هل تكون حرب أوكرانيا بداية نهاية نظام الأمم المتحدة؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

إلى جانب الدمار والمعاناة الإنسانية والأزمات التي ضربت الاقتصاد العالمي برمته، كشفت الحرب الأوكرانية التي دخلت شهرها التاسع أيضاً عن أن المؤسسات، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس أمنها، المصمَّمة لتأمين النظام العالمي، ليست على مستوى المهامّ المنوطة بها لوقف الحروب ومنع توسعها على صعيد عالمي.

بينما ازدادت المخاوف من حرب عالمية ثالثة اليوم، بدأت الدول الكبرى، تحديداً الغربية منها، البحث عن حلول وصيغ لإعادة تشكيل مجلس الأمن كخطوة تمهيدية يتبعها بناء نظام جديد على شبكة من المعايير والمؤسسات تحكم الشؤون الدولية، ليس بالقوة الغاشمة بل من خلال قواعد القانون.

يُذكر أن الرئيس رجب طيب أردوغان أطلق منذ سنوات رؤية تركية تتمثل بعبارته الشهيرة "العالم أكبر من خمسة" يرسم من خلالها أسساً لنظام عالمي أكثر استقراراً وسلاماً وعدلاً عبر تقوية الأمم المتحدة وتفعيل دورها القيادي، إلى جانب إعادة هيكلة مجلس الأمن بشكل أكثر عدلاً وتنوعاً وتمثيلاً.

نظام غير متكافئ أصلاً

حسب صحيفة فورين بوليسي، أدت الحروب النابليونية إلى الخروج بنظام توازن القوى المعروف باسم "Concert of Europe"، والحرب العالمية الأولى بعصبة الأمم، أما الحرب العالمية الثانية فأدّت إلى الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحلف شمال الأطلسي والتحالفات التعاهدية الإقليمية الأخرى.

لكن النظام الحالي البالغ من العمر 75 عاماً غير متكافئ بالفعل مع المشكلات التي يواجهها العالم اليوم، فلم يعمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قط باعتباره الهيئة الأمنية العليا التي تصورها فرانكلين ديلانو روزفلت ووينستون تشرشل. على الرغم من أن المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ على حرمة سيادة الدولة، فإن مجلس الأمن لا يمكنه منع أو ردع روسيا من الاستمرار في غزوها أوكرانيا.

وخلال الذكرى السنوية 75 لتأسيس الأمم المتحدة، في يونيو/حزيران 2021، طالب قادة 193 دولة بإحياء مفاوضات إصلاح مجلس الأمن ورفع عدد الأعضاء من 5 دائمين و10 مؤقتين إلى 25 أو 27 عضواً. لكن هذه المطالب لا تزال تصطدم برفض الصين وروسيا الذي يعرقل مفاوضات الإصلاح، علماً بأن إصلاحات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الستينيات لم تُعِر عديداً من الدول الإفريقية البالغ عددها 54 دولة انتباهاً، فطوال العقود الستة الماضية لم يكن للقارة الإفريقية من يمثّلها بشكل دائم.

البحث عن نظام جديد

من منظور موسكو، استغلت الولايات المتحدة المطالب السابقة بضرورة إصلاح الأمم المتحدة وتمثيل القوى الجديدة داخل مجلس الأمن، لطرح هذا المقترح في قمة الأمم المتحدة التي عُقدت في سبتمبر/أيلول الماضي بحجة أهمية مراعاة التمثيل الجغرافي العادل للدول. فمنذ سنوات ظهرت مطالب بإدخال دول مثل اليابان والبرازيل وألمانيا والهند إلى مجلس الأمن، مع مناقشة إلغاء حق الفيتو للدول دائمة العضوية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

فمنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا أواخر فبراير/شباط، طالبت الولايات المتحدة وبريطانيا، بالإضافة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال خطبته أمام المجلس، بتجريد روسيا من عضويتها الدائمة بالمجلس، وعادت واشنطن وكررت مطالبها هذه في اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول.

من جهته، أكد النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي أنه لا يمكن استبعاد روسيا، إلا إذا حُلّت منظمة الأمم المتحدة وأُعيدَ تأسيسها، لأن ميثاق الأمم المتحدة ينصّ على أنه لا يحق تجريد أي دولة من عضويتها في مجلس الأمن، ولو لم تكن عضويتها دائمة. وهو الميثاق الذي يتطلب تعديله موافقة الدول الخمس دائمة العضوية.

وينادي الاقتراح الغربي بالإضافة إلى زيادة عدد الأعضاء، بتغيير طريقة عمل مجلس الأمن عبر إعطاء الإمكانية برد حق النقض (الفيتو) لعضو دائم عن طريق إضافة بند إلى المادة 27 من شأنه أن يسمح بأغلبية كبيرة، تمثل ثلثي الأعضاء، بتجاوز حق النقض.

أردوغان: "العالم أكبر من خمسة"

في ظل الصراع المحتدم بين الشرق والغرب لتعديل مجلس الأمن بما يتوافق مع مصالح كلا منهما، ترى تركيا الحاجة ماسَّةً إلى "أمم متحدة" تعكس التعددية الثقافية والتعددية القطبية من أجل ضمان سلام عالمي عادل وأكثر استدامة. فالعالم من وجهة نظر أنقرة ليس أحادي القطب ولا ثنائي القطب حتى، ولا يصح أن يخضع لهيمنة ثقافية واحدة أو ثقافات عدد قليل من الفاعلين داخل مجلس الأمن، وأنه من الممكن بناء عالم متعدد الأقطاب ومتعدد الثقافات أكثر شمولاً وعدلاً من خلال تفعيل دور الأمم المتحدة وإعادة هيكلة مجلس الأمن، في طريق تحقيق السلام والاستقرار والعدالة والحوكمة العالمية الفعالة.

وفي كتابه الذي صدر في سبتمبر/أيلول 2021 تحت عنوان "من الممكن الوصول إلى عالم أكثر عدلاً"، أكّد أردوغان عبارته الشهيرة "العالم أكبر من خمسة" التي لاقت صدى عالمياً وتُرجمت على شكل أغنية باللغة الإنجليزية عام 2017، إذ تحدث عن ضرورة إلغاء حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي وتفعيل دور الأمم المتحدة التي تمثل معظم الدول تقريباً، من أجل تحقيق عدالة عالمية حقيقية وشاملة.

ولطالما أكد الرئيس التركي أن خلاص العالم وسعادته يكمنان في تطبيق العدالة، في عالم يصبح به المحقّ قوياً لا القوي محقّاً، بما لا يخلو من نبرة استنكارية لقرارات دول مجلس الأمن الخمس دائمة العضوية، التي تشوبها ازدواجية المعايير.

TRT عربي