تابعنا
في أحدث الأدلة على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية في انتهاك للقوانين الدولية، أصدر فريق تحقيق تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية تقريرا حمل فيه النظام السوري المسؤولية عن الهجمات التي تعرضت لها بلدة اللطامنة في ريف حماة بأسلحة كيماوية.

منذ أول هجوم لنظام بشار الأسد بالسلاح الكيماوي ضد شعبه عام 2012، ومع تكرار هذا النوع من الهجمات وتزايد عدد ضحاياها في السنوات التالية، أدان المجتمع الدولي استخدام السلاح الكيماوي في سوريا مرات عديدة من دون تحديد الفاعل، ما شجع الأسد على استخدام هذا السلاح المحظور دولياً مراراً وتكراراً ضد الشعب السوري الثائر ضده.

وعلى الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما استخدام النظام للسلاح الكيميائي في سوريا خطاً أحمر، مهدداً بالرد عليه في حال تحريكه، لم يتردد نظام الأسد في استهداف بلدات غوطة دمشق شرقي العاصمة، بغاز السارين في آب/ أغسطس 2013، ما أودى بحياة الآلاف من المدنيين الذين ماتو اختناقاً وكان الكثير منهم من الأطفال والرضع.

وعلى إثر هذا الهجوم الذي يعد الأكبر بين هجمات النظام السوري الكيميائية، اتخذ المجتمع الدولي استجابة لخط أوباما الأحمر خطوة واحدة فقط إلى الأمام، عبر نزع أداة الجريمة من يد الأسد عام 2013 من دون محاسبته، وذلك بانضمام سوريا إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتدمير أسلحة النظام الكيميائية، ليتبين لاحقاً أنه احتفظ بقسم منها أو طورها مجدداً، والدليل أنه استخدمها مرات عديدة بعد ذلك التاريخ.

في أحدث الأدلة على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية في انتهاك للقوانين الدولية، أصدر فريق تحقيق تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية تقريره الأول الأربعاء 8 أبريل/نيسان الجاري، الذي حمل فيه النظام السوري المسؤولية عن الهجمات التي تعرضت لها بلدة اللطامنة في ريف حماة بأسلحة كيماوية عام 2017، وهو أول اتهام مباشر وصريح من هذه المنظمة الدولية لنظام الأسد بالمسؤولية عن استخدام السلاح الكيماوي.

الهجمات ذات الطبيعة الاستراتيجية كانت ستحدث فقط بناء على أوامر من السلطات العليا للقيادة العسكرية للجمهورية العربية السورية.

سانتياغو أونيت لابورد، منسّق الفريق الدولي

وحسب تقرير لجنة التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإن سلاح الجو السوري (التابع لنظام الأسد) نفذ ثلاث هجمات في مارس/آذار 2017 على بلدة اللطامنة التابعة لمحافظة حماة التي كانت خاضعة لفصائل المعارضة السورية، استخدم فيها غاز الأعصاب السارين وغاز الكلور السام، ما أدى إلى إصابة 106 أشخاص.

وقدم التقرير تفاصيل هذه الهجمات الثلاثة بالتواريخ وتفاصيل التنفيذ من طراز الطائرات المستخدمة والقواعد الجوية التي انطلقت منها، وكذلك نوعية القنابل الملقاة على بلدة اللطامنة ومحتواها من السلاح الكيميائي، إلى المواقع المستهدفة بالهجمات وبينها مستشفى.

وقال منسق الفريق الدولي سانتياغو أونيت لابورد، إن "الهجمات ذات الطبيعة الاستراتيجية كانت ستحدث فقط بناء على أوامر من السلطات العليا للقيادة العسكرية للجمهورية العربية السورية".

ردود فعل دولية

روسيا التي لطالما دافعت عن النظام السوري في مجلس الأمن الدولي، وتمكنت عبر حق الفيتو الذي تملكه من منع تمديد عمل "الآلية الدولية المشتركة" في 2017، هاجمت التقرير الجديد ومنظمة حظر اﻷسلحة الكيميائية وفريق التحقيق التابع لها، معتبرةً أنه تجاوز صلاحيات مجلس اﻷمن تحت ضغط دول لم تسمّها.

وقالت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" في مؤتمر صحفي الخميس: إن "دائرة ضيقة من الدول ذات المصلحة فرضت تشكيل فريق للتحقيق خلافاً للبنود الأساسية لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وأعراف القانون الدولي المعترف بها".

أما الولايات المتحدة، فقد رحبت في بيان لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بالتقرير، ورأت أنه أكد من جديد استمرار النظام في استخدام الأسلحة الكيمياوية وتجاهله التام لحياة الإنسان.

اعتبرت الخارجية التركية أن التقرير الأول لفريق التحقيق في المنظمة يعد خطوة مهمة متخذة حيال ضمان محاسبة مرتكبي الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا.

وأضاف بومبيو أن تقرير لجنة التحقيق وتحديد الهوية يأتي ليكون الأحدث في مجموعة كبيرة ومتنامية من الأدلة على أن نظام الأسد يستخدم هجمات الأسلحة الكيمياوية في سوريا، كجزء من حملة عنف متعمدة ضد الشعب السوري.

وأكد أن بلاده تشارك استنتاجات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتقدّر أن النظام السوري يحتفظ بالخبرة وبكميات كافية من المواد الكيمياوية -وعلى وجه التحديد السارين والكلور- من أسلحته الكيماوية التقليدية لاستخدام السارين وإنتاج ذخائر الكلور ونشرها وتطوير أسلحة كيميائية جديدة.

من جهتها، شددت وزارة الخارجية التركية، تعليقاً على التقرير الجديد الذي يتهم صراحة نظام الأسد باستخدام السلاح الكيماوي، على ضرورة محاسبة النظام، بسبب استخدامه للسلاح الكيماوي وقتله للمدنيين خلال السنوات الماضية.

واعتبرت الخارجية التركية أن التقرير الأول لفريق التحقيق في المنظمة يعد خطوة مهمة متخذة حيال ضمان محاسبة مرتكبي الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا.

وأضافت أن هذا التقرير "يشكل دليلاً جلياً على الوسائل البشعة التي اتبعها النظام ضد مواطنيه للوصول إلى أهدافه القذرة، ويجب أن يحاسب النظام الذي قتل مواطنيه منذ 9 أعوام من دون تمييز بمن فيهم الأطفال".

تبعات قانونية

قد لا يكون هذا التقرير أول اتهام للنظام السوري من قبل جهة دولية باستخدام السلاح الكيميائي في الحرب السورية، لكنه التقرير الأول من هذا النوع الذي يصدر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بل هو تقرير "مهم جداً بمخرجات عالية الدقة وبمنهجية قوية جداً وبأدلة قاطعة لا تقبل التشكيك في قوتها وتماسكها"، كما يرى فضل عبد الغني رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي ترصد الانتهاكات بشكل دوري في الصراع السوري ووثقت العديد من الهجمات الكيميائية.

ولفت عبد الغني في تصريحات لـTRT عربي، إلى وجود تقارير سابقة من لجان تابعة للأمم المتحدة اتهمت النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية. فقد اتهمت لجنة التحقيق الدولية التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أغسطس/آب 2011 النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية 43 مرة، كما اتهمت آلية التحقيق المشتركة التي أنشأها قرار مجلس الأمن 2235 في أغسطس/آب 2015 النظام باستخدام الاسلحة الكيميائية 3 مرات.

وعلى الرغم من ذلك، يرى عبد الغني أن تقرير لجنة التحقيق وتحديد الهوية التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الأخير "غاية في الأهمية، فهذا التقرير جاء من خبراء ومحققين تقنيين".

ويوضح أن مهمتهم الأساسية أن يحددوا هل استخدم النظام الأسلحة الكيميائية، حيث بدؤوا باللطامنة وسيكون لهم تقارير لاحقة حول حوادث أخرى. وأشار إلى أن اللجنة بعد يونيو/حزيران 2018 أصبح لديها الصلاحية أن تحدد هوية الجهة المسؤولة عن استخدام الأسلحة الكيميائية، وهذا أول تقرير بناء على هذه الصلاحية وأدان النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية.

تقرير لجنة التحقيق وتحديد الهوية التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الأخير "غاية في الأهمية، فهذا التقرير جاء من خبراء ومحققين تقنيين.

فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان

وحول ما يمكن أن ينبني على هذا التقرير من الناحية القضائية وملاحقة المجرمين المرتكبين للهجمات بالسلاح الكيميائي في سوريا، أكد رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن "هذا التقرير بهذه الأدلة وبهذا التماسك يمكن استخدامه بالمحاكم ذات الاختصاص الدولي في أوروبا. كما يمكن استخدامه من قبل آلية التحقيق المستقلة التي أنشأتها الجمعية العامة في آخر 2016 لتبني عليها قضية، وفي حال إنشاء محكمة يُقدَّم للمحكمة، فهو يشكل أدلة صلبة ضد النظام وهو خطوة على طريق المحاسبة".

تبعات سياسية

أما عبد الرحمن الحاج الباحث المتخصص بالدراسات السورية، فيعتقد أن التقرير على الرغم من أنه في الواقع ليس أول تقرير يشير إلى مسؤولية نظام الأسد، فإنه يشير إلى شيء جديد وهو استهداف المشافي بالسلاح الكيماوي، وهو أحد الهجمات الثلاث التي أثبت فريق التحقيق تنفيذ النظام السوري لها في اللطامنة بريف حماة في مارس/آذار 2017.

وأضاف الحاج، في حديث مع TRT عربي، أن التقرير الأخير "مهم للغاية في هذا التوقيت بالتحديد، ويسعى فيه الروس وداعمو نظام الأسد لرفع العقوبات لمساعدة نظام الأسد في مواجهة وباء كورونا".

كذلك يأتي اتهام نظام الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية في سياق سعي بعض الدول للتطبيع معه بحجة التضامن في مواجهة انتشار كورونا، وفقاً للحاج.

ويرى الباحث السوري أن التقرير "يساعد في كبح جماح هذه المساعي، ويعزز في الوقت نفسه فرص المحاسبة"، مشيراً إلى أن قيمة التقرير السياسية في توقيته كبيرة، عدا أن موضوعه في حد ذاته مهم لتعزيز صورة الأسد كمجرم حرب لا يمكن أن يكون مقبولاً في المنظومة الدولية.

ودعا عبد الرحمن الحاج المعارضة السورية السياسية للاستفادة من التقرير الجديد والبناء عليه، معتبراً أنها "فرصة ممتازة لزيادة الضغط على النظام ومنع تعويمه".

وختم بالقول إنه "لا يمكن الجزم بأن التقرير يعني أن العدالة باتت أقرب إلى ضحايا الأسد، لكنه يقربنا خطوة ولا شك نحو العدالة، وريثما يكون المناخ الدولي قد نضج للوصول إلى هذه العدالة المرجوة، تجب مواصلة الجهود واستثمار كل ما يصدر لتحقيق ذلك".

TRT عربي