تابعنا
منذ أن صعّد الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاته على الشعب الفلسطيني عامة وقطاع غزة خاصة يوم الاثنين 10 مايو/أيار الجاري، علت الأصوات المنتقدة، ليس لتلك الاعتداءات كما جرت العادة وإنما كان الانتقاد هذه المرة للشعب الذي يدافع عن نفسه أمامها.

علت الأصوات لتنتقد الشعب الفلسطيني عامة والمقاومة خاصة، بحجة أن ما يفعله هذا الشعب وهذه المقاومة "أمور عبثية" أمام قوة الاحتلال الإسرائيلي السياسية والعسكرية.. فهل الأمر كذلك حقيقة؟!

الإجابة بسيطة جداً وبصيغة السؤال: هل الفلسطينيون هم الذين بدؤوا التصعيد بالأقصى أم شرطة الاحتلال والمتطرفون الصهاينة؟!

هل الفلسطينيون هم الذين يريدون طرد المستوطنين من حي الشيخ جراح في القدس، أم أن المستوطنين هم الذين يريدون طرد العائلات الفلسطينية من منازلها بقوة السلاح وما يسمّى القانون؟!

هل المقاومة في قطاع غزة هي التي بدأت إطلاق الصواريخ على المناطق المحتلة هكذا بشكل فوري عشوائي، أم أنها طالبت قبل ذلك الاحتلال بسحب جنوده من المسجد الأقصى وهو رفض؟! وبالتالي هو الذي يتحمل مسؤولية بداية التصعيد في غزة دفاعاً عن المسجد الأقصى وعائلات حي الشيخ جراح، التصعيد الذي تحول فوراً لعدوان وحشي إجرامي على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

ومن يسأل لماذا نقول عدوان وحشي إجرامي، نُجبه: أليس قتل عشرات الأطفال والنساء والشيوخ وهدم منازلهم فوق رؤوسهم هو عمل وحشي إجرامي؟!

تحاول إسرائيل من خلال قصفها الأبراج طمس الحقيقة ومحاولة إخراس الصحافة، حسب صحفيين غزيين (TRT Arabi)

ومن هنا ننطلق إلى "العبثية" التي يُتهم بها الشعب الفلسطيني اليوم وبخاصة مقاومته التي تبهر العدو قبل الصديق بصمودها وتكتيكها العسكري الناجح وقوة إرادتها التي تتعزز ساعة بعد ساعة بالتأييد الذي تحصل عليه من الشعب الفلسطيني أولاً ثم المسلمين حول العالم.

هذه "العبثية" التي يتحدث عنها البعض هي التي أعادت إحياء القضية الفلسطينية بشكل مهول في العالم على الصعيد السياسي والشعبي، بعد أن كانت قد طُمست لفترة طويلة بخاصة بعد انبطاح البعض أمام الاحتلال الإسرائيلي. هؤلاء لم يكن هدفهم الرئيسي مجرد التعامل والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي بأمور سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو تجارية أو سياحية، بل كان هدفهم الأول والرئيسي والأهم والأكبر طمس القضية الفلسطينية وسحق أحلام الشعب الفلسطيني باستعادة حقوقه.

ولكن ما يحصل اليوم في المسجد الأقصى المبارك وعلى كل أرض فلسطين من هَبَّة لم يكن يتوقعها الكثيرون في هذا التوقيت، هو الذي وأد هذا المخطط البعيد عن المبادئ الإسلامية والإنسانية والقانونية الدولية، وبالتالي نستطيع أن نقول أن أول أمر حققته هذه "العبثية" هو إحياء فلسطين في العالم من جديد.

من يتهم الشعب الفلسطيني ومقاومته بـ"العبثية" منزعج اليوم بكل تأكيد لأن هذه "العبثية" هي التي جعلت الملايين في العالم العربي بالتحديد، يتظاهرون على الأرض وعبر مواقع التواصل الاجتماعي دعماً لفلسطين وحقها ورفضاً للاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي انصدموا أن انبطاحهم أمام هذا الاحتلال لم يحقق النتيجة الثانية المرجوة وهي إماتة القضية الفلسطينية في قلوب العرب.

وكذلك استطاعت هذه "العبثية" أن توقظ الملايين حول العالم الذين نراهم اليوم في الميادين العالمية الشهيرة ونرى تصريحاتهم وبياناتهم ومواقفهم المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني الرافضة لهمجية الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن كانوا صامتين في ظل عمل العشرات من شركات العلاقات العامة في الكثير من العواصم العالمية على إماتة القضية الفلسطينية.

ونتابع بأن هذه "العبثية" أيقظت المجتمع الدولي -على الرغم من أننا نعلم أنه عاجز بل متواطئ- الذي كان يتعمد عدم الحديث عن فلسطين وقضيتها لفترة طويلة، يتعامى عن مآسي الشعب الفلسطيني ويتغاضى عن الملايين من الأبرياء المحاصرين في قطاع غزة، ولكن اليوم اضطر إلى الاستيقاظ والحديث وعقد المؤتمرات وإجراء الاتصالات، وهذا إنجاز لهذه "العبثية" على الرغم من أنه لا يوجد عاقل يعتمد على هذا المجتمع لتحصيل حقوقه.

هذا جزء من الإنجازات الأولية التي حققتها هذه "العبثية"، وبالتالي وبالمنطق العقلي لا بد أن يكون لأي إنجازات نتائج إيجابية يرسمها أصحاب الإنجاز وفق شروطهم، وإن أسقطنا هذا الأمر على ما نحن بصدده اليوم في فلسطين فإن الشعب الفلسطيني ومقاومته يفرضون الآن هيبتهم وشروطهم على الاحتلال، وخير دليل على ذلك أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أغلقت أبواب المسجد الأقصى المبارك أمام المستوطنين المتطرفين الذين يرغبون باقتحامه خلال هذه الأيام بحجة "المناسبات الدينية".

مثل هذا الإغلاق ما كان ليحصل لولا قوة ما رأيناه من صمود في القدس وغزة وبقية المناطق الفلسطينية خلال الأسبوع الماضي.

الاحتلال الإسرائيلي عاجز -وهذا ما يقوله خبراء عسكريون- أمام هذه "العبثية".. لا يستطيع وقف صواريخ المقاومة ولا يستطيع ضبط المدن الداخلية ولا يستطيع منع المقدسيين الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك ولا يستطيع حتى أن يكسب في الحرب الإعلامية كما كان يحصل في العقود الماضية. لا يستطيع إلا فعل أمر واحد هو ارتكاب المجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ.

ما نشاهده من صمود أسطوري في فلسطين أمام هذا الاحتلال الظالم أسقط الكثير من المخططات التي رسمها الاحتلال وهو يمتطي المنبطحين أمامه، مخططات كان هدفها نسف القضية الفلسطينية من القلوب والميادين والدوائر العالمية. وبالتالي نحن اليوم أمام مرحلة جديدة ستكون فيها الكلمة العليا للشعب الفلسطيني ومقاومته وصولاً إلى استعادة الحقوق.

الهَبَّة العالمية نتيجة "العبثية" سترعب الاحتلال الإسرائيلي بكل تأكيد وستكشف صورته الحقيقة أمام الجميع بعد سنوات من محاولة تجميلها، ولو لم تكن "الصورة" مهمة لأي طرف لما رأينا مواقع التواصل الاجتماعي تحارب المحتوى الذي يفضح الاحتلال الإسرائيلي، ولما رأينا العديد من الدول الأوروبية يرفع علم الاحتلال على الدوائر الرسمية، فالصورة المعنوية مهمة وهذه المرة سيكون الاحتلال هو الخاسر في هذه النقطة.

نتيجة هذه "العبثية" امتلأت سلة الشعب الفلسطيني ومقاومته بكثير من الأوراق التي سيجري استخدامها المرحلة المقبلة -الممتزجة بنصر يلوح في الأفق- وصولاً إلى مرحلة التلاقي العلني مع الطرح الذي قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضرورة تأمين حماية عسكرية للشعب الفلسطيني، وهو طرح يُقدم للمرة الأولى منذ احتلال فلسطين لم يجرؤ عليه أحد من قبل.

الشعب الفلسطيني سيكون في المرحلة المقبلة سعيداً بوجود قوات عسكرية إسلامية تقف إلى جانبه حتى استعادة كل حقوقه، وهذه الفكرة ستكون مطلباً فلسطينياً بعد انتصار "العبثية" التي نحن بصددها اليوم، لأن مطلباً قوياً وكبيراً كهذا لا يجرؤ على طرحه أو المطالبة به إلا جهة قوية منتصرة، والشعب الفلسطيني سينتصر بقوته العسكرية وصموده المدعومَيْن سياسياً ودبلوماسياً من قِبل تركيا بشكل قوي وهائل أمام العالم.

TRT عربي