تابعنا
في الوقت الذي بدأت تتجه فيه أزمة المهاجرين غير النظاميين على الحدود البيلاروسية الأوروبية إلى أفق مسدود، لجأت مينسك إلى التهديد بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا، كورقة رابحة للمساومة. حيث إن الأخيرة تعيش أزمة حادة في الطاقة مع اقتراب الشتاء.

مع تدفق الآلاف من طالبي اللجوء، في اتجاه بولندا وليتوانيا ولاتفيا، عبر أراضي بيلاروسيا، خلال الأسابيع القليلة الماضية، اتهم الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بافتعاله أزمة مصطنعة على الحدود، وتسهيل وصول هذه الموجة من المهاجرين غير النظاميين واللاجئين إلى أوروبا، لزعزعة أمنها واستقرارها، وذلك كرد منه على العقوبات التي فرضت على مينسك خلال الفترة الأخيرة، بسبب اتهامها في التورط في انتهاكات حقوق الإنسان.

وبينما أصر لوكاشينكو على نفي هذه الاتهامات، بدأ يتصاعد الخلاف ويحتد تدريجياً بين الجانبين، وتداخلت في ذلك العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، التي لم تتوصل بدورها إلى حل للأزمة التي بدأت تأخذ أبعاداً أخرى.

فمع تلويح الاتحاد الأوروبي مؤخراً، بفرض مزيد من العقوبات على مينسك، قررت الأخيرة اللجوء إلى التهديد بأكثر الملفات حساسية ودقة لأوروبا، وهو التهديد بالطاقة وبقطع إمدادات الغاز مع اقتراب موعد الشتاء، ما قد ينذر بشتاء قاس وغير مسبوق على بلدان القارة العجوز.

هل تنفذ بيلاروسيا تهديداتها؟

مع تفاقم واستفحال أزمة المهاجرين غير النظاميين على الحدود البلاروسية البولندية، أثيرت العديد من النقاشات والمحادثات بين زعماء وقادة الاتحاد الأوروبي حول التمديد في العقوبات وتشديدها على بيلاروسيا.

وصرح في هذا السياق وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، قائلاً:" سنعاقب كلّ من يشارك في تهريب المهاجرين لهدف محدّد". وأكد ماس بأن الاتّحاد الأوروبي سيعمل على تمديد وتشديد العقوبات المفروضة على نظام لوكاشينكو.

وأضاف قائلاً:" يجب على لوكاشينكو أن يدرك أنّ حساباته لا تُجدي.. ولا يمكن ابتزاز الاتّحاد الأوروبي".

وأثارت التهديدات والتصريحات الأوروبية غضب الجانب البيلاروسي، الذي رد بدوره على ذلك، بالتهديد بوقف نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر بلاده. وصرح في ذلك لوكاشينكو قائلاً: "ندفّئ أوروبا، وما زالوا يهدّدوننا بإغلاق الحدود. ماذا إذا أوقفنا تدفّق الغاز الطبيعي إلى هناك؟ لذلك، أوصي كلّاً من القيادة البولندية والليتوانية وغيرهما من الحمقى بالتفكير جيّداً قبل التحدّث".

فيما أعلنت روسيا الجمعة أنها ستواصل إمداد أوروبا بالغاز بعدما هدد رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشنكو بقطع الإمدادات رداً على عقوبات محتملة على خلفية أزمة الهجرة عند الحدود بين بيلاروس وبولندا.

وأفاد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الصحافيين بأن "إمكانية الاعتماد على روسيا كمصدر للإمدادات بموجب العقود الحالية والمستقبلية أمر لا يمكن التشكيك فيه"، مضيفاً أن لوكاشنكو لم ينسّق مع موسكو قبل الإدلاء بتصريحاته.

ويرى خبراء ومحللون أنه من غير الواضح إلى الآن، كيف سينفذ لوكاشينكو تهديده، وإيقافه تدفق الغاز القادم من روسيا إلى بولندا عبر خط أنابيب يامال المملوك لشركة غازبروم الروسية. حيث إن القضية تعتبر بيد روسيا في الدرجة الأولى.

وبينما يعول لوكاشينكو على علاقة التقارب بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على خلفية التحالف الاقتصادي والأمني القوي بين البلدين، والذي جسدته موسكو مؤخراً بإرسال طائرات وقاذفات إلى الأراضي البيلاروسية لدعمها في أزمتها مع أوروبا، إلا أن العديد من الأطراف تؤكد أنه لم يثبت تواطؤ روسيا في هذه الأزمة أو تدخلها بشكل مباشر، إلى حدود هذه اللحظة. وقد شدد بوتين بدوره على ضرورة التحاور بين الجانبين، مؤكداً رفضه للهجة الهجومية للوكاشينكو.

وفي السياق ذاته، قال زعيم المعارضة البيلاروسية سفياتلانا تسيخانوسكايا في تصريح إعلامي بأن: "تهديدات لوكاشينكو مجرد خدعة، وقد يتسبب قطع إمدادات الغاز في إلحاق الضرر بلوكاشينكو وبيلاروسيا أكثر من الاتحاد الأوروبي" وأضاف قائلاً:" لا يمكن أخذ هذه التهديدات على محمل الجد.. لأن روسيا لها أيضاً مصلحة في هذه القضية".

الغاز.. ورقة مساومة

في الوقت الذي عجز فيه الجميع عن كبح جماح تهديدات لوكاشينكو، بدأت تثار المخاوف لدى العديد من الأطراف الأوروبية، من إمكانية توظيف قضية الغاز، كسلاح دبلوماسي لإضعاف الموقف الأوروبي، في وقت يعاني فيه من أزمة خانقة في الطاقة والغاز تزامنت مع اقتراب موعد الشتاء.

وتشير العديد من المصادر الرسمية، إلى أن خط أنابيب يامال-أوروبا يورّد نحو 20% من الغاز الروسي إلى أوروبا، مروراً ببيلاروسيا التي تحصل على رسوم مقابل ذلك. وبالتالي فإن إيقاف هذه الإمدادات سيضاعف أزمة البلدان الأوربية ويفاقم من حدة الأزمة التي تمر بها.

ويؤكد خبراء ومحللون، أن لوكاشينكو يعي جيداً أن مسألة الطاقة والغاز باتت اليوم سلاحاً ديبلوماسياً مهماً وورقة مساومة جيوستراتيجية لبلدان الاتحاد الأوروبي التي عجزت عن إيجاد حلول حقيقية لهذه القضية.

وتعاني اليوم أوروبا من نقص حاد في الطاقة والغاز، على خلفية التداعيات السلبية لانتشار جائحة كورونا والسياسات الأخيرة لعدة دول للحد من أزمة المناخ في العالم، والتي أدت مجتمعة إلى انخفاض مستوى الإمدادات مقابل ارتفاع الطلب والأسعار.

وبالرغم من السياسات والقرارات التي كانت قد اتخذتها بلدان الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية بشكل صارم وموحد، لإصلاح قطاع الطاقة وتحسين أداء سوق الطاقة الداخلي الأوروبي، إلا أنها فشلت في ذلك ولم تتمكن من تجاوز هذا التحدي، وخضعت بالتالي لابتزاز مستمر وبخاصة من الجانب الروسي الذي يعتبر المورد الأهم لأوروبا.

ومع ذلك لم تتجاوز التهديدات حدود المساومة والابتزاز، ولم يشتعل فتيل أزمة حقيقية بين هذه البلدان، ما رجح لدى الجانب الأوروبي أن تكون تهديدات لوكاشينكو مجرد تصريحات هجومية لا يمكن أن يذهب بها إلى أبعد من ذلك.

TRT عربي