جيروم رودريغيز متظاهر من السترات الصفراء فقد عينه برصاص الشرطة الفرنسية (Philippe Wojazer/Reuters)
تابعنا

سترات صفراء، إضرابات نقابية، تظاهرات ضد قانون الأمن العام، احتجاجات ضد الإسلاموفوبيا والعنصرية، وصولاً إلى الرفض الواسع لإجراء "الجواز الصحي" والذي فجّر مسيرات عارمة تجوب كل سبت التراب الفرنسي. كلُّها حركات احتجاجيَّة خلقت الحدث طوال ولاية رئاسية ماكرونية شارفت على نهايتها، تستحق (أي الولاية) وصف "المواجهة الدائمة مع غضب الشارع".

وعلى طول هذه الولاية كان الجواب الدائم لماكرون، وعبر وزراء داخليته، المقاربة الأمنية وقمع المحتجّين. ما خلَّف حصلية ثقيلة من القتلى والمصابين "وكأنّ البلاد مرّت بفترة حرب" يرى مراقبون. بالمقابل ما فتئ الرئيس إيمانويل ماكرون يجدد محاباته للأمنيين، هذا ما عمد إليه مع اختتام "حوار بوفو حول الأمن"، في وقت تكشف تقارير مدى استهتار آلته القمعية بالقوانين التي تأطّر تحركات رجال الشرطة في مواجهة الشارع.

ماكرون يحابي الأمنيين!

بعد 6 أشهر من انطلاق "حوار بوفو حول الأمن"، اختتم الرئيس ماكرون فعالياته أمس الثلاثاء، بخطاب ألقاه من مدرسة الشرطة بمدينة روبيه (غرب البلاد)، أكد خلاله عزمه على تعزيز الترسانة الأمنية لبلاده، وزيادة عدد المجندين في كافة قطاعات الشرطة، وتطوير تسليحهم، كما الرفع من ميزانية القطاع.

وأعلن ماكرون بأنه سيضاعف عدد رجال الأمن بالميدان في "غضون عشر سنوات"، إضافة إلى فتح مركز تدريب لحفظ الأمن لفائدة الشرطة، وتزويدها بمعدات حديثة ومتطورة خلال الثلث الأول من عام 2022. كما أكد أنه سيرفع ميزانية وزارة الداخلية بـ1.5 مليار يورو في حلول 2022 مع تخصيص 500 مليون يورو كاملة لتمويل التدابير الأولية التي ستُقرّ في إطار "حوار بوفو حول الأمن".

حصيلة دموية لمقاربة ماكرون

خاطب ماكرون رجال الشرطة الحاضرة قائلاً: "لا تصغوا إلى صرخات الكراهية، إنها فاقدة للشرف، والفرنسيون يحبونكم".

بالمقابل كشف موقع ميديابارت الفرنسي في تحقيق أخير له بأنه في "خمس سنوات من الاحتجاجات في فرنسا، 51% من الرشقات بالقنابل و18% من طلقات الرصاص المطاطي التي قامت بها الشرطة الفرنسية خلال تعاملها مع المظاهرات لم تكن قانونيّة".

إحدى تلك القنابل هي "GLI-F4" المحرَّمة دولياً، والتي ينصّ القانون الفرنسي على أن اللجوء إليها لا يتم إلا في حالة محاصرة جماعة تكون مسلّحة لرجال الشرطة، وأنها أقصى الإجراءات التي يتم القيام بها قبل اللجوء إلى استعمال السلاح الوظيفي، وأن رميها يكون بالدحرجة على الأرض وأن لا يتعدى ارتفاع القذفة 50 سنتم.

بالمقابل، وعن طريق تحليل لأزيد من 145 ساعة من المقاطع المصورة لتدخل الشرطة الفرنسية في فض الاحتجاجات ما بين 2016 و2020، خلص الموقع الفرنسي إلى أن 51% من حالات استعمال القنبلة المذكورة لم تستدعه الضرورة المحددة بالقانون ولم يحترم شروط الاستعمال التي يلزمه بها.

نتيجة ذلك، بلغت حصيلة جرحى احتجاجات السترات الصفراء لوحدها 11 قتيلاً و4400 جريح كثير منهم يعانون عاهات دائمة. أحدهم هو أنطونيو باربيطا الذي حكى شهادته لـTRT عربي قائلًا: "خلال إحدى تظاهرات السترات الصفراء بداية 2019، وبينما كنا نركض في الاتجاه المعاكس فراراً من هجمة بوليسية، نبهني بعض المتظاهرين إلى أنني أنزف بغزارة من قدمي. لحظتها اكتشفتُ أنني أصبت".

إصابة باربيطا كانت بشظيَّة قنبلة "GLI-F4"، "نفسها القنبلة التي قتلت سنة 2011 متظاهراً يدعى ريمي فريس" يقول المتحدث. ويسترسل في شرح معاناته التي مع أنها تعود لأزيد من ثلاث سنوات، إلا أن الآلام ما زلت تراوده مع صعوبة كبيرة في المشي وعرج دائم سيرافقه طول حياته.

وغير باربيطا الكثيرون مما ما زالت آثار القمع البوليسي ترافقهم، أحدهم وهو كهل خمسيني حرمته رصاصة مطاطية من بندقية شرطي عينه وقدرته على توفير قوت يومه كسائق شاحنة. يقول في شهادة لموقع RTL: "فقدان عين يزيد الحياة تعقيداً، حيث يجتاحك شعورٌ بالضياع وفقدان الهوية، لا تستطيع حتى أن تطالع وجهك في المرآة ومقابلة ذلك الوجه الذي لم تعد تعرفه، تلك الأزمات النفسية التي تخلفها الإصابة لا تضر بالجريح وحسب، بل تصيب محيطه ككل بالإحباط والحسرة".

فيما لم تُنصف الدولة الفرنسية هؤلاء ولا من فقدوا حياتهم بأسلحة رجال الشرطة خلال التظاهرات. منهم السيدة الجزائرية زينب رضوان التي كانت تهمّ بإغلاق نافذة شقتها أثناء عبور مسيرة للسترات الصفراء بأحد شوارع مارسيليا، حتى تلقّت طلقة من مدفع لرشق القنابل المسيلة للدموع، أردتها قتيلة في الحال، كان قرار المحكمة الفرنسية أنّ السيدة ماتت جراء أزمة قلبية مع أن التشريح الجزائري أكد أن سبب وفاتها كان طلقة القنبلة.

بالمقابل، يستمرّ ماكرون في حشد آلة القمع، بل ومنع الصحفيين من توثيق وحشية تدخلات الشرطة أثناء المظاهرات، حسب مشروع قانون "الأمن العام" الذي سعى إلى تمريره من البرلمان.

TRT عربي