ما تداعيات الخلافات بين فاغنر والجيش الروسي؟ / صورة: Reuters (Concord Press Service/Reuters)
تابعنا

مع دخول القتال في باخموت شهره الحادي عشر، يستمر الشقاق الذي أحدثته معركة كسر العظم بين أجنحة القوات الروسية والموالية، وعلى رأسها مجموعة التعهد الأمني الخاصة "فاغنر" التي ما فتئ رئيسها يغفيني بريغوجين يكيل انتقادات لضباط الجيش الروسي، ويتهمهم بخذلان مقاتليه في المعارك.

وقبل أيام قليلة، وصلت حدة هذا الخلاف لدرجة تهديد بريغوجين بالانسحاب من مواقعه في باخموت، وتسليمها للألوية الشيشانية، قبل أن يتراجع عن ذلك فيما بعد. بالمقابل ليست هي المرة الأولى التي يهاجم فيها رئيس فاغنر قادة قوات موسكو، بينما يربط مراقبون بين هذه الانتقادات وطموحات بريغوجين السياسية.

"تخلّوا عنا وفروا من باخموت"!

في آخر تصريحات له، يوم الثلاثاء، اتهم رئيس مرتزقة فاغنر، يغفيني بريغوجين، وحدات الجيش الروسي بالتخلي عن دعم قواته والفرار من مواقعها بالقرب من باخموت شرق أوكرانيا. وقال بريغوجين: "اليوم يتم عمل كل شيء حتى ينهار الخط الأمامي (في جبهة باخموت). اليوم هربت إحدى وحدات وزارة الدفاع من أحد أجنحتنا ، تاركة مواقعها".

وانتقد رئيس فاغنر، في مقطع فيديو نشره على قناته بتليغرام، ما سماه "غباء" قادة الجيش الروسي، قائلاً: "لا يجب أن يموت الجندي بسبب غباء قادته المطلق (...) الأوامر التي يتلقاها الجنود من القادة إجرامية تماماً".

وفي ردها عن هذه التصريحات تفادت وزارة الدفاع التصعيد الكلامي مع بريغوجين، واكتفت بالتأكيد أن "المجموعة الهجومية"، الاسم الذي لطالما أشارت به إلى "فاغنر"،" تواصل القتال على الجزء الغربي من الجبهة".

وفي مقطع فيديو آخر، نشر يوم 5 مايو، أعلن بريغوجين أن فاغنر ستنسحب من مواقعها في باخموت بحلول 9 مايو، وتسليمها تلك المواقع لقوات شيشانية موالية لروسيا. وأرجع بريغوجين هذا القرار لـ "جوع الذخيرة" الذي تعانيه قواته، وأن وحداته "محكوم عليها بالموت الأحمق".

ورداً على هذا الإعلان، انتقد الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، بريغوجين لـ "نشر الغسيل القذر على مرأى من العالم". وأكد قاديروف استعداده لإرسال قواته إلى باخموت بدلاً من فاغنر، مذكراً بأن وزارة الدفاع الروسية لم تساعد قواته على الفور عندما كانوا يقاتلون في أوكرانيا.

وتراجع بريغوجين عن قرار انسحاب قواته من باخموت، بعد أن وعدت وزارة الدفاع بإعطائه الذخيرة اللازمة لمواصلة القتال. وقال بريغوجين: "لقد أعطيتنا أوامر بالقتال، وإذا ما انسحبنا فسينظر إلى ذلك على أنه خيانة للوطن الأم (...) لكن من الخائن الحقيقي للوطن؟ على ما يبدو، هو الشخص الذي وقع الأمر بتزويدنا كمية قليلة جداً من الذخيرة".

ليس الخلاف الأول

وهذه ليست هي المرة الأولى التي يحتدم فيها النزاع بين رئيس فاغنر ووزارة الدفاع الروسية. ففي شهر فبراير/شباط الماضي، اتهم يغفيني بريغوجين هيئة الأركان العامة في بلاده بـ"الخيانة"، حسب ما نقلته "فرانس برس". ذلك برفضها على حدّ قوله، تسليم المعدات والأسلحة التي تحتاج إليها عناصره المنتشرة في الخطوط الأمامية لجبهة القتال في شرق أوكرانيا.

وقال بريغوجين، في تسجيل صوتي نشره مكتبه الإعلامي على تلغرام: "رئيس الأركان ووزير الدفاع يصدران الأوامر العشوائية ويطلبان، ليس فقط عدم تسليم الذخيرة لمجموعة فاغنر، ولكن أيضاً عدم مساعدتها في مجال النقل الجوي". مضيفاً أن "هناك مواجهة مباشرة هي محاولة لتدمير فاغنر. وترقى إلى خيانة للوطن، في حين تقاتل فاغنر من أجل باخموت وتتكبد خسائر بشرية بالمئات كل يوم".

ونشر المكتب الإعلامي لبريغوجين صورة تظهر ما زعم أنهم عشرات من جنود فاغنر الذين لقوا حتفهم بسبب "شح الذخيرة". وأتبع رئيس فاغنر بالقول: "على من يقع اللوم على حقيقة أنهم ماتوا؟ يقع اللوم على أولئك الذين كان ينبغي أن يقرروا تزويدنا بالذخيرة الكافية. يجب أن يجري التوقيع النهائي إما من (رئيس الأركان العامة) فاليري جيراسيموف وإما شويغو. لا أحد منهما يريد اتخاذ قرار".

بينما كذّبت وزارة الدفاع الروسية هذه المزاعم، وأوردت في بيان لها، تفصيلاً لكميات الذخيرة التي قُدمت إلى ما سمته "أسراب المتطوعين الهجومية"، وهو الاسم الذي يطلقه الجيش الروسي على فاغنر.

وأوضحت وزارة الدفاع الروسية وقتها بأن "كل طلبات الذخيرة للوحدات الهجومية تلبّى في أسرع ووقت ممكن"، واعدة بإمدادات جديدة بدءاً من يوم السبت، كما شددت على أن المعلومات التي تشير إلى وجود نقص "خاطئة كلياً". وأشادت الوزارة بـ"شجاعة المتطوعين" الروس في القتال و"تفانيهم"، منددة "بمحاولات زرع الشقاق غير المجدية، والتي تخدم مصالح العدو".

طموح بريغوجين السياسي!

وفي تقرير سابق لها، ربطت وكالة الأنباء الفرنسية، خلاف بريغوجين ووزارة الدفاع، المستمر لأسابيع طويلة، بطموحه المتزايد في نفوذ أكبر داخل الكرملين. لافتة إلى أنه على الرغم من أن بريغوجين اكتسب قدراً من الأهمية لم يكتسبه أي لاعب غير رسمي روسي قبله، وخاصة في ما يتعلق بعمليات روسيا في الخارج، يبقى صعوده هشاً.

ونقلت الوكالة عن خبيرة المسائل الروسية في مجموعة كارنيغي الأمريكية للدراسات، تاتيانا ستانوفايا، قولها بأن بريغوجين "موضع إشادة وانتقاد في آن"، وروابطه الحقيقية بالرئيس فلاديمير بوتين تثير الكثير من الروايات والتكهنات. مضيفة أن كل انتصار يحققه "طباخ الكرملين" يعده بمستقبل لامع، لكن كل فشل ينذر بسقوط قريب، و"في الوقت الحاضر لا تبدو أيّ من الروايات حوله واقعية بالكامل".

وأوضح ماكسيم أودينيه، من معهد البحث الاستراتيجي في المدرسة العسكرية في باريس، أن بريغوجين "يسعى إلى خوض مجال النزعة القومية الشعبوية التي تشهد صراعات داخلية منذ وفاة فلاديمير جيرينوفسكي الزعيم التاريخي للحزب الديمقراطي الليبرالي (قومي متطرف) في نيسان/أبريل 2022". مشيراً إلى أن هذا التيار يعد "رهاناً واعداً للغاية" لقيادة مرحلة ما بعد بوتين.

بالمقابل، ربما هناك أطراف معارضة لطموح بريغوجين السياسي والعسكري داخل روسيا، وبالأخص في المؤسسة العسكرية، إذ يثير الدور الذي يلعبه كقائد لمجموعة مرتزقة جرى تجنيد العديد منهم من السجون. وهو ما يؤكده رئيس تحرير موقع "أوكرانيا بالعربي" محمد فرج الله، في حديثه لـTRT عربي، بالقول: "في أي دولة، مهما كان للعسكري احترامه، إذا أردت أن تهين عسكرياً فضع مرتزقاً يأمره".

وأضاف الصحفي الأوكراني: "اليوم فاغنر هي التي تأمر وزارة الدفاع الروسية، وهناك استياء كبير من أن الجيش الروسي أصبح يؤمر من فاغنر".

وبعد عام من الحرب، كشفت تقارير استخباراتية أمريكية سابقة، عن أن قوات "فاغنر" تكبدت خسائر بشرية كبيرة. ووفق منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، بلغ عدد قتلى المتعهد الأمني الروسي 9000 شخص، نصفهم قُتلوا خلال شهري فبراير/شباط، ويناير/كانون الثاني فقط، إضافة إلى 21 ألف جريح.

TRT عربي