لماذا يسعى قطاع واسع من الأمريكيين لتقسيم الولايات المتحدة؟ (Tyler Merbler, Flick)
تابعنا

أظهر استطلاع رأي أجراه مركز السياسة في جامعة فيرجينيا الأمريكية، خلال شهر سبتمبر/أيلول المنصرم، نتائج مفاجئة، إذ وافق نحو نصف ناخبي دونالد ترمب، و40% من ناخبي جو بايدن في الرئاسيّات الأمريكية لعام 2020، على الاقتراح القائل بأنّ الولايات المتحدة ينبغي لها أن تتفكّك.

وتباينت وجهات نظر النخبة والشارع الأمريكيين حول حتمية الانفصال من عدمها، كما اختلف الانفصاليون حول النموذج الأنسب للاتّباع حال الإقدام على تفكيك الولايات المتحدة الأمريكية.

"أسطورة الوحدة"

تصاعد الانقسام السياسي في الولايات المتحدة مع انتخاب رئيس البيت الأبيض السابق دونالد ترمب عام 2016، وبقي الخلاف محتدماً حتى بعد نهاية ولايته التي استمرّت 4 سنوات. غير أنّ الأصوات التي تشوبها نبرة انفصالية في البلاد لم تبدأ مع ولاية ترمب.

في هذا الصدد قال تود جيتلين، أستاذ علم الاجتماع بجامعة كولومبيا الأمريكية، إنّ "أمريكا كانت دائماً منقسمة"، مضيفاً: "أعتقد أنّ الدولة الموحَّدة هي مجرّد أسطورة، كانت المعتقدات الأمريكية محلّ نزاع منذ البداية (...)، أعطني لحظة في التاريخ الأمريكي لم نكُن فيها منقسمين بعمق".

وخلال تاريخها البالغ 245 عاماً، عانت الولايات المتحدة انقسامات عميقة بين أحزابها السياسية، وحول التصنيع، والحرب الأهلية، والهجرة في أواخر القرن التاسع عشر، وحق المرأة في التصويت، وما إذا كانت ستدخل الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحقوق المدنية، ومكافحة احتجاجات الحرب في الستينيات، وحقوق الإجهاض، وعديد من الملفات الأخرى.

وذهب جيتلين إلى أنّ أحد أهمّ أسباب هذا الانقسام يمكن التوصُّل إليه من خلال النظر في "أساس أمريكا"، وهو المبدأ القائل بأنّها "بوتقة ينصهر فيها أشخاص" لا يتشاركون العرق والأصل والتاريخ.

وأردف أستاذ علم الاجتماع بجامعة كولومبيا: "نحن لسنا مجرد أمة عادية تأسّست على توافق حول قصة وطنية أو إجماع وطني (...)، أمريكا موحّدة بواسطة عقيدة آيديولوجية، كإعلان عن الإيمان، لا بياناً للهوية".

الانفصال حلّاً

يتفق عديد المحلّلين المختصّين بالشأن الأمريكي على أنّ "أسطورة الوحدة" الأمريكية اهتزّت بشدّة خلال فترة حكم ترمب، وسط تفاقم الأزمات السياسية، والفشل في إدارة الأزمة الصحية والاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا، وصعود الشعبوية والخطاب المحرّض على العنف والكراهية المجتمعية.

لتلك الأسباب ازدادت وتيرة الحديث عن جدوى الانفصال التي قد تدفع، وفق مراقبين، البلاد الّتي دائماً ما تُصوَّر وحدتها حُلماً ونموذجاً ينبغي اقتفاؤه، نحو الهاوية.

وعبر العقود الماضية، حظيت فكرة "تفكيك أمريكا" بشعبية وتأييد في دوائر معيَّنة من اليمين السياسي، لكنها خلال الفترة الأخيرة اكتسبت بعض الجاذبية المتزايدة لدى أنصار كلا المعسكرين الجمهوري والديمقراطي.

وفي مقال له بعنوان "الانفصال القومي باهظ الثمن، لكنّه يستحق كل بنس"، حثّ المتخصّص في دراسات الأمن القومي، ديفيد ريبوي "أمريكا الحمراء (الجمهوريين) على التفكير في الاستقلال الاقتصادي والثقافي لنفسها، وما يتطلّبه الأمر للوصول إلى ذلك الهدف".

وحسب ريبوي، فإنّ "المراقبين الأكثر إدراكاً لأمريكا، يعرفون جيداً أنّ الانفصال كان دائماً موقفاً محفوفاً بالمخاطر لدولة دستورية ضخمة متعددة الأعراق، أو آيديولوجية، أو "افتراضية". لكن مع مرور الوقت تتغيّر بالضرورة الآيديولوجيا التي تقوم عليها شرعية الدولة أو تصبح مثيرة للجدل بين شرائح كبيرة من مواطنيها".

ويتساءل الباحث المتخصّص في دراسات الأمن القومي: "ما الذي تَبقّى ويمكن للغالبية العظمى من المواطنين الأمريكيين التجمّع حوله؟".

خلاف حول الصيغة الانفصالية

يختلف تصوّر الانفصاليين للصيغة والشكل الذي ينبغي أن تكون عليه الولايات المتحدة عند انفصالها، فثمَّ من يدعو إلى استقلال تامّ للولايات الحمراء (ذات الغالبية الجمهورية)، عن نظيرتها الزرقاء (ذات الغالبية الديمقراطية).

وكان النائب عن ولاية تكساس كايل بيدرمان، يحرّض على ما يُسمَّى "تيكسيت"، ساعياً لاستقلال ولايته على نحو كامل عن الحكومة المركزية، فيما تَطرَّق ألين ويست، الرئيس السابق للحزب الجمهوري في تكساس والمرشَّح الحالي لمنصب حاكم الولاية، في عديد المحافل عن الانفصال.

كما أنّ هناك من يقول إن إعطاء بعض الصلاحيات الإضافية لحاكمي الولايات في الإطار الفيدرالي القائم سيوفي بالغرض.

أصوات رافضة

يرفض كثير داخل النخبة السياسية وقادة الرأي في الولايات المتحدة قبول فكرة تفكُّك البلاد، ويحذّرون من سيناريوهات سوداوية حال وقوع ذلك.

وفي هذا الصدد يقول الكاتب الصحفي ريتش لووري في مقاله المنشور بصحيفة بوليتيكو الأمريكية: "ستكون الآثار الضارة الناتجة عن الانفصال هائلة؛ ستتحطّم بذلك قوة الولايات المتحدة على الفور".

ويشير لووري إلى أنّ القوى العالمية الكبرى مثل روسيا والصين سيكون من دواعي سرورها أن ترى أمريكا مفكَّكة، "إذ من المفترض أنهما تعتقدان أنّنا نستحقّ تجربة على غرار انهيار الاتحاد السوفييتي أو سلالة تشينغ (الصينية)"، على حد تعبيره.

واستعمل لووري مصطلح "البلقنة"، الذي يستخدمه الباحثون في العلاقات الدولية لوصف تفكّك اتحاد إقليمي قوي إلى دويلات متشرذمة، على غرار ما حدث مع دول البلقان التي كان أغلبها متحداً تحت راية الاتحاد اليوغسلافي سابقاً، مؤكداً أنّ مرور الولايات المتحدة بهذه العملية "قد تكون له عواقب وخيمة".

ويتخوّف لووري من أنّ عملية "البلقنة" ستضرب، محلياً وعالمياً، المبادئَ الأمريكية الاقتصادية والسياسية في مقتل، فبدءاً من سياسات التجارة الحرة والاقتصاد المفتوح، مروراً بالديمقراطية الليبرالية، ستتهاوى كل تلك المبادئ بمجرَّد تفكُّك الولايات المتحدة، وستتأثر بذلك دول العالم كافة، حسب الصحفي الأمريكي.

TRT عربي