تابعنا
لم تتمكن رؤوس السلطة في تونس من الوصول إلى اتفاق بينها يفضي إلى حلول عاجلة للخروج من الأزمة الخانقة التي تلقي بظلالها على البلاد، ولم تتمكن أيضاً من تذليل الصعوبات والدفع بالمسار نحو استكمال البناء السياسي، وعلى رأسه تكوين المحكمة الدستورية.

مع تواصل تأزم العلاقة بين مؤسسات الحكم في تونس، حاولت عدة أطراف سياسية ونقابية لعب دور الوساطة وإطلاق مبادرة للحوار يجمع بين السلطة التشريعية والتنفيذية، لإنقاذ التجربة الديمقراطية في تونس من الانهيار. ولكن، مع تعثر المبادرات، وتواصل الأزمة السياسية على حالها، وعدم التقدم في إنهاء ملفات أكيدة وعالقة، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية عبر نائب وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان مطالبة بالإسراع في تشكيل المحكمة الدستورية، وذلك عقب محادثة جمعت بينها وبين رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي.

وأثار البيان الصادر عن الحكومة التونسية بفحوى المحادثة، جدلاً واسعاً لدى الشارع التونسي والناشطين السياسيين بين من اعتبره تدخلاً أجنبياً في شؤون داخلية وبين من رأى فيه دعماً ومساندة للتجربة التونسية.

ضغوط أمريكية لتركيز المحكمة الدستورية

تأخر تأسيس المحكمة الدستورية في تونس طيلة سنوات، وذلك منذ المصادقة على دستور 2014، حيث لم يتمكن أعضاء البرلمان من الاتفاق على انتخاب أعضائها. وفتح غياب المحكمة الباب أمام عدة مشاكل سياسية ومآزق دستورية، من بينها التأويل غير المنضبط لفصول الدستور، وتأخر التعديل الحكومي، والتنازع بين مؤسسات الحكم على الصلاحيات..

وقد رفض الرئيس التونسي قيس سعيد، المصادقة على قانون المحكمة الدستورية، وذلك بعد أن أجرى البرلمان بعض التعديلات على القانون، فأدى ذلك إلى مزيد من تصاعد الأزمة بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان.

وبعد أن أخذ الخلاف أبعاداً كثيرة، وغابت بوادر الحلول الممكنة، أجرت ويندي شيرمان نائب وزير الخارجية الأمريكية محادثة مع رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي، عبرت فيه عن استعداد الولايات المتحدة تقديم الدعم والمساعدة للتجربة التونسية، وتعزيز علاقات التعاون في مختلف المجالات كحليف استراتيجي ومهم لتونس، ورغم إشادتها بالجهود المبذولة للحكومة التونسية، إلا أنها نوهت عن أهمية تركيز المحكمة الدستورية والعمل على ضمان الاستقرار السياسي وإنجاح المسار الديمقراطي.

ففيما كانت مسألة تركيز المحكمة الدستورية، مسألة يتنازع فيها الفرقاء السياسيون والمسؤولون في تونس، وصل صدى التجاذب حولها إلى دول أجنبية لتعبر عن رأيها ومراقبتها عن كثب لتطورات الملف.

تدخل أجنبي أم دعم للتجربة؟

أثار تصريح شيرمان الذي عبر عنه البيان الرسمي للحكومة التونسية، جدلاً واسعاً واعتبر تدخلاً أجنبياً سافراً في الشؤون الداخلية للبلاد. وفي هذا الإطار كتب سمير ديلو النائب عن حركة النهضة ووزير العدالة الانتقالية السابق على صفحته على فايسبوك "لا خير في مؤسّسات يتطلّب استكمالها تدخّلاً أجنبيّاً، مباشراً أو غير مباشر، وخاطئ من يبشّر بهذا التدخّل أو يرحّب به، حقيقيّاً كان أو وهميّاً". وشاركه في الموقف ذاته عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري، معتبراً أن التأخر في تركيز الهيئات الدستورية سيربك حتماً مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، إلا أن ذلك لا يبرر الإشادة بالتدخل الأمريكي في السياسة الداخلية التونسية، واتهم المهللين بالضغوطات الأمريكية الأخيرة، باستعدادهم باستباحة أوطانهم إذا ما تقاطعت أجنداتهم مع أجندات الأطراف الخارجية.

وفي الإطار ذاته، انتقد ناشطون وسياسيون ترحيب القيادي بحركة النهضة رضوان المصمودي بالتصريحات الأمريكية، إلا أن الأخير فند التهم الموجهة إليه وأكد أن ترحيبه بالدعم الأجنبي للتجربة التونسية، لا يعني قبوله بأي تدخل أجنبي في شؤون البلاد، مؤكداً أن إرساء المحكمة الدستورية مطلب شعبي واستحقاق وطني.

وفي سياق متصل أدان نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يوم السبت 26 يونيو/حزيران الحالي استمرار حالة الخلاف بين المؤسسات السيادية وقال في تصريح إعلامي ''في حال تواصل الفشل والاختلاف واحتد الصراع لا بد من إرجاع الأمانة لأصحابها وهو الشعب التونسي".

وإن كانت النخب السياسية اليوم تجمع على ضرورة استكمال الهيئات الدستورية لاستكمال البناء السياسي وإنقاذ التجربة التونسية، فإنها تعتبر الأزمة المستمرة فترة طويلة دون جل بين رؤساء الحكم عثرة كبيرة أمام هذه الاستحقاقات.

TRT عربي