لقطة متداخلة لجنود روس وأمريكيين وسوريين بجوار رتل عسكري أمريكي عالق، في قرية "خربة عمو" شرقي مدينة القامشلي السورية، 12 فبراير/شباط 2020 (Uncredited/AP)
تابعنا

بعد توصُّل لجنة التفاوض بمحافظة درعا جنوبي سوريا إلى اتفاق مع روسيا لوقف إطلاق النار، وذلك عقب قصف كثيف تعرّضت له المنطقة خلال الأيام الماضية، ومحاولات متكررة لاقتحام المدينة من قبل قوات النظام السوري، دخلت الشرطة العسكرية الروسية ولجنة أمنية تابعة للنظام السوري إلى المنطقة لتثبيت وقف إطلاق النار.

في ضوء الأدوار الخارجية التي تلعبها القوات التابعة للشرطة العسكرية الروسية، وبالأخص دورها المتصاعد في سوريا منذ 2015، ودورها المحوري الذي بدأ العام الماضي ويستمر لخمسة أعوام في إقليم "قره باغ" الأذربيجاني، أُثيرت تساؤلات حول طبيعة عمل الشرطة العسكرية الروسية، وكيف شُكّلت، وما أهدافها؟

وافد حديث العهد بالجيش الروسي

تم تشكيل الشرطة العسكرية الروسية رسمياً عام 2011، لتصبح الجهاز الأحدث داخل القوات المسلحة الروسية. وتعتبر الشرطة العسكرية، إضافة إلى قيادة العمليات الخاصة، من بين الأجهزة الأمنية التي تم استحداثها وتطويرها في سياق إصلاحات القوات المسلحة الروسية في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وتم إطلاق الإصلاحات تحت اسم "نوفي أوليك" (المظهر الجديد)، وذلك في أواخر عام 2008 في أعقاب الحرب الروسية-الجورجية، حسب المركز الروسي لتحليل الاستراتيجيات والتقنيات (CAST) المتخصص في مجالي صناعة الدفاع وتجارة الأسلحة الروسية.

ورغم أنّ الشرطة العسكرية هي الوافد الأحدث داخل القوات المسلحة الروسية، فإنّ المناقشات حول تشكيل هذا الجهاز تسبق إلى حد كبير إنشاءه الفعلي، حيث يعود الطرح الأول لفكرة إنشاء الهيكل إلى الحقبة السوفيتيّة، وتحديداً أواخر الثمانينيات، غير أنّ انهيار الاتحاد السوفيتي حال دون تنفيذ الفكرة.

وفي أعقاب حادث أليم تعرّض له ​مجند روسي عام 2006 بإحدى أكاديميات الدبابات الروسية في مدينة "تشيليابينسك"، حيث تم بتر ساقيه بعد أنّ تعرض للضرب من قبل أقرانه. علّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الحادث خلال مؤتمر صحفي عقد في الكرملين، مفيداً بحتمية "تحسين الانضباط" داخل المؤسسات العسكرية الروسية، وأنّ وزير دفاعه سيقدّم قريباً مقترحات في هذا الإطار "بما في ذلك إنشاء شرطة عسكرية".

وفي هذا الصدد، أكدت دراسة مُعمقة، أجراها إيمانويل دريفوس الباحث الروسي بمعهد البحوث الاستراتيجية في باريس (IRSEM)، لتاريخ جهاز الشرطة العسكرية وأدوارها الخارجية، أنّ فكرة إنشاء الجهاز لقيت معارضة العديد من كبار الضباط بالجيش الروسي، باعتباره سيتبع القيادة السياسية بشكل مباشر.

لكن تلك المعارضة لم تفلح ليتم تشكيل الجهاز عام 2011، بهيكل على غرار أجهزة الشرطة العسكرية الغربية، حيث كان رئيس الأركان الروسي فاليري جيراسيموف قد صرّح وقتها: "لقد درسنا تجربة البلدان التي توجد بها شرطة عسكرية داخل القوات المسلحة، ونحن الآن بصدد إنشاء وحدات وأجهزة مركزية لشرطتنا العسكرية".

ويعتبر الجهاز حين تشكيله نسخة محدودة لما تم التخطيط له مسبقاً من حيث الوظائف وعدد العناصر، حيث كان من المخطط أن يشمل 20 ألف جندي، لكنه يضم نحو ثلث ذلك العدد بنحو 6-7 آلاف جندي.

سوريا.. "ساحة تجارب" ونقطة تحوّل

خلال السنوات الأولى من عمل الشرطة العسكرية الروسية المُشكَّلة عام 2011 تعرقل الجهاز بسبب "انعدام الشرعية" داخل القوات المسلحة الروسية، بحسب الباحث الروسي دريفوس.

ومثّل تدخل موسكو في سوريا أواخر عام 2015 نقطة تحوّل كبرى للشرطة العسكرية الروسية، فمنذ ذلك الحين تم توسيع نطاق مهامها بشكل كبير، وحصلت على السلطة والشرعية التي كانت تفتقر إليها سابقاً داخل القوات المسلحة الروسية.

وانتشرت وحدات من الجهاز منذ بداية التدخل الروسي بسوريا في سبتمبر/أيلول 2015 لحماية القاعدة العسكرية الروسية في "حميميم"، لكن التحوّل الحقيقي بدأ في ديسمبر/كانون الأول 2016، عندما أُرسلت كتائب الشرطة العسكرية الروسية إلى حلب لتستعيد السيطرة الكاملة على المدينة.

ووفقاً لوكالة أنباء سبوتنيك، فإنّ الشرطة العسكرية الروسية لعبت أدوراً في العديد من المناطق والمدن السورية أهمها: منبج، وريف دمشق، وريف إدلب الجنوبي الشرقي، والغوطة، والقلمون الشرقي، ومخيم والركبان، ومرتفعات الجولان، إضافة إلى الوجود على مقربة من الشريط الحدودي التركي-السوري، وذلك بموجب اتفاق أُبرم بين أنقرة وموسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث بدأ تنسيق بين القوات التركية والشرطة العسكرية الروسية لتسيير دوريات في المنطقة الحدودية شمال محافظة حلب.

ولقي وجود الشرطة العسكرية الروسية بالأراضي السورية انتقادات حادة نتيجة سياسة موسكو بالاصطفاف على طول الخط مع النظام السوري، وتقديم الدعم غير المشروط لبشار الأسد.

ووصف هاني العبد الله، في مقال بمجلة "الجمهورية" السورية المعارضة، الجهاز الروسي بأنه "ذراع موسكو لتعزيز قوتها على الأرض وبسط نفوذها على مختلف مفاصل الحياة".

ونقل العبد الله تصريحات للأهالي السوريين الموجودين بالمناطق التي شهدت أدوراً للشرطة العسكرية الروسية، فيما اعتبر الأهالي الأخيرة "أداة تنفيذ المخطط الروسي"، واتهموها بغض الطرف عن جرائم وانتهاكات النظام السوري، رغم محاولتها المتكررة لاستمالة الأهالي و"إظهار نفسها بموقع الضامن"، على حسب ما ورد بالمقال.

قره باغ ولفت الأنظار

عقب اتفاقية قره باغ، الموقعة بالعاصمة الروسية موسكو في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لوقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنّ وحدات من الشرطة العسكرية التابعة لها ستكون جزءاً من عمليات حفظ السلام الروسية في جنوب القوقاز لفترة أولية مدتها خمس سنوات.

ألقى نشر القوات التابعة للشرطة العسكرية الروسية بإقليم قره باغ الأذربيجاني الضوء على الدور المتزايد لهذا الجهاز، حديث العهد نسبياً، في التدخّلات الخارجية لموسكو.

وكان الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف قد أعلن حينئذ، أنّ الاتفاق الموقّع مع أرمينيا تقضي المادة الخامسة منه بتشكيل مركز قيادة لقوات حفظ السلام بإشراف عسكريين أتراك وروس، بهدف تعزيز مراقبة الأطراف لوقف إطلاق النار، وأكّد أنّ تركيا ستلعب دوراً في حلّ الصراع في المستقبل ومراقبة وقف إطلاق النار، وهو ما شددّ عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفيداّ أنّ قوات بلاده ستشارك في قوة حفظ السلام مع الجانب الروسي لمراقبة تطبيق الاتفاق.

TRT عربي