تابعنا
على الرغم من جميع محاولات التضييق والتعتيم عليها، لا تزال التقارير الإعلامية المتتالية عن ملف صادرات الأسلحة الفرنسية، تكشف مزيداً من الحقائق وتثير جدلاً واسعاً في الأوساط السياسة والحقوقية في فرنسا، وكان آخرها ما يتعلق بالصفقات المبرمة مع مصر.

كشف عديد من التقارير الصادرة عن اللجان البرلمانية خلال السنوات الماضية، إضافة إلى التقارير الإعلامية والاستقصائية، إبرام فرنسا عديداً من صفقات بيع الأسلحة لدول تورطت في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، في تحدٍّ صارخ منها لكل المعاهدات التي التزمتها أوروبياً ودولياً.

وقد أماطت صحيفة لومند الفرنسية بدورها اللثام في تقرير نشرته مؤخراً عن مدى تحوُّل مصر إلى أهمّ "زبائن" فرنسا و"أثمنهم" في قطاع صناعة الأسلحة، بدعم سعودي-إماراتي، جعلها تغضّ الطرف عن القمع السياسي الذي اتُّهم به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

مصر.. أهمّ مستوردي الأسلحة الفرنسية

منذ إعلانه تسلُّم الحكم في مصر عام 2014، لقي عبد الفتاح السيسي دعماً كبيراً من عديد من الدول والحلفاء الإقليميين والدوليين، وكان في مقدمتهم آنذلك، على مستوى عربي، الإمارات والمملكة العربية السعودية، ليمهّد له ذلك الطريق نحو الانفتاح على مزيد من الشركاء والحلفاء، وكسب تأييد باعتباره "حصناً ضدّ الإرهاب".

وبينما قررت الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس الأسبق حينها باراك أوباما، الانسحاب وخفض تجارة الأسلحة إلى مصر، قررت فرنسا انتهاز الفرصة وأقام الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند في تلك الأثناء علاقة وثيقة مع الرئيس المصري، تمخض عنها إبرام عديد من عقود بيع الأسلحة.

وأشارت عدة تقارير إلى أنه في عام 2010 سلمت فرنسا ما يقارب 39 مليون يورو من الأسلحة إلى مصر، في حين أرسلت إليها عام 2014 أي بعد تولي السيسي الحكم، أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 838 مليون يورو.

واستمرت منذ ذلك الحين قيمة العقود في الارتفاع لتناهز بين عامَي 2016 و2017 حدود 1.3 مليار يورو، أي ما يعادل ارتفاعاً بنحو 33 ضعفاً على مدار سبع سنوات. واحتلّت بذلك مصر المرتبة الأولى في قائمة مستوردي الأسلحة الفرنسية، لتصبح "الزبون الثمين" لباريس، كما عبّرت عن ذلك صحيفة لومند الفرنسية في تقريرها الأخير.

وتزعم اللجان البرلمانية والنواب المعارضون لسياسات استخدام الأسلحة الفرنسية، أن هذه الأرقام والنسب تبقى جزءاً قليلاً من الواقع، إذ لا يمكن الوصول إلى محتوى العقود بشكل مفصل وشفاف لأنها تصنَّف تحت خانة الدفاع السري، أي لا يمكن النفاذ إليه.

وبمجرد تسليط الضوء على محتوى وبعض تفاصيل هذه العقود المبرمة بين الجانبين، أدانت المنظمات الحقوقية والكتل البرلمانية، ما اعتبرته خرقاً فرنسياً جسيماً لاتفاقية تجارة الأسلحة الموقعة عليها عام 2014، والتي تفرض على الموقعين عدم بيع أسلحة للدول التي يمكن أن تستخدمها ضدّ المدنيين أو ترتكب بها جرائم حرب.

بدورها أكدت منظمة العفو الدولية في وقت سابق أن الأسلحة الفرنسية استُخدمت في قمع المتظاهرين السلميين في مصر عام 2013، وقد نقلت مشاهد ومقاطع فيديو مصورة استخدام قوات الأمن المصرية مدرعات فرنسية في أثناء قمع المتظاهرين في ميدان رابعة العدوية سنة 2013 الذي أودى بحياة مئات المصريين.

ولكن ذلك يبدو أنه لم يكن مبرراً كافياً لتوقف فرنسا تصدير أسلحتها إلى مصر. وقد أكّد الموقف ذاته الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريح إعلامي سابق أثار به جدلاً محموماً عقب لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2020 في باريس، حين قال: "مبيعات الأسلحة للنظام المصري لن تكون مشروطة بتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر".

طائرات حربية ومدرعات عسكرية ضخمة

في ظلّ ما تمر به فرنسا مؤخراً من أزمات متلاحقة مع حلفائها، تسبب لها في خسارة عديد من الأسواق الهامة في قطاع تصنيع الأسلحة، وانطلاقاً من محاولة تعويض العجز الاقتصادي والخسائر المترتبة على انتشار جائحة كورونا، يبدو أن مصر تُعتبر بناءً على ذلك اليوم زبوناً لا يمكن التفريط فيه بسهولة، تحت أي مبرر.

وتفاعلاً مع ضغوط المنظمات الحقوقية والكتل السياسية في البرلمان لوقف تصدير الأسلحة إلى مصر، بخاصة مع بداية رفع الستار عن عديد من الانتهاكات، اعتبرت السلطات الفرنسية ذلك مجرد إضعاف لشريك رئيسي في مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.

وواصلت باريس في الوقت نفسه تزويد مصر بمعدات عسكرية ضخمة، على غرارا المدرعات والطائرات الحربية وغيرها.

وقد صرّح إيمانويل لوفاشي المدير التنفيذي لشركة Renault Trucks Defense ورئيس المبيعات الحكومية لشركة Volvo، بأن مصر تسلمت أكثر من 1500 شاحنة سنة 2015، ويُتفاوض منذ ذلك الحين حول معدات أخرى كالمدرعات الخفيفة والمتوسطة.

كما تسلمت السلطات المصرية بين عامَي 2013 و2017 ما يقارب 24 طائرة حربية، ثم تلا ذلك إبرام الجانبين صفقة ضخمة أخرى بقيمة 3.75 مليار يورو عام 2020، تقضي بتزويد فرنسا الجيش المصري بنحو 30 طائرة حربية من طراز رافال.

وبينما ينفتح عديد من الدول الإفريقية والآسيوية اليوم على خيارات ومنافسين آخرين في مجال الصناعات الدفاعية بأسعار منافسة للصناعات المسلحة الفرنسية، لا تزال فرنسا تهيمن على تسليح الجيش المصري.

TRT عربي
الأكثر تداولاً