تابعنا
ليس بالأمر السهل هو تفسير المجريات وتفكيك المتغيرات السياسية والاجتماعية في ظلّ كثرة الفواعل المتعددة ذات التأثير المباشر أو شبه المباشر في مناطق عفرين وباقي المناطق الجغرافية السورية بشكلٍ عام!

المتغير الثابت بدقة هو أن التفجير الإرهابي في عفرين لم يستهدف بالدرجة الأولى الكرد البسطاء فقط، بل كان الهدف الموازي الأكثر تأثراً بالإرهاب هو المهجّرون البسطاء من الغوطة ودمشق وحلب والعديد من المدن السورية الأخرى، الذين كانوا -حسب شهود عيان- يصطادون أطعمتهم من بسطات أحد أفقر الأسواق الشعبية في عفرين قبل أن يختطفهم الإرهاب بدقائق!

في السياق أكد شهود عيان لـTRT عربي، أنّ التفجير الذي راح ضحيته 105 مواطنين من سكان المنطقة كان منهم 13 كردياً فقط من الأهالي والباقي من المهجّرين والنازحين! ما يعني أنّ التفجير غالباً هو ردة فعل ساسية على إحداث تغيير سياسي قسري بالتوازي مع استجلاب أهالي جدد إلى عفرين على إثر تهجيرهم من مدنهم الأصلية، حسب مراقبين.

ما يدل على أن الجريمة الإرهابية المنظمة التي شهدتها عفرين ليست نتاج فاعلٍ اجتماعي بل فاعل سياسي لا يفرّق بين كردي وعربي، ويسعى لاستنبات الكراهية الاجتماعية بين الشرائح والسكان والنازحين، بهدف إفشال المساعي الهادفة إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي في تلك المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام السوري وتنظيم قسد الإرهابي.

موسكو تسعى لتقييد الدور الإيراني وتحديد ملامحه بخاصة في الجنوب السوري المحاذي للجولان المحتل.

تقرير روسي نشرته صحيفة الشرق الأوسط

التفجير داخل السياق..

إنّ التفجير الإرهابي في عفرين -حسب مراقبين- لا يخرج عن سياق الحوادث السياسية والعسكرية المفتعلة في الشمال السوري بالآونة الأخيرة، وكذلك إصرار النظام على القصف وإطلاق النار وعدم التزام الاتفاق الروسي-التركي الذي تجاهل رغبة إيران والنظام السوري وتنظيم قسد.

لذا لا يُستبعد سياسياً -حسب محللين- أن يكون تفجير عفرين محاولة لإدارة الرأي العام السوري والدولي بواسطة الإرهاب الممنهج والمنظّم، وأن يكون التفجير نتاج اتفاق وتنسيق وتقاطع مصالح ما بين ثالوث تنظيم قسد والنظام والمجموعات الموالية لإيران، لعرقلة المساعي التركية لتأمين مناطق الشمال السوري في إطار الاتفاق السياسي مع روسيا.

لا سيما وقد كشف الروس -حسب تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط منذ أيام- أنّ" على الأسد تنفيذ الأوامر ولا معركة مع الأتراك وعليه التزام الاتفاقات العسكرية الموقّعة مع تركيا، لأنّ موسكو ترى علاقتها استراتيجياً مع تركيا أكبر وأهم بكثير من إدلب السورية".

ويضيف التقرير أنّ" موسكو تسعى لتقييد الدور الإيراني وتحديد ملامحه بخاصة في الجنوب السوري المحاذي للجولان المحتل"، وهذا التقييد لا شك يلتقي فيه الروس مع المصلحة الأمريكية والإسرائيلية التي ترفض الدور الإيراني المطلق في سوريا ما بعد الحل السياسي، حسب التقرير.

المهمّة الأصعب هي معرفة الأفراد المرتهنين والمتعاونين مع تنظيم قسد الإرهابي وأزلام النظام السوري.

عبد العزيز تمّو، رئيس رابطة الكرد السوريين المستقلّين

وعليه، من الواضح أن كل التنظيمات الإرهابية بدأت تتلمّس رأسها بحذر وتبحث عن شراكات وتقاطع مصالح بينها، بعد أن لاحت في الأفق معالم اتفاق بين الفواعل الأكثر تأثيراً في الشمال السوري، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي بشكل أو بآخر إلى الحد من الاضطراب السياسي والصراع العسكري الذي يقتات عليه دعاة عدم الاستقرار كأمثال النظام السوري وتنظيم داعش وقسد وهيئة تحرير الشام.

إدارة الإرهاب المنظّم..

في إفادته لـTRT عربي، اتهم عبد العزيز تمّو رئيس رابطة الكرد السوريين المستقلّين تنظيم قسد بالوقوف خلف التفجير الإرهابي "المروع" في عفرين، لأنّها" صاحبة المصلحة الأكبر في زعزعة الأمن الاجتماعي والسياسي في المنطقة الخاضعة لسيطرة تركيا والمعارضة السورية"، مستبعداً أن يكون التفجير" بتنفيذ أحد الفصائل السورية المعارضة والمسؤولة عن حفظ الأمن في عفرين".

ويضيف عبد العزيز تمّو في إفادته لـTRT عربي، أنّه" ليس من الصعوبة في مثل هذه التفجيرات الإرهابية تحديد المسؤول الدموي عنها بدقة بالغة"، لكنّه يشير إلى أنّ المهمّة الأصعب هي معرفة الأفراد المرتهنين والمتعاونين مع تنظيم قسد الإرهابي وأزلام النظام السوري، فقال: "الكل يعلم من هم الإرهابيون لكن السؤال من المسؤول عن تغلغل هؤلاء وتنفيذهم لخططهم داخل المجتمع السوري بكل سلاسة وأمن!".

ويضيف المتحدّث ذاته: "لا يمكن لتنظيم قسد الإرهابي القيام بهذه العملية من خلال قواته بشكل مباشر، وعليه لا شكّ أن أفراداً داخل الفصائل المسيطرة على عفرين جرى شراؤهم بثمنٍ بخس بغية تهريب المتفجرات وتنفيذ العمليات الإرهابية بطريقة آمنة!".

كلنا نتحمّل المسؤولية ولن نتهرّب من ذلك ولكن لا بدّ أن يدفعنا هذا التفجير المريع لنعيد الحسابات ونرتب الأوراق.

عبد الرحمن مصطفى، قيادي في المعارضة السورية

هوةٌ بين السياسي والمسلّح...

عبد الرحمن مصطفى قيادي في المعارضة السورية دعا خلال حديثه لـTRT عربي، إلى وجوب تمكين دور المعارضة السورية على كل الأصعدة، مشيراً إلى أنّ المعارضة السياسية السورية تأخذ كامل الاحتياطات المتاحة ولا تتهرب من المسؤوليات، موضحاً الأمر بقوله: "نحن كلنا نتحمّل المسؤولية ولن نتهرّب من ذلك، ولكن لا بدّ أن يدفعنا هذا التفجير المريع لنعيد الحسابات ونرتب الأوراق ونراجع الذات لنعطي ثقة أكبر بالدور المؤسساتي في الشمال السوري".

يستدرك المتحدّث نفسه: "إنّ تمكين الشق المسلح للمعارضة السورية على حساب الشق السياسي من دون أن يكون التنسيق بينهم هو ضابط الإيقاع بين الطرفين، يؤدي بالمؤسسات المعارضة إلى خلل في أداء المهام وتخبط في التنظيم وخسارة في الأرواح!، لذا لا بد من تفعيل التنسيق بين الشقين في المعارضة السورية ليكون الشق السياسي هو ضابط الإيقاع لكل هؤلاء".

في السياق ذاته أكد عبد العزيز تمّو لـTRT عربي، وجود هوّة كبيرة ما بين الشق السياسي والشق المسلح للمعارضة السورية في الشمال السوري، موضحاً: "لم يعد لدى الشق المسلّح أي مرجعية سياسية وتتصرف حسب مصالحها الضيقة والشخصية لأفرادها ومن دون الالتفات إلى مصالح الأهالي والمصلحة العامة للمناطق التي تحكمها!".

هذا الواقع بدوره يجعل مناطق الشمال السوري -إن لم يحدث العلاج الفوري واتخاذ الإجراءات المناسبة- قيد التسليم لأصحاب النفوذ أو لمن يدفع أكثر بطريقة غير مباشرة!، وهنا يكون الشق المسلح المعارض في الشمال السوري أمام خطورة احتمالية الارتهان للخارج والنظام السوري وإيران والتنظيمات الإرهابية المدعومة مالياً بقوة، ليصبح كل هؤلاء هم الغائب الحاضر في المناطق "المحررة"!

TRT عربي