أمين الراضي، كوميدي مغربي قال إنه تعرض للعنف من طرف رجل أمن  بالمغرب. (TRT Arabi)
تابعنا

الرباط ـــ أثار مقطع فيديو بثه كوميدي مغربي يُدعى أمين الرّاضي، وهو "يُعنَّف" من طرف شرطي، جدلاً واسعا بالمغرب، إذ ذهبت أغلب التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى استنكار الحادث والتضامن مع الفنان، معبرةً عن رفضها للعنف أيا كانت أسبابه، فيما رفضت أخرى التعبير عن أي موقف في انتظار نتائج التحقيق الذي سارعت إلى فتحته مديرية الأمن الوطني.

ويعيد الشريط المنتشر، حسب متابعين، عدداً من الوقائع والأحداث المشابهة التي تم خلالها تسجيل تجاوزات في السلوك الأمني؛ ما يطرح أسئلة عن حدود ممارسة مهنة رجل الأمن بالمغرب، وحول ما إن كانت التجاوزات المسجلة، سلوكات فردية معزولة أم جزءاً من المنظومة ككل.

"الشطط جرم قانوني"

مبدئيا يكلف رجل الأمن بإنفاذ القانون، ما يستدعي استخدام أدوات ضبطية يفترض، خلال ممارستها، احترام الكرامة الإنسانية التي تعبر عنها المساطر القانونية.

وفي المغرب، يعتبر الشرطي موظفا عموميا، يسري عليه الظهير المنظم للأمن الوطني وظهير الوظيفة العمومية، ويخضع في ممارسته للدوريات والتعليمات التي تصدرها مديرية الأمن الوطني. هذه التعليمات تخضع لمعايير تتضمّن احترام حقوق المواطنين.

لا مجال في المنظومة الأمنية لسلطات بدون قيود فرجل الأمن يخضع للمقتضيات الزجرية في حال الشطط في ممارسة السلطة أو استعمال العنف.

عبد الكبير الصوصي العلوي، أستاذ القانون الجنائي

"لا مجال في المنظومة الأمنية لسلطات بدون قيود. فرجل الأمن يخضع للمقتضيات الزجرية في حال الشطط في ممارسة السلطة أو استعمال العنف"، يقول عبد الكبير الصوصي العلوي، أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بمدينة مكناس (وسط المغرب).

وفي حديثه لـTRT عربي، أورد الأستاذ الجامعي تعليقاً على حادث الفيديو، أن ملابسات القضية "تبقى غير واضحة"، مسجّلاً ملاحظتين؛ الأولى أنّ "الشطط في استعمال الموظف العمومي للسلطة في عمله، مجرّم قانونيا، ولا يمكن تبرير العنف، إذا تم إثباته"، مؤكدا أن"الفيديو ليس كافيا لوحده لإثبات الصّورة الكاملة".

الملاحظة الثانية، بعيدا عن تعنيف الشرطي للكوميدي من عدمه، يزيد المتحدث أنّ "بث الأخير للفيديو على فيسبوك، يطرح إشكالاً حول ما إن كان هذا الفعل تشهيرا في حق الشرطي، بالعودة إلى مقتضيات قانون حماية المعطيات الشخصية، والقانون 13.103"، مسجّلاً أن الصحيح أن يشتكي المتضرر للنيابة العامة لا أن يعمد لخرق القانون بدوره باللجوء لنشر الفيديو.

"سيرورة عنف معممة"

بالنظر لغياب إحصائيات مضبوطة حول طبيعة السلوك الأمني، يمكن قراءة الحادث، ضمن رؤية سوسيو - ثقافية أشمل، عن طريق تحليل العنف في المجتمع المغربي وفي المؤسسة الأمنية بشكل خاص.

في هذا الإطار، يرى محمد لمراني، باحث في علم الاجتماع، أنّ "سلوك الشرطي هو تحصيل سيرورة سلطوية معممة في الثقافة المغربية، تتجلى في دواليب المؤسسة الأمنية بشكلٍ أكثر وضوحا".

سلوك الشرطي هو تحصيل سيرورة سلطوية معممة في الثقافة المغربية تتجلى في دواليب المؤسسة الأمنية بشكلٍ أكثر وضوحا.

محمد لمراني، باحث في علم الاجتماع

وأورد الباحث أنّ "كلّ فرد يمارس العنف، أكان ماديا أو رمزيا، على الحلقة الأضعف في محيطه الاجتماعي، وتبدأ تمظهرات هذه السيرورة، في شكلها الأمني، انطلاقا من طبيعة التكوين الذي يتلقاه رجل الأمن بمراكز التدريب.

عن كون السّلوك فردياً أم أنه يطبع المنظومة، يضيف لمراني في حديثه لـTRT عربي، أنّ هذه الأخيرة "تعجز عن خلق استعدادات مدنية لدى الخريجين، تنتصر للمقاربة القانونية والمؤسّساتية، بديلاً عن المقاربة الأمنية العنيفة".

تغيب لدى أغلب المغاربة، ثقافة متابعة رجال الأمن عند تسجيلهم لتجاوز. هذا المعطى، يشير الباحث في علم الاجتماع، تنبثق عنه استعدادات، لممارسة العنف، والتمادي فيه، كلما سنحت له الظروف بذلك.

وبذلت المؤسسة الأمنية خلال السنوات الأخيرة، جهودا كبيرة لتجويد تكوينها وتحديث ميكانيزمات عملها، بعد أن رفع المغرب خلال "العهد الجديد"، شعار القطع مع تجاوزات الماضي الدموي، خصوصا خلال "سنوات الرصاص" التي سجلت اختطافاتٍ واعتقالات تعسّفية.

لمراني ثمّن حديث الأجهزة الأمنية على تحديث هياكلها، عبر تخليق وتحديث المؤسسة، غير أنه اعتبرها "تبقى محدودة، من حيث النتائج العملية، ما دامت لم تغير الثقافة التي تؤطر ذهنية رجل الأمن".

إكراهات العمل اليومي

وفي مقابل الانتقادات الموجّهة لسلوك الشرطة، دافع محمد أكضيض، الإطار الأمني السابق والخبير في القضايا الأمنية، على المؤسسة الأمنية، مشيرا إلى أنّ "صدور العنف مسألة فردية، لا يمكن إسقاطها على المنظومة كاملة".

تغيب في النصوص القانونية حالات اللجوء إلى العنف، إلا في حالات خاصة كالدفاع الشرعي. وأكد المتحدث نفسه أن "هناك صرامةً في التعامل مع هذه القضايا إذا ثبت العنف، وتم تقديم عدد من رجال الأمن أمام المحاكم".

وأضاف الأمني السابق: "لا أعرف حيثيات واقعة الفيديو، لكن الشرطي يخضع لاكراهات العمل اليومي، إذ أنّ البعض أصبح لا يقبل تطبيق القانون عند تسجيل المخالفات "، مسجّلا أن "التدخلات مشروعة ولديها سند قانوني لأن المهمة الأساسية لرجل الأمن هي حفظ الأمن وحماية المواطنين وممتلكاتهم في إطار ما يخوله القانون".

ويشير المتحدث إلى أنّ عناصر الشرطة يحظون بمراقبة صارمة من أجل احترام الضوابط والتعليمات والتوجيهات اللازمة للتصرف في الشارع العام، لخدمة المواطن وخدمة حقوق الإنسان.

TRT عربي