كيف لجأ الأوكرانيون للتدفئة بحطب غابات تشيرنوبيل؟ / صورة: AP (Efrem Lukatsky/AP)
تابعنا

تستمر الضربات الجوية الروسية على أوكرانيا، مركّزة قوتها التدميرية على البنية التحتية الطاقية للبلاد، واضعة أجزاءً منها في أجواء الظلمة والصقيع، مع حلول شتاء قارس حسبما يظهر من أيامه الأولى. في المقابل يسعى الرئيس الأوكراني لتعزيز دفاعات قواته الجوية، عبر منظومة باتريوت الأمريكية، التي وافقت واشنطن على منحه إياها مؤخراً.

وفي انتظار وصول منظومة الدفاع الجوي الأمريكية المتطورة، وتَمكُّن سلطات البلاد من إعادة محطات طاقتها إلى الخدمة، يسارع الأوكرانيون إلى البحث عن بدائل مؤقتة في الفحم والحطب، منها الحطب القادم من غابة دريفليانسكي، المحظورة إثر التلوُّث الإشعاعي الواسع الذي أصابها بسبب كارثة تشيرنوبيل النووية عام 1986.

بين الصقيع وخطر الإشعاع

حسب تقديرات لوكالة الغابات الحكومية الأوكرانية، فإن الأوكرانيين يحتاجون إلى 7 ملايين متر مكعب من الحطب للتدفئة شتاء هذه السنة، بما يفوق بمرات عديدة حجم الاستهلاك العاديّ في البلاد، فيما تعود هذه الحسابات إلى شهر أغسطس/آب الماضي، أي قبل القصف الروسي للبنية التحتية الطاقية الأوكرانية، بما يرجح قابلية هذا الرقم للانفجار أعلى مما هو متوقع.

ويشمل هذا الطلب على حطب التدفئة كل مناطق البلاد، حسب الوكالة، بما فيها السكان قرب الغابات التي لا تزال ملوثة بالإشعاعات النووية نتيجة كارثة تشيرنوبيل عام 1986.

إحدى هذه الغابات هي غابة دريفليانسكي، التي أقامت بها الدولة محمية طبيعية عام 2009، والتي لا يزال تركيز عنصر "السيزيوم 137" المشعّ فيها يصل إلى 288000 بيكريل، أي أعلى بـ115 مرة مما يُسمح للإنسان العادي بالتعرُّض له والبقاء بصحة جيدة.

وشهدت دريفليانسكي توغلاً للقوات الروسية في شهر فبراير/شباط الماضي، وفي الصيف الماضي طالت حرائق واسعة عشرات آلاف الهكتارات من الغابة والغابات المجاورة، واتهمت كييف القوات الروسية بافتعالها. وحسب ما صرحت به وقتها ليودميلا دينيسوفا، مفوضة البرلمان الأوكراني لحقوق الإنسان، فإن "تلوُّث الهواء الإشعاعي انبعث بسبب الاحتراق"، وحذرت من أنه يمكن أن ينتقل مسافات كبيرة مع الريح.

وإضافة إلى الخطر الإشعاعي، يقول ميكولا شيليوك مدير محمية دريفليانسكي: "ما يشغلني قبل كل شيء هو امتلاك وسائل منع الحطابين والصيادين من بلوغ الغابات، لأنه وفقاً لتقديراتنا الأولى، فإن 20% من 31000 هكتار من المحمية ملغومة، وبعض القذائف التي أطلقها الروس لم ينفجر بالتأكيد". ويضيف: "في الأشهر الأخيرة لقي خمسة من الحطابين مصرعهم في انفجار سياراتهم".

سلاح البرد

تتزامن هذه الضربات الروسية المكثفة للبنية التحتية الطاقية في أوكرانيا، مع دخول الشتاء القارس، إذ تشهدت البلاد في هذه الأيام تساقطات ثلجية كبيرة. فيما تسير درجات الحرارة نحو الانخفاض تحت الصفر ويصبح النهار أقصر، بما يزيد انعكاسات تلك الضربات على السكان.

وليست درجات الحرارة المتدنية تحت الصفر بالأمر الغريب على الشتاء الأوكراني، بل يمكنها أن تبلغ 20 درجة مئوية تحت الصفر، خصوصاً في مناطق كسومي وخاركيف في أقصى الشمال بحلول يناير/كانون الثاني وفبراير.

ويرى محللون أن روسيا، التي تسيطر الآن على أراضٍ أوكرانية أقلّ مما كان منذ الأسابيع الأولى من الهجوم، قد يكون أفضل خيار استراتيجي لها أن تصمد خلال الشتاء وتتجنب مزيداً من الخسائر الجسيمة، وتأمل أن يؤدّي البرد: مهمة إضعاف المقاومة الأوكرانية. وهو ما أكده النائب المقرب من الكرملين أندريه غوروليف بقوله: "من المستحيل البقاء على قيد الحياة في ظلّ عدم وجود تدفئة ولا ماء ولا ضوء".

فيما ليست هي المرة الأولى التي توظّف فيها روسيا الشتاء لصالحها في الحروب، بل لعب هذا الطقس دوراً مفصليّاً في صدّها حملة نابليون بونابارت على موسكو خلال القرن 19، وإفشال الهجوم النازي عليها خلال الحرب العالمية الثانية. ودأب الضباط النازيون على تسمية الشتاء الروسي بـ"الجنرال جليد"، في إشارة إلى وقوف الطقس المتجمد لصالح أعدائهم في الحرب.

TRT عربي