أعلام روسية في مظاهرة احتفالاً بالإطاحة بالرئيس روش مارك كابوري.  (Olympia De Maismont/AFP)
تابعنا

أعلن الاثنين عسكريون بوركينابيون إطاحتهم بالرئيس روش مارك كابوري، واستيلائهم على السلطة في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا. في انقلاب قاده الكولونيل بول هنري سانداوغو داميبا، باسم حركة أطلقت على نفسها: "الحركة الوطنية للحماية والاستعادة".

وأعلن دامبيا في بيان تلاه على التلفزيون الرسمي البوركينابي: "حل البرلمان والحكومة"، واعداً بعودة إلى النظام الدستوري في فترة زمنية معقولة. بينما ظل مصير الرئيس كابوري مجهولاً، بعد أن أكدت مصادر أمنية وقوعه في قبضة الانقلابيين.

ولقي الانقلاب إدانات دولية عديدة، أبرزها من فرنسا التي يمثل هذا المستجد بالنسبة إليها ضربة موجعة، يضاف إلى تقهقرها الكبير على الجبهة في مالي، ونزاعها مع حكومة باماكو القادمة إلى السلطة بنفس الطريقة. وأصبحت هذه الانقلابات في أفريقيا استثماراً روسياً بامتياز، إذ يمتد نفوذ موسكو على حساب فرنسا والقوى الدولية هناك.

إدانات دولية واحتجاج فرنسي

مباشرة بعد استحواذ الجيش على السلطة في بوركينا فاسو توالت الإدانات الدولية للانقلاب العسكري. أبرزها كانت من واشنطن حيث حضت خارجيتها جميع الأطراف في هذا الوضع المضطرب على الحفاظ على الهدوء وتوسل الحوار سبيلاً لتلبية مطالبهم.

وأصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بيانا قال فيه: "ندين بشدة أي محاولة للاستيلاء على الحكم بقوة السلاح". معبّراً عن قلقه على سلامة الرئيس المعزول روش كابوري، الواقع في قبضة القوات الانقلابية.

وخرج المكتوي الفعلي بنار ما حدث على ما يبدو، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن صمته هو الآخر بإدانة مطعمة باحتجاج يفشي المأزق الذي وقع فيه النفوذ الفرنسي التاريخي في منطقة الساحل والصحراء. فقال: "بوضوح وكالعادة نتفق مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في إدانة هذا الانقلاب العسكري".

معتبراً هذا التطور "الأحدث في سلسلة من الانقلابات العسكرية التي تثير القلق للغاية في وقت يجب أن تكون فيه الأولوية في المنطقة لمحاربة الإرهاب". ومؤكداً أن "باريس تتابع من كثب تطورات الأوضاع على الأرض، في البلاد التي تمثل نقطة حساسة في استراتيجية فرنسا لحربها في الساحل".

خسارة استراتيجية فرنسية

على المستوى السياسي يمثل انقلاب بوركينا فاسو مشكلة عويصة لباريس، التي تجد نفسها أمام أربعة أنظمة انقلابية، من أصل مجموعة الخمسة في منطقة الساحل المتحالفة معهم في حربها ضد الإرهاب، يقودها عسكريون لا يتوافقون مع السياسات الفرنسية في المنطقة. هذا الأمر الذي قد يضعف بشكل كبير الغطاء السياسي لعملية بارخان والعمليات المثيلة التي يقودها الجيش الفرنسي هناك.

بالمقابل ضياع واغادوغو من الحلف الفرنسي قد ينذر بنهاية وجودها التاريخي في الساحل والصحراء لما تمثله البلاد من قاعدة استراتيجية لسيطرة قوات بارخان والعمليات المماثلة على منطقة المثلث الحدودي بين بوركينا فاسو والنيجر ومالي، والذي يمثل مرتعاً للجماعات المسلحة.

بالإضافة إلى أن بوركينا فاسو تضم الطريق المقدس، وهو خط الإمداد الأساسي للجنود الفرنسيين في المنطقة، انطلاقاً من قواعدها الخلفية في الأراضي الإيفوارية. كما تحتضن غرفة عمليات قوات السيف الطويل، وهي قوات خاصة تنفذ ضربات نوعية لحساب الأهداف الاستراتيجية لعمليات مكافحة الجماعات المسلحة في المنطقة.

كما يوجد مأزق آخر تقع فيه فرنسا، هو تأمين انسحاب قواتها، إذ تعارض أغلب بلدان المنطقة استقبالها. فالنيجر ترفض تواجد قوات تابوكا التي تقودها فرنسا على أراضيها، كما قررت القوات المالية، الثلاثاء، طرد القوات الدنماركية المشاركة فيها في ضربة قاسية للدعم الأوروبي التي تحاول فرنسا حشده لضمان بقائها في المنطقة.

توالي متاعب فرنسا في بوركينا فاسو

وقبل الانقلاب، عاشت فرنسا متاعب عديدة في بوركينا فاسو. حيث واجهت انتقادات شعبية واسعة، ورفضاً جسدته الاحتجاجات ضد وجودها منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وخرج الآلاف في ذلك الوقت في بوركينا فاسو لمنع القافلة العسكرية الفرنسية الكبيرة القادمة من ساحل العاج، من الوصول إلى النيجر، مروراً عبر بلدة كايا شمالي البلاد. حيث رددوا شعارات: "نريد خروج فرنسا" و"كايا تقول للجيش الفرنسي: عُد إلى وطنك". وسقط إثر تلك المناوشات عشرات القتلى من المدنيين.

كما نجحت تلك الاحتجاجات في دفع الشاحنات التي تُقلّ على متنها إمدادات الوقود والغذاء للجيش الفرنسي إلى أن تعود أدراجها. فيما احتج وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، على ذلك قائلاً إنّ "محرّضين يُثيرون المشاعر المناوئة لفرنسا، وقد أوضحنا للرئيس روك كابوريه أننا نودّ أن يجد حلاً للوضع القائم في كايا وأعتقد أنه سيجد الحل".

وشهد يوم الثلاثاء، 18 يناير/ كانون الثاني الجاري، إصابة أربعة جنود فرنسيين استهدفت مركبتهم بعبوة ناسفة. وأعلن الجيش الفرنسي في بيان: "عبوة ناسفة انفجرت لدى مرور مركبتهم بعد مغادرتها مطار واهيغويا"، مضيفاً أن الوحدة كانت جزءاً من قوة برخان التي تديرها فرنسا في منطقة الساحل ضد الجهاديين.

استثمار روسي في الانقلاب

وسرعان ما خرج آلاف البوركينابيين عقب الانقلاب احتفالاً بنجاحه، في مسيرات جددوا فيها التنديد بالوجود الفرنسي هناك، حاملين صور دامبيا (رجل البلاد الجديد)، مرفقة بصور عاصمي غويتا والأعلام الروسية.

وحسب تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: "هذه المظاهرات لا تعني الإجماع الشعبي على ما وقع، فمن السهل تنظيمها بشكل مصطنع في بلاد مثل بوركينا فاسو". لكنها بالمقابل تحمل إشارة مهمة، وهي التوطئة لسيناريو مشابه للسيناريو المالي، أي ببسط الروس أذرعتهم على قلب البلاد.

هذا ما يؤكده كذلك تفاعل عرّابي المتعهد الأمني الروسي فاغنر مع الأحداث في بوركينا فاسو. إذ اعتبر طباخ الكرملين وممول شركة المرتزقة الروسية، يفغيني بريجوين الانقلاب "حقبة جديدة من إنهاء الاستعمار، لأن الغرب يحاول حكم الدول وقمع أولوياتها الوطنية، لفرض القيم الأجنبية على الأفارقة، وفي بعض الأحيان باستهزاء واضح بهم".

وأشاد ألكسندر إيفانوف، مخطط الوجود الروسي بإفريقيا الوسطى، بالانقلاب مشيراً إلى أن فرنسا "لم تحقق نجاحاًفي مكافحة الإرهاب في المنطقة". فيما اكتفت الخارجية الروسية بالتأكيد على متابعتها الأوضاع من كثب في الجمهورية الإفريقية.

TRT عربي