بداية انتهاء حقبة الهيمنة الأمريكية والتأسيس لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب (Others)
تابعنا

بمبدأ "عدو عدوي صديقي" قررت مؤخراً، كل من بيكين وموسكو وطهران، التوحد ضمن معسكر واحد، تجمعهم في ذلك رغبة مشتركة في تحدي مبادئ النظام الدولي الذي يهيمن عليه الغرب، ومواجهة الأحادية الأمريكية بالأساس.

وأبرمت في هذا الإطار العديد من الاتفاقيات بين البلدان الثلاثة، في عدة مجالات. ليثير بذلك هذا التقارب انتباه الجميع، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت في مواجهة مع تحالف استراتيجي جديد، يهدف إلى مزاحمتها وتهديد وجودها في مناطق نفوذها الاستراتيجية، بعيداً في المرحلة الحالية عن الاصطدام العسكري.

ويرى في هذا السياق، خبراء ومحللون أن الصين، المكون الأهم للثالوث الجديد، من الواضح أنها اتجهت إلى صياغة التحالفات والاتفاقيات كالتحالف الأخير، لإدارة منافستها المشتدة مع الولايات المتحدة، دون أن تضطر إلى حتمية المواجهة المباشرة. وانتهزت في ذلك فرصة تأزم علاقات روسيا مع المعسكر الغربي، بخاصة بعد توترات أوكرانيا، إلى جانب تعثر المفاوضات النووية مع إيران وتسليط العقوبات الاقتصادية عليها.

تحالف ثلاثي أمني استراتيجي

يعد انضمام إيران إلى منظمة "شنغهاي" للتعاون، وهي منظمة معنية بالأمن في آسيا الوسطى تقودها الصين وروسيا، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، آخر إرهاصات التحالف الأمني والاستراتيجي بين البلدان الثلاث.

فبعد سنوات طويلة من محاولاتها ومفاوضاتها الحثيثة للالتحاق بالمنظمة، وذلك في إطار سعيها لكسر عزلتها الدولية، تمكنت طهران أخيراً من الانظمام إلى "شنغهاي"، التي لطالما وصفت بـ"التكتل المُعادي للغرب".

وأكد حينها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في تصريح إعلامي، بأن السياسة الخارجية لبلاده تقوم على "معارضة الأحادية"، معرباً عن أمله في أن تصبح المنظمة "قوة دافعة للتعددية العالمية".

وبالرغم من الانزعاج والانتقادات الأمريكية، لمنح إيران العضوية، إلا أن روسيا والصين، قطبي صنع القرار في المنظمة، قد تجاهلتا ذلك، ومضتا في تعزيز هذا التعاون الجديد والعمل على مزيد تمتينه.

وتعبيراً عن هذا التعاون، أجرت الدول الثلاث مناورات وتدريبات مشتركة، كان آخرها التدريبات البحرية المشتركة في شمال المحيط الهندي، صباح اليوم الجمعة 21 يناير/كانون الأول.

وأوضح عقب ذلك، الأميرال مصطفى تاج الدين، المتحدث باسم التدريبات بأن: "وحدات من القوات المسلحة الإيرانية والحرس الثوري تشارك في تدريب "حزام الأمن البحري 2022"

وأفاد بأن : "الدول الثلاث قد بدأت تدريبات بحرية مشتركة عام 2019 في المحيط الهندي ومنطقة خليج عُمان" ولفت إلى أن "الهدف من هذا التدريب هو تعزيز الأمن وقواعده في المنطقة وتوسيع التعاون المتعدد الجوانب بين البلدان الثلاثة، لتعمل معاً على دعم السلام العالمي والأمن البحري وتكوين مجتمع بحري ذي مستقبل مشترك".

وإلى جانب ذلك، فقد كانت موسكو من بين الداعمين لطهران حتى في ظل فرض العقوبات عليها، ودعمت في تلك الأثناء أنظمة الدفاع الصاروخي الإيرانية. فسلمتها عام 2016، صواريخ "إس أيه-20 سي" ، والتي وفرت لإيران "المرونة التي يتمتع بها صاروخ أرض-جو استراتيجي طويل المدى وعالي الحركة". حسب رأي مدير وكالة استخبارات الدفاع الأميركية السابق روبرت أشلي.

علاقات اقتصادية وتجارية متنامية

إضافة إلى التعاون الأمني والاستراتيجي، فتح الثالوث أيضاً قنوات جديدة للتعاون الاقتصادي، وصفه كثيرون بكونه العمود الفقري لهذا التحالف.

ففي ظل تراجع الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط الفترة الأخيرة، سعت بيكين إلى شن حرب باردة على واشنطن والنجاح في تحقيق هيمنة اقتصادية تمكنها من توسيع مناطق نفوذ مبادرة الحزام والطريق، التي كانت قد أعلنت عنها.

وفي هذا السياق، نفذت وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، خلال شهر مارس/آذار 2021، أيضاً جولة في الشرق الأوسط، انتهت حينها بتوقيع اتفاقية "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" مع إيران، وتنص على التعاون بين البلدين لمدة 25 عاما، في الأنشطة الاقتصادية، كالنفط والتعدين، إضافة إلى تعزيز النشاط الصناعي في إيران، والتعاون في مجال النقل والزراعة. فتحولت بذلك الصين إلى ضامن لأمن إيران وتنميتها، وشريان حياة اقتصادية في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

ورحبت آنذاك موسكو بالاتفاق الصيني-الإيراني باعتبار أن :" المبادرة الصينية للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط منسجمة مع المواقف الروسية" حسب ما جاء في الوسائل الإعلامية الروسية الرسمية.

ويعتقد خبراء ومحللون بأن الاتفاقية التي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، تعتبر إعلاناً رسمياً عن محور ثلاثي مناوئ للولايات المتحدة، وربما أوروبا، إذ يرون أن التحدي الأكبر الذي يواجه النظام الدولي في فترة ما بعد الحرب الباردة يتمثل في القوة المتنامية للدول الطموحة المعارضة للغرب.

وعلى الصعيد ذاته، عززت روسيا أيضاً من علاقاتها الاقتصادية مع إيران، إذ وقعت معها منذ عام 2001 اتفاقية تعاون لمدة 10 سنوات، مددت بعد ذلك إلى 20 عاماً متجاهلة العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة عليها، فبعد أن كانت تقوم أساساً بدعم إيران في تطوير البنية التحتية للموانئ والسكك الحديدية، أصبحت بعد ذلك المورد الوحيد للقطاع النووي الإيراني.

وتعليقاً على هذا التعاون وفي لهجة تحد للقوات الأمريكية، صرح علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، عام 2018 بأن "روسيا على استعداد لاستثمار 50 مليار دولار في قطاعي النفط والغاز في إيران".

وبالتالي، على ضوء هذا التحالف ثلاثي الأبعاد، الاقتصادي والاستراتيجي السياسي والعسكري، تتباين الآراء حول مدى قدرة هذا الثالوث على التغلب على النفوذ الأمريكي في المنطقة.

TRT عربي