تابعنا
انتقل التنافس المحموم بين الجارتين المغرب والجزائر، فبعد أن كان مُقتصراً على السباق العسكري، انتقل هذه المرة ليشمل القارة الإفريقية.

ومنذ وصول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، إلى سدّة الحُكم في البلاد في 12 ديسمبر/كانون الأول، عادت الدبلوماسية الجزائرية بقوة إلى السّاحة الإفريقية تجسيداً للكلمات التي ألقاها تبّون أمام قادة دول الاتحاد الإفريقي في القمّة التي انعقدت بتاريخ 9 فبراير/شباط 2020 بأديس أبابا، قال فيها "إنّ الجزائر الجديدة الجاري تشييدها ستضطلع مِن الآن فصاعداً بدورها كاملاً في إفريقيا وفي العالم".

ويكفي تصفّح الحسابات الرسمية لقائد الدبلوماسية الجزائرية صبري بوقادوم، للاطّلاع على مدى كثافة النشاط الدبلوماسي منذ تاريخ تعيينه في حكومة التكنوقراطي عبد العزيز جراد بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى غاية خط هذه الأسطر، إذ نفّذ أكثر من 25 نشاطاً رسمياً يخصّ اللقاءات المشتركة في القارة السمراء وحدها.

زيارات مُتعاقبة

وأجرى وزير خارجية الجزائر صبري بوقادوم، في يناير/كانون الثاني الماضي سبع زيارات مُتعاقبة، وكانت ليبيا حينها، التي تتقاسم حدوداً محفوفة بالمخاطر مع الجزائر، أوّلَ محطة زارها بوقادوم، ثم إلى الكونغو وكينيا وجنوب إفريقيا وجمهورية ليسوتو، ثم أجرى بعد ذلك زيارة دبلوماسية إلى كل من أنغولا ومالي وكينيا.

وفي سابقة لافتة على الصعيد الدبلوماسي، صوبت الجزائر بوصلتها نحو دول غرب إفريقيا "إيكواس" التي تضم 15 بلداً، حيث التقى بوقادوم رئيس مفوضية "إيكواس" جان كلود كاسي برو في أبوجا (عاصمة جُمهورية نيجيريا الاتحادية)، لبحث التطورات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي.

وزير خارجية الجزائر صبري بوقادوم يؤدي زيارة إلى جنوب أفريقيا (Others)

ولم تتوقف التحركات الدبلوماسية الجزائرية عند هذا الحد فقط، بل اقتحمت قلاع المغرب داخل البيت الإفريقي، إذ زار بوقادوم عدداً من الدول الإفريقية المساندة للطرح المغربي بخصوص قضية الصحراء الغربية التي تشكّل جوهر الخلاف الجزائري المغربي.

وحط صبري بوقادوم الرِّحال بدولة غينيا بيساو التي تقع غربي القارة الإفريقية، واستقبله رئيسها ألفا كوندي، وجاءت هذه الزيارة في إطار جولة ثانية شملت بعض البلدان الإفريقية التي تقع في وسط وغرب إفريقيا كالسيراليون والكاميرون.

واتفق مع رئيس دولة غينيا، التي لعبت دوراً بارزاً في عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي بعد غياب دام ثلاثة عقود كاملة وكان هذا سنة 2017، على ضرورة بث علاقات جديدة، وإحياء العمق التاريخي للعلاقات الثنائية وحتى مُضاعفة الجهود لترقية سلميّة إفريقية للأزمات التي تُعانيها القارة الإفريقية.

تنافس محموم

وبالتزامن مع هذه الزيارات أخرجت الجزائر مشاريع كُبرى بقيت حبيسة الأدراج لسنوات، من بينها مشروع أنبوب الغاز الطبيعي بين الجزائر ونيجيريا، الذي لم ير النور منذُ 14 عاماً، وجاءت هذه الخطوة مُتزامنة مع تحرّك المغرب للاستحواذ على هذا المشروع الذي سيُوفّر للبلد الذي سيظفر به دوراً مُهماً في منطقة شمال إفريقيا.

وقبل أيام قليلة فقط من إنهاء مهامه في آخر تعديل حُكومي أجراه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون بعد عودته من رحلته العلاجية الثانية في ألمانيا، عدّدَ وزير الطاقة السابق عبد المجيد عطار سلبيات مشروع أنبوب نقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر المغرب، ووصفه في تصريحات صحفية بـ"المشروع السياسي الذي لا جدوى اقتصادية منه لأنه يعبر دولاً عدة، وكمية الغاز التي ستصل إلى السوق الأوروبية ستكون قليلة لأن كل البلدان التي ستمر عبرها هذه المادة في حاجة ماسّة لها ولذلك فهذا المشروع غير مبني على حاجة اقتصادية مثلما يُسوّق له".

وفي هذا الإطار علق عن أنبوب الغاز من نيجيريا إلى الجزائر قائلاً: "بمُجرّد وُلوج الغاز النيجيري إلى الحدود الجزائرية يكُون قد وصل إلى أوروبا لأن الجزائر ليست في حاجة إطلاقاً إلى غاز نيجيريا".

وكان ضمن قائمة المشاريع الاستثمارية العملاقة التي أُخرجت مِن الأدراج المغلقة، مشروع الطريق العابر للصحراء الذي أُنجز سنة 1960 على مسافة 9400 كلم، يربط محورهُ الرئيسي الجزائر العاصمة بلاغوس النيجيرية، ولهُ تفرعات عدّة تمتدُ إلى النيجر ومالي والتشاد وتُونس، وسيُحوّل إلى طريق "سيار شمال جنوب" حسب تصريحات الأمين العام لوزارة الأشغال العمومية في الجزائر.

وتُعوّل الجزائر على هذا المشروع كثيراً لتصدير منتجاتها نحو بلدان إفريقية، خاصة بعد أن قررت العودة إلى حضن البيت الإفريقي بعد سنوات مِن الغياب، إذ انضمت رسمياً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى منطقة التبادل الحرّ الإفريقية التي تضمّ 30 بلداً باحتساب الجزائر، وتسعى حالياً إلى تحقيق مُبادلات تجارية تتجاوز 50 ملياراً بحلول 2023 مُقابل 24 ملياراً سنة 2019.

وبنفس التوقيت تقريباً قالت وسائل إعلام مغربية إنّ مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا ليصل إلى أوروبا، عاد بقوة بعد المكالمة الهاتفية بين العاهل المغربي ورئيس نيجيريا.

وكشف بلاغ للديوان الملكي نشرتهُ الخارجية المغربية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن الملك محمد السادس والرئيس محمد بوخاري أعربا عن عزمهما مواصلة المشاريع الاستراتيجية بين البلدين وإنجازها في أقرب الآجال خاصة خطّ الغاز نيجيريا-المغرب وإحداث مصنع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا.

وفي يونيو/حزيران الماضي، قدّم المغرب في جائحة كورونا المساعدة لأكثر من خمسة عشر بلداً إفريقياً، وهي الخطوة التي علّقت عليها تقارير فرنسية بالقول: "القوة الناعمة المغربية تتحرك من أجل مُساعدة خمسة عشر بلداً إفريقياً في جُهودها الرامية إلى محاربة جائحة كوفيد 19".

ومنذ عودته إلى أحضان البيت الإفريقي سنة 2017، وسّع المغرب مِن حجم الاستثمار في دول القارة السّمراء خاصة في المجال المصرفي والاتصالات والتصنيع، حتى أنه سار على خطى جارته الجزائر وأطلق المرحلة التشغيلية لتنفيذ اتفاق التبادل الحر في القارة الإفريقية.

وتستحوذ إفريقيا حسب الأرقام، التي كشف عنها الوزير المُنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المُقيمين بالخارج مُحسن الجزولي، خلال افتتاح القمة الاستثنائية الـ13 للاتحاد الإفريقي حول اتفاق منطقة التبادل الحر في القارة الإفريقية، على ثُلثي استثمارات المغرب المُباشرة بالخارج.

حاجة أمنية

توجُّه الجزائر جنوباً يربطهُ متتبعون للمشهد السياسي في البلاد بالوضع الأمني والنفوذ الدولي والإقليمي بين الجزائر والمغرب، حيث زاد تحرك الجزائر في القارة الإفريقية عقب التطبيع المغربي مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة وأن الرباط ظفرت باعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بسيادتها على الصحراء الغربية مثلما يُؤكدهُ الناشط السياسي محمد حديبي في تصريح خاص لـTRT عربي.

ويعتقد النائب البرلماني السّابق أنّ التحالف المبرم بين المغرب وفرنسا وأمريكا وإسرائيل دفع الجزائرَ إلى التحرّك بالسرعة القُصوى من أجل استعادة دورها الطبيعي في القارة السمراء كبلد محوري مُؤثّر، خاصة وأنها تتصدر قائمة الدول المُدافعة عن الحقوق التاريخية للأفارقة.

وتكمنُ مخاوف الجزائر أيضا حسب الناشط السياسي محمد حديبي في تأزّم الوضع الأمني في منطقة الساحل الإفريقي خاصة بعد تزايد الهجمات المُسلحة التي استهدفت مناطق عدة على الحدود على غرار مالي والنيجر وبشكل غير مسبوق، وراح ضحيتها عشرات الأشخاص من عسكريين ومدنيين في كلا البلدين.

ووفق حديبي، فإنّ تحركات الجزائر في القارة الإفريقية وحتى الاتفاقيات التي أبرمتها مع دول كبرى على غرار الصين، مثل مُبادرة طريق الحرير الجديد التي تحملُ في طيّاتها أكثر من رسالة للعديد من الدول التي كانت تحظى في وقت سابق بمعاملات اقتصادية تفضيلية في السوق الجزائرية.

وتعول الجزائر على العديد من الأوراق الرابحة التي تملكها للتوغّل الاقتصادي في إفريقيا، أبرزها الموقع الجغرافي، إذ تقع في شمال إفريقيا ويحدها من الشمال البحر الأبيض المُتوسط ومن الشرق تونس وليبيا ومن الجنوب النيجر ومالي ومن الغرب موريتانيا والمغرب، بينما لجارتها المملكة المغربية حُدود مع دولتين فقط، الجزائر والصحراء الغربية.

ومن أهم نقاط القوة التي تعول عليها الجزائر وجودها ضمن الاتحاد الإفريقي باعتبارها عضواً مُؤسساً، حتى أن ميلاد هذه الهيئة الإفريقية احتضنته الأراضي الجزائرية في حين أنّ المغرب انضمّ حديثاً إلى البيت الإفريقي.

وأدرج الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية مبروك كاهي التحركات الدبلوماسية الجزائرية الأخيرة في "إطار حماية مصالحها الاستراتيجية، وحشد الدول الإفريقية لصالحها"، ويُشير في تصريح خاص لـTRT عربي إلى أنّ الجزائر تُحاول التوغل في العمق الإفريقي.

ويرى كاهي أنّ الجزائر في الفترة الأخيرة عمّقت من عزلة المغرب الذي عزل هو الآخر نفسه بتعدّيه الصارخ على القرارات الصادرة عن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.

ويضيف مبروك كاهي أنّ "ما يحدث اليوم في منطقة شمال إفريقيا بين هذين البلدين الجارين هو معركة المصالح، وكل دولة سواء إقليمية أو دُولية ستحاول الحفاظ على مصالحها الخاصة وضرب المصالح المنافسة باستخدام مختلف الأساليب".

TRT عربي
الأكثر تداولاً