مقاتلون موالون لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا يحتلون موقعًا في منطقة السواني جنوب العاصمة الليبية طرابلس. (AFP)
تابعنا

تقهقر ميلشيات حفتر وتكبدها خسائر كبيرة أمام قوات حكومة الوفاق الوطني والمسيرات التركية، دفع الناطق باسم حفتر إلى الإعلان في الثلاثين من شهر أبريل/نيسان عن وقف لإطلاق النار خلال شهر رمضان بطلب من المجتمع الدولي ودول "صديقة". 

هذا على الرغم من تجاهل حفتر كل المطالب السابقة لوقف إطلاق النار، إذ لم تُجدِ معه كل المحاولات الدولية، التي كان آخرها مؤتمر برلين. فيما لم يمنع انتشار وباء كورونا، الذي دفع عديداً من المتنازعين في مختلف جبهات الصدام الدولية إلى وقف القتال مرحلياً، ميلشيات حفتر من استمرار القتال بغية السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس.

هذا التغير الميداني على الأرض، لم يكن ليحصل لولا الدور العسكري التركي المباشر في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، المعترَف بها من قبل المجتمع الدولي. فقد وقفت تركيا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني منذ بدء الانقسام الحاصل في ليبيا، وذلك بوصفها الحكومة المعترف بها دولياً والتي جاءت نتاجاً للمسار السياسي الأممي عبر اتفاق الصخيرات.

لكن إطلاق حفتر عملية السيطرة على طرابلس في شهر أبريل/نيسان من عام 2019، وتغير موازين القوى على الأرض لصالح مليشياته بخاصة بعد دخول المرتزقة الروس على خط القتال تحت غطاء شركة فاغنر، دفع تركيا إلى اتخاذ خطوات أكثر جدية تتجاوز الدعم السياسي في دعم حكومة الوفاق، كان أبرزها مساندة قوات الحكومة على الأرض بالمسيَّرات التركية (طائرات دون طيار) التي أثرت في موازين القوى الميدانية بشكل لافت.

تطور هذا الدعم التركي إثر اتفاقية التعاون الأمني التي وقّعها الطرفان في السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي ترافقت مع توقيع اتفاقية ترسيم للحدود البحرية ربطت مصير الاستراتيجية التركية في شرق المتوسط ببقاء حكومة الوفاق الوطني في طرابلس. وقد تلا ذلك تصويت البرلمان التركي في الثاني من ديسمبر/كانون الثاني الماضي على مذكرة تسمح للحكومة التركية بإرسال جنود أتراك إلى ليبيا، مما مهد الطريق لدعم حكومة الوفاق الوطني بالعتاد العسكري والدعم البشري.

هذا القرار التركي "بتسخير كل إمكانيات تركيا لمنع المؤامرة على الشعب الليبي" وفق تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جاء نتيجة لفشل المنظومة الدولية في حل الصراع الليبي المستمر منذ2014، وردّ فعل على عدم ردع حفتر،إذ يرى الكثير من الخبراء والمراقبين أن المنظومة الدولية عجزت أو "تعاجزت" عن ردع خليفة حفتر، الذي استمر بتجاهل كل المطالبات والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها الاتفاق السياسي الليبي.

في الوقت الذي استمر فيه في استغلال المؤتمرات الدولية كمنصة لاكتساب الشرعية والتحول من قائد لمحاولة انقلابية إلى طرف في الحوار السياسي. وقد تَمثَّل هذا العجز الدولي بإطلاق حفتر هجومه الأخير على العاصمة طرابلس في الوقت الذي كان فيه رأس المنظومة الدولية، الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش في ليبيا تمهيداً لإطلاق مؤتمر الحوار الوطني.

آخر هذه المحاولات الدولية الفاشلة كانت مؤتمر برلين، في يناير/كانون الثاني الماضي. وقد كان الدور العسكري التركي في ليبيا بجانب الحكومة الشرعية الذي سبق المؤتمر، ساهم في إعطاء دفعة له، بخاصة بعد المحادثات الروسية-التركية التي سبقته، والتي دعت إلى وقف إطلاق نار، ورفض حفتر التوقيع عليها. لكن المؤتمر فشل كالمحاولات التي سبقته، بسبب تعنت حفتر الذي غادر المؤتمر دون التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار أيضاً. أما المنظومة الدولية فلم تحرك ساكناً لوقف حفتر. 

فمجلس الأمن عاجز عن اتخاذ موقف ضد حفتر في ظل الموقف الروسي الداعم له، والاتحاد الأوروبي منقسم على نفسه في ما يتعلق بليبيا، في ظل محاولات فرنسا التغول على القرار الأوروبي، أما المنظومة العربية ممثلة بجامعتها فهي تحت وصاية محور مصر-السعودية-الإمارات، وبالتالي فهي خارج المعادلة كما يرى الكثيرون.

وعلى الرغم من خروج نتائج مؤتمر برلين دون المستوى، فإن المحاولات الدولية لإنعاش المسار السياسي استمرت، إذ وافق حفتر لاحقاً على تعيين خمسة ضباط للمشاركة في مسار تفاوضي في جنيف برعاية بعثة الأمم المتحدة، التي تبنت مفاوضات ثلاثية المسار (سياسي، وعسكري، ومالي) لتحريك العملية السياسية في ليبيا.

لكن هذه المحاولات باءت بالفشل أيضاً إثر اصطدامها بتعنت حفتر الذي طالب بتسليم القواعد العسكرية الرئيسية في طرابلس لقواته. وصول مساعي الأمم المتحدة إلى طريق مسدود بدا واضحاً من خلال استقالة المبعوث الأممي غسان سلامة في الثاني من مارس/آذار الماضي، بعد أيام من تصريحه بأن "الهدنة انهارت تقريباً" في ليبيا، ليبقى الميدان هو ساحة التفاوض في ليبيا.

تغير موازين القوى على الأرض في الأسابيع الأخيرة بفضل الدور التركي العسكري بدأ يعيد، وفق مراقبين، التفاوض من الميدان إلى الطاولة من جديد، إذ أنهى هذا الدور النشط لتركيا وما تلاه من تقدم قوات حكومة طرابلس، فكرة الحل العسكري الذي كان يسعى له حفتر وراهن عليه عديد من الأطراف الإقليمية والدولية، عبر تبني خيار "الرجل القوي" في ليبيا، إذ أكّد التغير الأخير في ميزان القوى الميدانية عجز حفتر عسكرياً عن تحقيق أهدافه، وخلق نوعاً من التوازن العسكري، يُفترض أن ينعكس إيجاباً على أي عملية تفاوضية للتوصل إلى وقف إطلاق نار.

لكن هذا لا يعني أن المعركة في الميدان قد حُسمت، فعلى الرغم من أن إنجاز قوات الحكومة في المنطقة الغربية عبر السيطرة على مدينتَي صبراتة وصرمان وغيرهما من المواقع قد رفع الروح المعنوية بين مناصري حكومة الوفاق، فإن خطر حفتر على الأرض ما زال قائماً، إذ لم يحدث حتى الآن تغيُّر مهم في الجبهات على خُطَى ترهونة جنوبي طرابلس أو أبو قرين شرقي مصراته، فيما يبدو أن داعمي حفتر مستمرون في دعمه بالسلاح.

كما أن الانتقال من الميدان إلى طاولة المفاوضات لن يكون بالسلاسة المرجوّة، ولن تكون المعركة السياسية والدبلوماسية أقل أهمية وصعوبة من المعارك الميدانية. فالمعسكر الداعم لحفتر وعلى رأسه الإمارات العربية المتحدة يرى معركته مع تركيا صفرية، لذلك فإنه سيسعى لإعاقة ترجمة التقدم الميداني لإنجاز سياسي لحكومة الوفاق أو حليفتها تركيا.

ويرى خبراء أن الاستثمار في الإنجازات الميدانية ينبغي أن يوجه نحو تحقيق اختراق على المستويات السياسية والدبلوماسية، وذلك من خلال تبني وطرح رؤية سياسية واضحة، والتحرك دبلوماسياً لطرح مبادرة لوقف إطلاق النار تشترط بداية انسحاب مليشيات حفتر إلى ما قبل أبريل/نيسان 2019، مع تأكيد أن الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي هي حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.

TRT عربي