تابعنا
بينما بلغ التصعيد بين الجزائر والمغرب ذروته خلال الفترة الأخيرة وسط مخاوف دولية من مزيد تطور للأزمة إلى مواجهة عسكرية بين البلدين، تغيب في المقابل ردود أفعال بعض الأطراف التي ستمتد تداعيات النزاع حتما إليها كبلدان الاتحاد الأوروبي.

منذ إعلان الجزائر خلال شهر أغسطس/آب الماضي قطع العلاقات الدبلوماسية مع جارتها الغربية المغرب، بدأ الخلاف بين البلدين ينحو منحى آخر وبدأ يشتد وتتصاعد وتيرته إلى أن انتهى بالقطيعة التامة.

ورغم أن مؤشرات النزاع بين البلدين ترجح لدى عدة أطراف احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية بينهما، وإن كانت لدى الكثيرين في الوقت ذاته مستبعدة وحظوظها ضئيلة، فإن غالبية الدول تقريباً التزمت الصمت حيال ذلك، وكان من بينها بلدان الاتحاد الأوروبي التي تربطها علاقات هامة على عدة مستويات مع بلدان شمال إفريقيا، واختارت التزام الحياد والصمت ووقفت موقف المتفرج.

خلاف حاد بين الجارتين

يعد الخلاف الشديد اليوم بين الجزائر والمغرب نتيجة عقود من الصراعات والتوترات بين البلدين امتدت جذورها التاريخية إلى تسعينيات القرن الماضي. إذ كانت تتهم المغرب الجزائر بدعم البوليساريو الذي يدعو لانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، ولطالما نفت الجزائر هذه الادعاءات مؤكدة أنها تؤدي مجرد دعم للصحراويين في تقرير مصيرهم. وتفاقم الخلاف الذي لا يزال محل تباحث ومداولة في الأمم المتحدة، بعد تفجيرات مراكش 1994 التي أدت إلى فرض تأشيرات دخول على الجزائريين إلى المغرب. وبينما استمر التوتر والجفاء الحدودي بين الجارتين منذ ذلك الحين، تتهم الجزائر المغرب اليوم بالوقوف وراء سياسات عدائية تجاهها. الأمر الذي نفته المغرب، ودعت جارتها على لسان العاهل المغربي محمد السادس لإعادة ترميم العلاقات وفتح الحدود بينهما.

لكن هذه الدعوة لم تجد أصداء لدى الجانب الجزائري الذي كان مُصراً على اتهام المغرب بالوقوف وراء دعم العصابات الإجرامية المتورطة في حرائق الغابات الجزائرية خلال الصيف الماضي، وبضلوع الاستخبارات المغربية في استخدام تقنية تجسس إسرائيلية "بيغاسوس" لاستهداف شخصيات جزائرية مهمة، وتتالت في ذات السياق الاتهامات التي واجهتها المغرب بالنفي وبعرض يد المساعدة أحياناً. ولم يزد إعلان المغرب تطبيع العلاقات مع إسرائيل الوضع إلا سوءاً مع جارتها.

ومجدداً وبدعوى ما وصفته الجزائر بـ"الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية"، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مروراً بالمغرب.

ولم تمضِ أيام على إعلان القرار الجديد حتى اهتزت الجزائر بتفجير شاحنات جزائرية قتل خلالها سائقوها الثلاثة، وذلك قرب موقع "بئر لحلو" الواقع في المنطقة العازلة الشرقية على الجدار الرملي القائم بالصحراء الغربية. واتهمت الجزائر المغرب بالوقوف وراء هذا الانفجار وتوعدتها بالرد في بيان عنيف قائلة: "اغتيالهم لن يمضي من دون عقاب".

ورغم أن المغرب لم يصدر أي موقف رسمي إزاء ذلك فإن بعض الوسائل الإعلامية المحلية أشارت من خلال تصريحات محللين وخبراء إلى عدم رغبة المغرب في الانزلاق إلى الحرب مع جارتها الجزائر.

وترجح بعض الأطراف إمكانية وقوع صدام عسكري بين البلدين مع غياب قنوات التواصل بينهما وعدم استعدادهما للحوار والتفاوض منذ سنوات. ومع ذلك تبقى مجرد احتمالات يستقرئها بعض المحللين بناء على تصاعد حدة التوتر.

الموقف الأوروبي.. صمت وحياد

بدأ يسترعي الخلاف الجزائري-المغربي انتباه المجتمع الدولي وبدأت تثار على إثره المخاوف من نزاع ساخن محتمل ووشيك بينهما. ولكن في خضم كل هذه التوترات التزم الاتحاد الأوروبي في المقابل الصمت والحياد ولم يتدخل بدور إيجابي في حل الأزمة على الرغم مما يربطه من علاقات استراتيجية مع بلدان شمال إفريقيا، وبخاصة كل من الجزائر والمغرب.

وفي حين أن خبراء ومحللين يرجحون أن السبب الحقيقي وراء هذا الصمت هو استبعاد الجانب الأوروبي لاندلاع حرب بين البلدين، فقد ذهب آخرون إلى الاعتقاد بأن ذلك يعود إلى التباين والاختلاف في الرؤى والتوجهات السياسية بين بلدان أوروبا فيما يتعلق ببلدان شمال إفريقيا.

وقد عكس ذلك مؤخراً فشل فرنسا التي تتقاسم الموقف إزاء إقليم الصحراء مع المملكة المغربية، في الوساطة في حل الخلاف بين المغرب وإسبانيا، على خلفية استضافة الأخيرة رئيس جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي بـ"هوية مزيفة" بدعوى تلقي العلاج من كورونا، ومعارضتها سيادة المغرب على الصحراء الغربية.

وفي وقت سابق وفي أعقاب اندلاع الحرب في ليبيا انقسمت أيضاً مواقف أوروبا من النزاع، وتحولت ليبيا إلى ساحة مواجهات وصراع بين إيطاليا وفرنسا، وصلت إلى حد العداء والخلاف الحاد الذي ساهم في مزيد تصدع للاتحاد الأوروبي حينها.

وعلى صعيد آخر فغالبية بلدان الاتحاد الأوروبي إضافة إلى بقية القوى الدولية والإقليمية، كانت قد لعبت مراراً دوراً في التحكم في العلاقات بين الجزائر والمغرب، ووظفت أحياناً قضية الصحراء لخدمة أجنداتها وغلبت في ذلك طرفاً على طرف، وفق ما تقتضيه المصلحة. حيث ترى هذه البلدان في الجزائر خزاناً نفطياً وفي المغرب موقعاً استراتيجياً.

لذلك يبدو موقف المتفرج الذي التزمته أوروبا مبدئياً غير مستغرب ومفسر.

تداعيات الصراع الجزائري-المغربي

لا ينفي صمت أوروبا وعدم إيجابيتها في الخلاف الجزائري المغربي حقيقة أن تداعيات الصراع ستلقي بظلالها حتماً على البلدان الأوروبية بمستويات متفاوتة. ولعل أكبر الهواجس التي تقف في مقدمة هذه التداعيات تدفق عدد كبير من المهاجرين إلى البلدان الأوروبية.

وفي هذا السياق أعلنت الحكومة الإسبانية مؤخراً وصول نحو 11200 مهاجر غير نظامي انطلاقاً من السواحل الجزائرية، منذ بداية العام الحالي 2021 وإلى حدود 30 سبتمبر/أيلول الماضي. فيما بلغ عدد المهاجرين القادمين من السواحل المغربية نحو 27 ألف مهاجر في الفترة ذاتها، وهي أرقام ضخمة مؤهلة للارتفاع في الفترة المقبلة، حسبما وضح خبراء ومحللون.

كما تمثل المنطقة المغاربية أيضاً منطقة حيوية للأمن الاستراتيجي لأوروبا ولحوض المتوسط، وبالتالي فإن اندلاع أي مواجهة في هذه المنطقة سيهدد حتماً أمن بلدان القارة الأوروبية بدرجة أولى.

أما على المستوى الاقتصادي والتجاري فقد برزت أول تداعيات الصراع بإعلان الجزائر مؤخراً وقف ضخ الغاز عبر خط الأنابيب الأورو-مغاربي الذي يعبر المغرب، الذي بات يشكل حالياً تهديداً حقيقياً لإسبانيا التي تستورد نصف طاقتها من الغاز من الجزائر، بخفض الإمدادات و ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي. كما تعتبر الجزائر ثاني أكبر ممون لأوروبا بالغاز، بقيمة 30% من حاجة الأوروبيين من الغاز.

وفي سياق متصل تشير تقارير رسمية إلى أن قيمة الصادرات الأوروبية إلى المغرب تقدر بنحو 17 مليار يورو في السنة، في حين تناهز قيمة 200 مليار دولار إلى الجزائر، وبالتالي فإن استقرار هذه البلدان سيعزز من فرص نمو أهم سوق استهلاكي للبلدان الأوروبية.

TRT عربي