إنزال اللواء الملكي البريطاني لآخر مرة في باربادوس خلال حفل تنصيب رئيسة جمهوريتها (Pool/Reuters)
تابعنا

أعلنت باربادوس فجر الثلاثاء نفسها أحدث جمهورية في العالم، بعد أن غادرت رسمياً سلطة التاج البريطاني، منفّذة بذلك ما وعدت به حاكمتها العامة سابقاً ساندرا ميسن في سبتمبر/أيلول 2020، قائلة: "لقد حان الوقت لنتخلص تماماً من الماضي الاستعماري!".

ميسن التي انتُخبت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أول رئيسة لجمهورية بربادوس المستقلة، شهدت عاصمتها بريدجتاون ليلة الاثنين حفل التنصيب الرئاسي الأول من نوعه، إذ أدّت الرئيسة اليمين الدستورية قائلة: "أنا، ساندرا برونيلا ميسن، أقسم بأن أكون مخلصة لباربادوس وبأن أكون وفيّة لها، وفقاً لما ينصّ عليه القانون. فليساعدني الله".

وحضر حفل التنصيب، الذي أُنزلَ خلاله علم التاج البريطاني الذي كان يمثّل أربعة قرون من خضوع باربادوس لسلطة الملكة إليزابيث الثانية، وليّ العهد البريطاني الأمير تشارلز. وألقى خطاباً قال في معرضه إن "ميلاد هذه الجمهورية يمنح شعبها بداية جديدة، لكنه كذلك استمرار لما بُنيَ على طول مسار هذا الشعب".

وتتزامن هذه اللحظة التاريخية للجمهورية الوليدة وذكرى استقلالها عن الاستعمار البريطاني سنة 1966، وتمتعها بحكم ذاتي تحت السيادة الاسمية للملكة إليزابيث الثانية. وتختم بذلك مسار 13 شهراً انتقالياً من النظام الملكي إلى السيادة الجمهورية الكاملة.

قصة استقلال باربادوس

تُعَدّ باربادوس إحدى جزر الأنتيل الصغرى، بتعداد سكان يبلغ نحو 287 ألف نسمة. عرفت سنة 2018 انتخابات برلمانية، اكتسح خلالها حزب العمال ذو النزعة الجمهورية مقاعد المؤسسة التشريعية. وقادت الحكومة أول رئيسة وزراء امرأة، ميا موتلي، التي عزمت منذ تسلمها المنصب على نقل البلاد إلى النظام الجمهوري.

وفي سبتمبر/أيلول 2020، خلال خطاب بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية، أعلنت مولتي عبر خطاب تلته الحاكمة العامة وقتها ساندرا ميسن على أنه "حان الوقت لنتخلص تماماً من الماضي الاستعماري!"، وأن "الشعب البربادوسي يريد الآن أن يكون له رأس دولة خاص به".

قرار لم يُبدِ قصر باكينغهام ممانعة ضده، بل وكان متوقعاً لديه، حسب قول مراسل شبكة BBC آنذاك. هكذا ردّ الناطق باسم العائلة الملكية بأن الأمر "شأن داخلي بالشعب البربادوسي". وقالت الخارجية البريطانية، على لسان ناطقها الرسمي، إن "بريطانيا وباربادوس دولتان متحدتان في تاريخ مشترك، في الثقافة واللغة، وأكثر من ذلك، تجمعنا شراكات متينة سنستمر في العمل من خلالها مع كل شركائنا المحترمين في الكاريبي".

فيما يرجح مراقبون أن تسريع عملية الانتقال تلك حفزها صعود الحركات المناهضة للعنصرية داخل دول العالم ذات التاريخ في معاناة العبودية والاستعمار. وأورد مقال سابق نشر على جريدة تايمز البريطانية بأنه "من الواضح أن حركة (حياة السود تهمّ) المناهضة للعنصرية، وتصاعد الخطاب المسائل لدور بريطانيا في تجارة الرق بالكاريبي، غيّر مناخ العلاقات الكاريبية البريطانية".

وأضاف المقال أنه "على الرغم من أن نسبة كبيرة من سكان هذه الجزر ينحدرون من أصول مستعبدة في الماضي، فإن الجيل السابق حافظ على متانة علاقاته التقليدية بالتاج البريطاني، عكس الجيل الحالي المتأثر بنضال السود في أمريكا، ولا يرى إلا تورط ذلك التاج في مآسي أجداده". هذا التورط الذي اعترف به الأمير تشارلز خلال خطابه في حفل التنصيب، إذ قال: "من الأيام المظلمة لماضينا، ومن ويلات العبودية التي تلطخ تاريخنا إلى الأبد، استطاع شعب هذه الجزيرة خطّ مساره الخاص بصمود رائع".

ومارست حركة "حياة السود تهم" ضغوطاً كبيرة على البرلمان الباربادوسي، دفعته إلى سَنّ قانون حمل اسمها. ويقر هذا القانون في بنود أربعة "تأكيد جهود باربادوس في الترافع والدفاع عن الشعوب السمراء في وجه العنصرية المعادية لها، ودعم مبادئ حركة "حياة السود تهم" وأن ترفض شعار "كل حياة تهم" حتى يعاد الاعتبار إلى حياة السود ومعاناتهم، كما تؤكد استعداده للانخراط في الجهود الدولية كافةً التي تروم الحدّ من العنصرية ضد السود".

تساقط أراضي الملكة

ويعيش التاج البريطاني تنامي عدد من الحركات الجمهورية داخل أراضي سيادته. على رأسها أستراليا التي تتبنى ثاني قوة سياسية فيها، حزب العمال، نزعة الانفصال عن الملكية البريطانية. واستقبل الجمهوريون الأستراليون استقلال باربادوس بالترحيب، وغرد عضو حزب العمال مات ثيستلويث قائلاً: "يمكن لأستراليا أن تكون التالية. نحن أمة فخورة وعلينا أن نكون قادرين على التعبير عن ذلك برئيس دولة خاص بنا".

في المقابل لا تزال اسكتلندا عازمة على إجراء استفتاء استقلال ثانٍ قبل نهاية 2023 رغم رفض لندن القرار. وقالت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجيون في لقاء من بُعد مع أعضاء حزبها (الحزب الوطني الاسكتلندي)، إنه "ستشرع بداية السنة القادمة بالتحضير لاستفتاء استقلال سنجريه قبل نهاية 2023".

فيما لا تزال الصراعات الأوروبية-البريطانية حول إيرلندا الشمالية تهدّد ليس فقط بانفصال تلك الأراضي عن التاج البريطاني، بل بعودتها إلى مستنقع العنف الدموي الذي طبع تاريخها إلى حدود تسعينيات القرن الماضي، حسب مراقبين. وعاشت إيرلندا الشمالية شهر أبريل/نيسان الماضي صدامات جراء نزاع ما بعد بريكسيت حول تنقُّل السلع على الحدود بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً