ما الذي تخشاه بولندا وأوروبا من كالينينغراد؟ (Krystian Dobuszynski/Getty Images)
تابعنا

في حديث له لإذاعة "بولسكي راديو 1" المحلية، يوم الثلاثاء، قال الأمين العام لحزب القانون والعدالة البولندي الحاكم، كريشتوف سوبولفسكي، أن بلاده قد تضطر إلى بناء جدار على حدودها مع جيب كالينينغراد الروسي، حيث تشتبه وارسو في وجود خطط روسية لمساعدة مهاجرين أفارقة وآسيويين في العبور إلى بولندا في الأسبوع المقبل.

واتهم المسؤول في معرض كلامه روسيا بأنها تنهج نهج حليفتها بيلاروسيا ذاته، باستعمالها اللاجئين والمهاجرين للضغط على البلاد والحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، واصفاً ذاك بـ"الحرب الهجينة". هذا قبل أن يخلص إلى القول: "سيكون علينا تعزيز قواتنا في هذا الجزء من الحدود وسيكون علينا أيضاً التفكير في تشييد تحصينات حدودية مشابهة لتلك الموجودة الآن في قطاع الحدود بين بولندا وروسيا البيضاء".

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، شهر فبراير/شباط الماضي، أصبح الجيب الروسي في خاصرة الكتلة الأوروبية مصدر تخوف بالنسبة للدول المحاذية له: بولندا ودول البلطيق. كما يخلق إشكالات أمنية حقيقية بالنسبة لاستراتيجيات دفاع حلف الشمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، خصوصاً مع التصعيد الحاصل في الساحة الأوكرانية وتعزيز موسكو وجودها على أراضي بيلاروسيا.

خوف من تكرار سيناريو مينسك؟

في وقت سابق هذا الشهر، أفادت وسائل إعلام روسية أن كالينينغراد طبقت سياسة "الأجواء المفتوحة" أمام الرحلات القادمة من آسيا والشرق الأوسط، في محاولة لجذب المزيد من السياح وشركات الطيران.

وحسب مدير مطار خرابروفو في كالينينغراد ألكسندر كوريتني، فإن هذا الإجراء "يفتح لنا فرصاً جديدة لجذب شركات الطيران الأجنبية". مضيفاً بالقول: "باعتبار الموقع الجغرافي الفريد للمطار، بالإضافة إلى الخصومات المختلفة على خدماتنا، سنعمل بشكل أكثر نشاطاً وإصراراً على حل هذه المشكلة مع شركات الطيران، وسنكرس اهتمامنا لشركات الطيران التي تطير حالياً إلى روسيا ".

فيما مثَّلت هذه المستجدات بالنسبة لوارسو تذكيراً بما حصل قبل عام، في خريف 2021، حين سهلت السلطات في بيلاروسيا سفر عدد من طالبي اللجوء من بلدان الشرق الأوسط، لتدفع بهم نحو الحدود الأوروبية. وهي المخاوف التي كشف عنها مسؤولون بولنديون، عبر حديثهم عن رغبة بلادهم بتعزيز حدودها مع كالينينغراد بجدار أمني إلكتروني.

وصرحت وارسو بأن حرس حدودها حصل على تمويل لبناء "جدار إلكتروني" مزود بحساسات وكاميرات على حدود كالينينغراد. وقال المتحدث باسم حرس الحدود البولندي، يوم الثلاثاء، لوكالة الأنباء البولندية المملوكة للدولة، إنه سيختار شركة لبناء الجدار الإلكتروني بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، وإنه سيُبنَى على مدار الفصول الثلاثة الأولى من العام القادم بطول نحو 200 كيلومتر من الحدود.

بالمقابل ردت موسكو، على لسان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، بأنها لن تتدخل في أي قرار متعلق بالجدران، رغم أن "التاريخ أثبت غباء قرارات بناء الجدران في كل مرة، لأن الجدران تسقط مع مرور السنين أو العقود".

مصدر مخاوف لأوروبا

في شهر يونيو/حزيران الماضي، قررت السلطات الليتوانية حظر مرور السلع برّاً من روسيا نحو جيب كالينينغراد، معللة ذلك بكونها "طبقت العقوبات الأوروبية على روسيا، بعد التشاور مع المفوضية الأوروبية، وبموجب مبادئها التوجيهية". وهو ما أثار سخط موسكو، التي ردت برسالة احتجاج "شديدة اللهجة" سلمتها إلى السفير الأوروبي لديها.

ولمحت الخارجية الروسية إلى أنه من شأن هذه الإجراءات أن تحول الدول المحاذية لكالينينغراد إلى معادية، بل وهددت باللجوء إلى الحل العسكري. وهو ما عبرت عنه الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا بقولها: "يجب أن نفهم شيئاً مهماً: حينما تصف روسيا ممارسات طرفٍ آخر بأنها عداء صريح، لا يصبح في هذه الحال للمحادثات مجال، ولا للبحث عن صيغ من شأنها تنحية الوضع جانباً والتظاهر بعدم وجود مشكلة".

فيما يمثل هذا إشارة أخرى على حجم المخاوف التي تمثلها كالينينغراد بالنسبة للأوروبيين، من أن يكون ذلك الجيب شرارة اندلاع صدام مباشر بين روسيا والغرب. وهو ما زاد مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتحويل الروس نظرهم إلى الممر الفاصل بين بيلاروس وكالينينغراد. ويبرز هذا من تصريحات لأحد محللي القناة الحكومية الروسية الأولى على أن: "مسألة ممر سوالكي أصبحت أكثر إلحاحاً، هناك بولندا ولتوانيا اللتان تعاملان روسيا بعجرفة، ويمكننا إنهاء هذا الأمر أسرع من أوكرانيا".

من ناحية أخرى، تعزز روسيا وجودها العسكري في بيلاروس، وفق ما سبق وصرَّح به الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، سابقاً شهر سبتمبر/أيلول. واتهم لوكاشينكو وقتها كلاً من واشنطن وبروكسيل بـ"فتح جبهة ثانية للحرب في بيلاروسيا"، عبر التخطيط "لتعزيز دعمهما بشكل جدي للعناصر المخربة ولتفاقم الوضع على الحدود الغربية"، كما "تدريب مقاتلين في بولندا وليتوانيا وأوكرانيا، ضمنهم متطرفون من بيلاروسيا، على القيام بأعمال تخريبية وأعمال إرهابية وتمرد عسكري في البلاد".

ممر سوالكي.. شوكة في خصر دفاعات الناتو؟

قد يضع الوجود الروسي المكثف في بيلاروسيا ممر سوالكي الفاصل بينها وبين كلينينغراد، والواقع على الأراضي البولندية اللتوانية، بين فكي كماشة قوات موسكو وحليفتها. حيث تنشر روسيا، حسب الأرقام الغربية، في كالينينغراد نحو 200 ألف من قواتها وعدداً من بطاريات الدفاع الجوي S-400 وS-300، ومنظومة صواريخ "إسكندر-إم" الباليستية التي تشكّل عنصر الهجوم البري والبحري الروسي بعيد المدى، إضافة إلى قاعدة باتييسك البحرية حيث يتمركز أسطول البلطيق الروسي دائماً.

وبالتالي يمثل هذا الممر نقط ضعف في خاصرة دفاعات حلف الناتو، وهو ما تؤكده دراسة لمؤسسة "راند" للأبحاث الاستراتيجية، بقولها إن وضع روسيا يدها على ممر سوالكي سيقطع دول البلطيق وبولندا عن حلفائها، ويعزل المنطقة الشمالية للناتو ويشلّ الاتصالات ويعقّد المساعدات إليها، مما سيساهم في احتمالية سقوط عاصمتَي إستونيا ولاتفيا في غضون ستين ساعة. كما يمكن لأنظمة الدفاع الجوي الروسية المتقدمة أن تشلّ المجال الجوي في دول البلطيق وبولندا.

وفي سنة 2018 كان القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا بين هودجز نبَّه من أن "ممر سوالكي هو حيث تلتقي كل ثغرات الاستراتيجية الدفاعية لحلف الشمال الأطلسي"، مجادلاً بأن طلب بولندا إقامة قاعدة عسكرية دائمة للقوات الأمريكية على أراضيها قد "يقوّض تماسك الحلف"، لما يمثّله من تهديد بنشوب صدام مسلح مع روسيا، التي تمتلك أفضلية عسكرية هناك.

وتكمن الأفضلية العسكرية لروسيا في ممر سوالكي، حسب دراسة نشرتها صحيفة "الدراسة الدولية" المحكَّمة سنة 2019، في قدرتها على توفير القوة العسكرية الضرورية لأي عملية عسكرية في ممر سوالكي، والحفاظ على خطوط إمدادها سليمة، بل وتحريكها ونشرها بشكل أكثر سلاسة. وتخلص الدراسة إلى أنه "في حال التصعيد العسكري بالمنطقة قد تكون الأفضلية لروسيا، والعكس للناتو".

TRT عربي