسلح.

ووجد تحليل أجراه مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية (CSIS) أن الإرهابيين اليمينيين المتطرفين، بما في ذلك المتطرفون من المليشيات والمتفوقون البيض، يشكّلون أكبر تهديد إرهابي محلي في الولايات المتحدة، مع تزايد نشاطهم في السنوات الأخيرة.

تزامن التصاعد في نشاط هذه المجموعات مع ارتفاع مبيعات الأسلحة في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، فوصفت إحدى المؤسسات المعنية بالسلاح في الولايات المتحدة أن الأمريكيين "مدججون بالسلاح بدرجة عالية ولديهم قدرات خطرة".

هل الحرب الأهلية هي الخيار الوحيد أمام الأمريكيين؟

كل ما سبق يعتبره عديد من المراقبين عوامل محتمَلة لانفجار حرب أهلية داخل الولايات المتحدة، لكن هذا ليس الرأي الوحيد في القضية، إذ يستبعد باحثون مثل هذا الاحتمال رغم إقرارهم بخطورة كل المؤشرات المذكورة سابقاً.

هذا التقييم بُني على أن معظم المنظمات التي تتحدث عن التمرد وإشعال الحرب الأهلية مؤسسات خاصة لا ترعاها الدولة وليس لديها الصلاحيات أو الإمكانيات الحكومية، كما أنها مجموعات طوعية لا يمكنها إجبار الآخرين على تبنّي قضاياها.

بجانب هذا فلا انقسام جغرافيّاً حادّاً بين الولايات الأمريكية، بل اختلافات حضر-ريف داخل بعض الولايات تبعاً للتوجهات السياسية لسكانهما، ما قد يسمح بحدوث مناوشات، لكنها لا ترقى إلى هجوم ولاية على أخرى مثلاً، كما أن عدم وجود تقسيم جغرافي مميَّز أو موحَّد يحدّ من القدرة على مواجهة مناطق أخرى وتنظيم سلاسل التوريد وتعبئة السكان.

كما يذهب آخرون إلى أن الدوافع خلف الحرب الأهلية في بعض الدول أعمق بكثير من الخلافات الأمريكية البينية، كما أن الولايات المتحدة لديها دستور يحظى باحترام واسع، ونظام حزبي مستقر، وانتخابات وطنية لا تزال تعتمد على ناخبين يمكن إقناعهم في الوسط العامّ، ونظام فيدرالي متماسك، وهو ما لا ينطبق على دول مثل سوريا والصومال والكونغو على سبيل المثال.

ووفقاً لمقال نشرته واشنطن بوست فإن المؤرخين والمحللين الأمنيين الذين درسوا أحدث الأدلة على التخطيط للحرب الأهلية يتوقعون وقوع أعمال إرهابية شبيهة بما عاشته الولايات المتحدة أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن المنصرم، التي تضمنت اغتيالات لشخصيات سياسية بارزة، وإحراق أجزاء كبيرة من المدن، وتنفيذ مجموعات راديكالية سرية عمليات سطو وتفجيرات، حتى أطلق مسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي على سان فرانسيسكو اسم "بلفاست أمريكا الشمالية" تشبيهاً لها بعاصمة إيرلندا الشمالية التي احتضنت الجيش الجمهوري الأيرلندي.

هذا المستوى من العنف يصفه ستيفن مارش مؤلّف كتاب "الحرب الأهلية القادمة: برقيات من المستقبل الأمريكي" بأنه "هائل"، لكنه، كما يقول مارش، لا يمكن اعتباره حرباً أهلية.



TRT عربي