قال ترمب إن بلاده ستقاتل في المكان الذي يتعلق بمصالحها، وستحارب "فقط من أجل الفوز" (AP)
تابعنا

قبل سنتين بالضبط، في الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2017، دخلت ما تُعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية - قسد" بمعيّة قوات أمريكية خاصة، حقل "العمر" النفطي في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور شمال شرقيّ سوريا.

تمكّنت هذه القوات المرتبطة بتنظيم YPG/PYD/PKK الإرهابي من السيطرة على أكبر حقل نفطي في سوريا، بعد أن أتمّت اتفاقاً سرياً مع تنظيم داعش الإرهابي، وقايضته بتمكينه من نقل مُسلّحيه الأجانب من الرقّة مقابل تسليمها الحقل.

مع "الانتهاء" من المعركة التي أطلقها الأمريكيون للقضاء على داعش، كانت قوات YPG/PYD تسيطر على جُلّ الحقول النفطية في الشمال والشمال الشرقي لسوريا، فيما كانت الولايات المتحدة تُخصّص عدداً من قواتها لحمايتها، و"تأمين" التدفق النفطي منها إلى العراق.

كان الوجود الأمريكي في سوريا، إذن، محكوماً في جزء منه بالنفط. أمرٌ يجد تبريره أيضاً في الصلات التي تربط إدارة ترمب بشركات النفط الأمريكية؛ إذ إن وزير الخارجية السابق ريكس تيليرسون، كان يعمل في موقع تنفيذي في شركة ExxonMobil، التي أبدت اهتمامها بتطوير حقول النفط في المناطق التي تموضع فيها الجيش الأمريكي في سوريا.

"سنقاتل في المكان الذي يتعلق بمصالحنا"

أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، منذ بداية حملته الانتخابية إصراره على إنهاء أو تخفيف التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. وعمل منذ يومه الأول في المنصب على تحقيق هدفه هذا.

بعد انتهاء الحملة الأمريكية للقضاء على داعش، وفي قرار مفاجئ أعلن ترمب في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، سحب القوات الأمريكية المتواجدة في سوريا، قائلاً إن الولايات المتحدة هزمت تنظيم داعش، وأن ذلك كان المبرر الوحيد لوجودها هناك.

تأجّل قرار السحب عدة مرات، ويُعزى ذلك بالأساس إلى معارضة أطراف في البنتاغون والإدارة الأمريكية والكونغرس لقرار ترمب. غير أن إطلاق تركيا عمليتها العسكرية "نبع السلام" في منطقة شرق الفرات، دفع ترمب إلى تسريع قرار سحب جنوده من المنطقة.

كان أحد أهم أهداف التدخل الأمريكي في سوريا، السيطرة على حقول النفط من داعش، وهي حقول مهمة، وتشكل أغلب مخزون الطاقة في سوريا

مصطفى البزركان - خبير نفطي

برّر ترمب قراره هذه المرة بالقول "كان من المفترض أن تكون الولايات المتحدة في سوريا لمدة 30 يوماً، كان ذلك قبل سنوات عديدة. لكننا بقينا وتدخلنا في معركة دون هدف في الأفق"، مضيفاً "سنقاتل في المكان الذي يتعلق بمصالحنا، وسنحارب فقط من أجل الفوز".

استغل البنتاغون لغة المصالح التي يحبّذها ترمب، وحاول ثنيه عن قراره بتذكيره بالمصالح الأمريكية في النفط السوري، حسب ما نقلته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، وهو أمرٌ أتى أكله على ما يبدو، وأزاح الستار عن سبب -ظلّ متوارياً- لوجود القوات الأمريكية في سوريا.

أمريكا معنيّة بالنفط والغاز السوري جداً، ومستعدة للمجازفة من أجله، وهو ما بدا واضحاً حينما قصفت من الجو مليشيات إيرانية وروسية كانت تريد السيطرة على "معمل كونوكو"

فايز الدويري - محلل عسكري

سنبقى في سوريا لـ"تأمين النفط"!

نجحت خطة البنتاغون، ما دفع ترمب إلى التراجع قليلاً والقول إنه سيُبقي عدداً قليلاً من قواته "في جزء مختلف قليلاً لتأمين النفط"، مضيفاً "هذا تفكير مختلف تماماً. لولا ذلك، لما وُجد ما يدعو للبقاء".

"أمريكا معنيّة بالنفط والغاز السوري جداً، ومستعدة للمجازفة من أجله، وهو ما بدا واضحاً حينما قصفت من الجو مليشيات إيرانية وروسية كانت تريد السيطرة على "معمل كونوكو" للغاز القريب من دير الزور"، يقول المحلل العسكري فايز الدويري في تصريح لـTRT عربي.

ويضيف الدويري أن الولايات المتحدة تريد الإبقاء على الحقول النفطية في الشرق والشمال السوري تحت سيطرة قوات "قسد" المتحالفة معها، كي لا تقع تحت سيطرة الإيرانيين أو الروس.

بعد هذه الحادثة، تمركزت القوات الأمريكية في معمل كونوكو، لتثبّت سيطرة YPG/PYD عليه منذ 23 سبتمبر/أيلول 2017.

غير أن التواجد العسكري الأمريكي قرب المواقع النفطية السورية، لا ينحصر على هذا الموقع، بل يرسم "خريطة انتشار جعلتها أشبه بالطوق الذي يحيط بمنابع النفط والغاز السوري في منطقة شرق نهر الفرات"، حسب صحيفة العربي الجديد.

إذ أن أبرز قواعده في البلاد كانت مطار الرميلان في محافظة الحسكة التي تضمّ عدداً من الآبار النفطية، بالإضافة إلى قاعدته في حقل العمر النفطي في ريف دير الزور، وقاعدة الشدادي بين الحسكة ودير الزور وبالقرب من حقل الشدادي النفطي.

أمرٌ لم يكن محض صدفة، فحسب تقرير للمركز البحثي Global Research "كانت الخطة الأمريكية، إبان الحرب ضد داعش، تتمثل في دفع قوات قسد جنوباً على طول نهر الفرات للسيطرة على المناطق السورية الغنية بالنفط والغاز".

"كان أحد أهم أهداف التدخل الأمريكي في سوريا، السيطرة على حقول النفط من داعش، وهي حقول مهمة، وتشكل أغلب مخزون الطاقة في سوريا. بعد تحقق ذلك لن تتخلى عنها بسهولة، خشية عودتها إلى داعش أو إلى غيره"، حسب تصريح الخبير النفطي مصطفى البزركان لـTRT عربي.

أمرٌ يؤكده المحلل العسكري فايز الدويري، غير أنه يضيف أن عودة داعش ليس أكبر مخاوف الأمريكيين حالياً، "أمريكا تخشى الآن من عودة هذه الحقول للنظام السوري في حال سلمها قسد له، وبالتالي استفادة الروس والإيرانيين من ذلك".

ويتابع "الروس والإيرانيون تحديداً أكبر مخاوف واشنطن، حتى بعيداً عن النفط، فالتواجد الأمريكي الآخر في سوريا متمركز في قاعدة التنف في الجنوب الشرقي للبلاد، القريبة من معبر البوكمال المركزي للوجود الإيراني في سوريا".

استغل البنتاغون لغة المصالح التي يحبّذها ترمب، وحاول ثنيه عن قرار سحب كامل القوات من سوريا، بتذكيره بالمصالح الأمريكية في النفط السوري (AP)
TRT عربي