قطع من البحرية التركية تعبر مضيق البسفور  (AA)
تابعنا

وبالتوازي مع هذا تعمل تركيا على مراكمة القوة في كل المجالات، بخاصة بعد أن أدركت أن الاعتماد على القوة الناعمة وحدها لا يكفي. ولعل من أبرز مجالات بناء القوة التي تعمل عليها تركيا هي القوة البحرية.

ودائماً ما يشار إلى نظرية الجيوستراتيجي ألفريد ماهان: "الدولة صاحبة القوة البحرية الأعظم سيكون لها التأثير الأكبر في جميع أنحاء العالم" عند استحضار القوة البحرية، وعلى الرغم من وجود فوارق في عالم اليوم فقد انعكس مفهوم ماهان على الفكر الاستراتيجي للقوى البحرية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها.

وللبحرية التركية جذور تاريخية انطلاقاً من هذا الإدراك منذ عهد الدولة العثمانية مع بدء بناء أول ترسانة بحرية في عام 1327، وصولا إلى إنشاء وزارة للبحرية في عام 1867، إذ حاولت الدولة العثمانية بناء أسطول قوي يشمل سفناً حربية وحتى غواصات (غواصة السلطان عبد الحميد صنعت في بارو في إنجلترا عام 1886 وكانت أول غواصة تطلق طوربيداً تحت الماء عالمياً).

ومع الجمهورية التركية الجديدة انضمت البحرية إلى رئاسة الأركان، ولكن الاهتمام الأكبر انصبّ على حماية مضائق البوسفور والدردنيل، ومع انضمام تركيا إلى الناتو في 1952 انضمت الوحدات البحرية إلى تشكيلات الحلف. وبدأت من حينها تركيا في التحول إلى قوة بحرية لا يستهان بها.

ولكن منذ 10 سنوات وضمن استراتيجية واسعة لتطوير القوة الشاملة بدا أن تركيا تعمل بشكل مكثف في المجال البحري. ولعله ليس من الغريب عند دخول أحد منشورات موقع القوات البحرية التركية الذي يتحدث عن الاستراتيجية البحرية، أن نواجه شعاراً مثل: "ليكون الوطن البري آمناً لا بد أن نكون أقوياء في البحر، ولنكون أصحاب كلمة في العالم لا بد أن نوجد في كل البحار". وأيضاً ما قاله وزير الدفاع خلوصي أكار في حفل إنزال سفينة (TCG Kınalıada) المصنّعة محلياً في سبتمبر/أيلول 2019: "التاريخ يُظهر لنا أن الدولة الممتلكة للقوة البحرية دائماً مصيرها السمو. والدولة التي لا تمتلك القوة البحرية يصيبها الضعف. ومن وجهة النظر هذه، كنا بحاجة إلى هذه القوة في الأمس ونحتاج إليها اليوم، وسنحتاج إليها في الغد".

وقد بدا العمل ملحوظاً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، إذ يشير الباحث التركي في مركز سيتا عبد الله أربوغا في حديثه مع TRT عربي أن جماعة غولن تغلغلت في القوات البحرية بشكل مكثف، وعوقت تنفيذ العديد من المشاريع الوطنية لبناء القوة البحرية التركية. مؤكداً أن كل المشاريع كانت تسعى للاستقرار في المنطقة ولم تكن ذات أهداف إمبريالية".

"مافي وطن" والاستراتيجية البحرية

تحيط بتركيا 3 بحار هي المتوسط والأسود وبحر إيجه وتعتبر تركيا أن 462 كيلومتراً مربعاً من المياه التي تحيط بتركيا هي مياه تركية وتسمّيها الوطن الأزرق أو "مافي وطن" بالتركية وهي ما ظهر الجزء المتعلق منها بالبحر المتوسط في الخرائط التي نشرت بعد توقيع الاتفاق الأخير المتعلق بترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، الذي يأتي في إطار تحديد مناطق السيادة. وتعتقد تركيا أن فرض سيادتها وحماية هذه المياه أمر مهم جداً. ولذلك شهدنا زيادة في الوجود البحري لتركيا في هذه المناطق بالذات.

واستعرضت تركيا قوتها البحرية في هذه المياه عندما نشرت في مناورات (مافي وطن 2019) أكثر من 100 سفينة عسكرية بحرية في فبراير/شباط 2019، وكانت أكبر مناورة بحرية في تاريخ تركيا قبل أن تبدأ مناورات "ذئب البحر" في مايو/أيار 2019، التي شاركت فيها أكثر من 131 سفينة بحرية و57 طائرة حربية و33 مروحية في البحار الثلاثة. وهدفت إلى إظهار قدرة القوات البحرية على المحافظة على السيادة والاستقلال والحقوق والمصالح البحرية. ويرى الخبير التركي في الشأن الأوروبي محمد حاجي بويرازفي في حديثه مع TRT عربي أن تركيا فرضت نوعاً من الردع فيما يتعلق بالقوة البحرية، وقد منعت بعضاً من السفن الأوروبية من التنقيب في سواحل قبرص.

التصنيع العسكري البحري

وانسجاماً مع الإدراك الواقعي للقوة كثفت تركيا العمل في التصنيع العسكري من خلال 700 مشروع جارٍ، وكرافعة للاقتصاد في الوقت نفسه، ومن ضمنها المجال البحري إذ تم العمل على تحديث الأسطول البحري التركي وتزويده ضمن برنامج "ميلغم" بفرقاطات وطرادات وطوربيدات.

وحسب ما نُشر من معلومات فقد كان في الخدمة حتى 2013 حوالي 112 سفينة عسكرية، لتُقدِّم الصناعات الدفاعية التركية بعدها إمكانات كبيرة للقوات البحرية ومن المقرر حتى 2023 أن تدخل معدات بحرية ضخمة مثل سفينة "تي جي أناضولو" وهي حاملة طائرات وأكبر سفينة حربية مصنعة محلياً.

وستدخل 24 سفينة جديدة بما فيها 4 فرقاطات حتى 2023 مع خطة طموحة لترقية السفن الحالية والغواصات وأنظمة الملاحة والأسلحة. كما شُغلت سفن التنقيب التركية المصنعة محلياً "خير الدين بربروس" و"فاتح"، ما ساهم في تقليل الاعتماد على تكنولوجيا الخارج في مجال التنقيب البحري.

هذا فضلاً عن الأسلحة البحرية مثل الألغام المتنقلة التي تعمل تركيا على تطويرها من خلال مؤسسات تابعة للدولة وشركات من القطاع الخاص. وأصبحت تركيا من بين 10 دول في العالم وربما هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تقوم بصناعة سفنها بإمكاناتها الوطنية.

وتجاوزت تركيا العمل على الاكتفاء الذاتي إلى التصدير. ففي عام 2016 سلمت تركيا لباكستان سفينة إمدادات عسكرية بعد أن كانت هذه السفن تُستورد من ألمانيا. كما أتمت تركيا في 2017 صنع 9 سفن للاستخدام المدني للنرويج.

القواعد العسكرية في البلدان البحرية

ويمكننا أن نلاحظ أن أغلب البلدان التي توجد تركيا عسكرياً فيها هي بلدان بحرية. فمثلاً يجعل الوجود في الصومال تركيا على مقربة من المحيط الهندي وخليج عدن، وفي قطر تتجاور تركيا مع الخليج العربي، وفي جزيرة سواكن يكون لتركيا حضور في البحر الأحمر فضلاً عن الوجود في قبرص والبحر المتوسط.

ويرى الدكتور محي الدين أتامان الأكاديمي في جامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية أن القوة البحرية تؤمّن لتركيا مصدر قوة في المياه وفي المفاوضات، ما يمنع كل محاولات عزلها في شرق المتوسط ويزيد من رصيد قوتها عموماً في ظل المنافسة. كما يمكّن لتركيا أن تلعب مستقبلاً دوراً أكبر في استقرار مناطق العبور البحري للتجارة والطاقة في الخليج مثلاً، وغيره من الممرات البحرية. كما أن قوة تركيا البحرية تعد عامل أمان للمنطقة من خطط الدول الإمبريالية التي لا تزال تمثل القوة البحرية عالمياً.

TRT عربي