فحص كورونا شمال سوريا (Reuters)
تابعنا

بدلاً من إعداد المستشفيات والغرف الإسعافية الطارئة وتحضير الأدوات الطبية لإنقاذ الإنسان، همَّ النظام السوري -حسب برامجه في الإعلام الرسمي- بحشد الفنانين والراقصين واللاعبين وجماهير النوادي المحلّية لكرة القدم لتحدّي الفيروس ومواجهته في الساحات والشاشات والمؤسسات العامة عن طريق التجاهل والدّبكة واللطميات الشيعية والرقص الشعبي وعبارات المقاومة والتصدي للإرهاب!، ففي سوريا الأسد فقط، أصبح الفن والكرة والتفاهة وعبارات المقاومة والتصدي للإرهاب أفيوناً للشعب في مواجهة فيروس كورونا، حسب مراقبين!

بل إن الغريب المضحك حسب وسائل الإعلام الرسمي للنظام السوري، أنّ دولاً رفيعة المستوى تواصلت مع وزارة الصحة السورية وطلبت منها مساعدتها بنقل تجربتها في وضع الاستراتيجيات "الوطنية" الكفيلة بمواجهة فيروس كورونا! في حين أنّ وزير الصحة في حكومة النظام لمّا سئل عن ماهية جرثومة كورونا ووجودها أنكر بداية بل وذهب جوابه إلى سياق آخر، وهو أنّ أولوية الجيش السوري تكمن في مواجهة "جراثيم الإرهاب" التي تعد أخطر الجراثيم على الصعيد الوطني، مضيفاً أن من استطاع أن يواجه تلك الجراثيم لن تقف كورونا في وجهه!

ويبقى السؤال: ما الدوافع الكامنة خلف إنكار النظام انتشار الفيروس في بداية الأمر؟ ألا يعتبر إنكاره وعدم تنبيه المواطن السوري منذ البداية قتلاً عمدياً وجريمة إنسانية تستحق العقاب؟ وهل تخلّي النظام عن مسؤولياته في التعاطي مع الأزمة يسقط في المقابل مسؤولية المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية في وجوب الحجر السياسي والأخلاقي والإنساني على النظام؟

إننا نرى على وسائل التواصل التي تديرها المخابرات السورية ظاهرة تحدي الفيروس وأنه غير قادر على إصابتهم! هذه حالة غير صحيّة على الإطلاق بل وتشكل تهديداً كبيراً على الشعب السوري.

مرام الشيخ، وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة (معارضة)

ثمّ أي معنى لاعتراف النظام بوجود 5 حالات مصابة أمس؟ مع العلم أنّ مصادر مطلعة أكّدت لـTRT عربي منذ بداية الشهر الماضي، أنّ حالات كثيرة تقع فجأة في شوارع المدن وأخرى خاضعة في المشافي للعلاج لكن تحت ما سمّاه النظام جرثومة الرئة الإنتانية، وإلى أي مدى هذا الاعتراف بعد التستر وعدم التنبيه لأخذ الاحتياطات في أوانها كان هدفه فقط حفظ ماء وجه النظام أمام العالم؟ لأنّ الخرق قد كبر على الراقع! أخيراً، ألا يعتبر تصدير إيران لفيروس كورونا عن طريق مليشياتها إلى سوريا سلوكاً أرعن وعلى المنظمات الدولية أن تطالب بوقفه الفوري في ظل تواطؤ النظام؟

استراتيجية التجاهل

يحذر د.مرام الشيخ وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) في لقائه مع TRT عربي مما وصفه بانتشار ثقافة التشبيح واللا مسؤلية في التعاطي مع أزمة كورونا بين أتباع النظام السوري وأدواته فقال: "إننا نرى على وسائل التواصل التي تديرها المخابرات السورية ظاهرة تحدي الفيروس وأنه غير قادر على إصابتهم!. هذه حالة غير صحيّة على الإطلاق بل وتشكل تهديداً كبيراً على الشعب السوري، لأنه في اللحظة التي يبدأ الفيروس فيها الانتشار من دون الأخذ بالاستعدادات اللازمة، وقد بدأ حسب تصريحات النظام، سنكون أمام كارثة إنسانية كبرى، فستزيد أعداد المصابين بشكل متسارع يعجز النظام عن التحكم به وتطويقه!. لذا نهيب بكل المواطنين السوريين أن يكونوا ملتزمين اتخاذ الإجراءات الوقائية والتزام منازلهم والاهتمام بالنظافة الشخصية والابتعاد عن التجمعات والزيارات ومراقبة التطورات".

أبعاد تأخير الإعلان

في لقائه مع TRT عربي يُرجع د. مرام الشيخ وزير الصحة السوري في الحكومة السورية المؤقتة حالة إنكار الكارثة الإنسانية وتأخر نظام الأسد في الإعلان عن حالات كورونا منذ البداية إلى محاولة تهرُّبه من المسؤوليات اللاحقة التي يمكن أن تتوجب عليه جراء اعترافه بالواقع.

ويوضح المتحدث نفسه: "إنّ الاعتراف بانتشار الفيروس لا شكّ سيرتِّب على حكومة النظام إجراءات قانونية ووقائية وعلاجية واقتصادية ملزمة، في الوقت الذي هو غير مستعد فيه لتخصيص هذه المستلزمات والمخصصات المالية الكفيلة بهذا الغرض، والسبب هو أنّ موارد النظامباتت شحيحة بسبب الفساد والجشع وفقدانه زمام الموارد الطبيعة والتجارية والضريبية والقطاع الخاص، وحتى ما يوجد من موارد على قلتها نصفها تطحنه ماكينة الفساد المقتصرة على الدائرة الصغرى المحيطة برأس النظام، والنصف الآخر يوضع في إطار تمويل الشبيحة والمرتزقه والأجهزة الأمنية وشراء الذخائر لقتل الشعب وتطويقه!. باختصار، النظام لا يقيم أي قيمة للإنسان السوري سواء كان موالياً أو معارضاً".

مسألة تأخر النظام السوري في الإعلان عن تفشي وباء كورونا يشكل تهديداً كبيراً على الصعيد المحلي والدولي.

مطيع البطين، كاتب وباحث سياسي

هذا وفي إفادته لـTRT عربي، يعتبر الكاتب والباحث السياسي مطيع البطين أحد أبرز قيادات الحراك الثوري السلمي في درعا، أنّ مسألة تأخر النظام السوري في الإعلان عن تفشي وباء كورونا "يشكل تهديداً كبيراً على الصعيد المحلي والدولي، وتعاطي النظام بعنجهية وسلوك لا مسؤول مع هذه الجائحة الإنسانية منذ البداية غير مستغرب لأنه لا يمتلك مؤسسات ولا دولة بل هو عصابة تتحكّم لا أكثر!".

ويضيف البطين "حتى بالنسبة إلى الـ5 حالات الأخيرة والإجراءات التي أعلن النظام عنها على استحياء ليست دقيقة ولا تغفر جريمته في تعمّده عدم مصارحة المواطن منذ البداية خوفاً من الانهيار الاقتصادي والوجود الإيراني، ما أدّى بدوره إلى تفشي الوباء الذي لا يزال ينكر النظام وجوده كجائحة إنسانية تهدد الإنسان السوري!".

وكان النظام السوري أعلن تعليق الدوام في الجامعات والمدارس والمعاهد التقنية من يوم 14 مارس/آذار، في إطار ما أطلق عليه "اتخاذ الإجراءات الوقائية". وتقرر كذلك "وقف كل النشاطات العلمية والثقافية والاجتماعية والرياضية" في البلاد، إضافة إلى منع "تقديم النراجيل في المقاهي والمطاعم". وذكرت المصادر المطلعة أن عدد العاملين في القطاع العام سينخفض بنسبة 40%، وستُخفض ساعات العمل إلى ما بين الساعة التاسعة صباحاً والثانية ظهراً.

إيران والخطر الإنساني

عزا مطيع البطين تأخُّر النظام السوري في التحذير من كورونا بعد تفشِّيه إلى عزمه استخدام الفيروس كسلاح بيولوجي ضدّ السوريين لتحقيق ما وصفه بتكريس استراتيجية التجانس التي أشار إليها بشار الأسد سابقاً، وبدأها بالتهجير والقتل والتهديم والتغيير الديمغرافي.

وتابع البطين في إفادته لـTRT: "لكنّه اليوم يسعى لاستكمال استراتيجيته من خلال الإبقاء على فتح الحدود البرية والجوية والبحرية لإيران التي تحترف صناعة الموت والإرهاب لكنها في الوقت ذاته وكما اتضح تقف عاجزة مشلولة أمام صناعة الحياة أو البناء!". هذا ويضيف المتحدث البطين: "من المؤسف أنّه في كل دول العالم تتحول الجيوش في مثل هذه الأزمات الإنسانية إلى سلطة أشبه بالمدنية لتخدم الشعب وتحميه، إلا في سوريا فوظيفتها الارتزاق بامتياز وتقتصر على حماية الكرسي ومصالح دول الاحتلال على حساب الأهل والوطن!".

المعتقل السوري برسم الأمم!

أنس العبدة رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية في حديثه إلى TRT عربي، دعا الأمم المتحدة ومنظّمة الصحة العالمية إلى "ضرورة الإسراع في القيام بمسؤولياتهما والضغط على النظام بغية الإفراج عن المعتقلين، على إثر الحراك الشعبي المشهود وعدم الاكتفاء بالإفراج عن مسجوني المخالفات القانونية"، في إشارة إلى عفو النظام الصادر منذ أيام، هذا ودعا العبدة لوجوب وصول المنظمات الدولية "إلى مراكز الاعتقال بشكل فوري من أجل مراقبة انتشار الوباء من كثب وأخذ الإجراءات اللازمة كافة واستخدام كل الوسائل لإنقاذ حياة المعتقلين والإفراج عنهم على الفور. وعلى الجهات المعنية ألا تسمح للنظام باستغلال هذه الكارثة للتخلص من عشرات آلاف المعتقلين داخل السجون!".

تُطرَح ضرورة الإسراع في القيام بمسؤولياتهما والضغط على النظام بغية الإفراج عن المعتقلين على إثر الحراك الشعبي المشهود وعدم الاكتفاء بالإفراج عن مسجوني المخالفات القانونية.

أنس العبدة، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية

وتابع المتحدث لـTRT قوله: "إن اعتراف النظام بالحالات المعدودة لديه غير واقعي إذا ما قورنت بالأرقام الموجودة في المنطقة وإذا ما قورنت بالأرقام الكبيرة والصادمة في إيران، التي تسيطر مليشياتها اليوم على أهم مفاصل المؤسسات العسكرية والسياسية والعديد من المنافذ الحدودية!، وعليه فإنّ السلوك اللا مبالي لإيران والنظام لا يهدد السوريين فحسب ولا المعتقلين كذلك بل أصبح عنصر تهديد لأمان المنطقة بأسرها!".

الإهمال.. مسؤولية دولية!

يرى د. مرام الشيخ في توصيف العلاقة بين النظام السوري والمنظمات الدولية أنّها معقّدة للغاية، مستبعداً وجود أي إمكانية للتعاون بين الطرفين، مبيّناً ذلك: "إنّ منظمة الصحة العالمية عاجزة أن تتعامل مع نظام الأسد لتعامله مع المنظمات الدولية بالطريقة التشبيحية والسوقية ذاتها التي تتعاطى بها مؤسساته الوطنية، بل عادة ما يستخدم النظام الأموال التي يستجلبها من المنظمات الدولية بحجة صرفها على المساعدات الإنسانية في ترميم نظامه الاقتصادي والمليشياوي المتهاوي وإنقاذه!".

في السياق نفسه يرى البطين في إفادته لـTRT أنّ تقاعس النظام في أداء مهامه الإنسانية لا يبرر تقاعس الجانب الدولي، داعياً إياه إلى "تحمّل المسؤولية والبدء بالحجر السياسي والإنساني والأخلاقي على هذا النظام الذي بات يشكل تهديداً حقيقياً على العالم بأسره"، ويضيف المتحدث في إفادته: "إنّ تعاطي نظام الأسد بسطحية وتفاهة ولا مسؤولية مع الواقع المرير للإنسان السوري لا يبرر للجهات الدولية المعنية التعاطي مع سلوك النظام بشكل غير مسؤول!". لتبقى الأزمة في سوريا برسم الإنسانية الدولية!

TRT عربي
الأكثر تداولاً