امرأة تحمل نسخة من الدستور التونسي خلال مظاهرة في العاصمة تونس ضد قرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة ، في 13 فبراير 2022. (AFP)
تابعنا

لكن الفصل الأول من الدستور الذي ينص على أن "تونس دولة حرّة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها" غالباً ما كان محل نقاش وجدل ورغم ذلك لم يتغير منذ دستور 1959 لكن الإبقاء عليه حتى دستور 2014 الذي كتبه نواب المجلس التأسيسي بعد ثورة يناير 2011 لم يحسم الجدل القائم حوله إلى اليوم.

عاد النقاش حول هذا الفصل مجدداً بعد أن أثارته تصريحات رئيس "الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" بتونس الصادق بلعيد، رجح فيها الذهاب نحو إزالة نص "الإسلام دين الدولة" من الدستور القادم الذي أعدته هيئته بتكليف من الرئيس قيس سعيد الذي صرح أثناء تسليمه جوائز لحفظة القرآن "نحن نصوم ونصلي بأمر من الله وليس بناء على الفصل الأول من الدستور" وهو ما اعتبره معارضوه تلويحاً واضحاً لتغيير الفصل الأول.

جدل قديم جديد

نصّ الفصل الأوّل من "عهد الأمان" وهو وثيقة أساسية أعلنها محمد باي يوم 9 سبتمبر 1857 وأول نص يمنح السكان التونسيين حقوقهم الأساسية الذي تبعه أول دستور للبلاد سنة 1861 والذي حافظ على الفصل الأول من "عهد الأمان" الذي ينص على ”تأكيد الأمان لسائر رعيتنا وسكّان إيالتنا على اختلاف الأديان والألسنة والألوان في أبدانهم المكرمة وأموالهم المحرمة وأعراضهم المحترمة إلا بحق يوجبه نظر المجلس بالمشورة ويرفعه إلينا ولنا النظر في الإمضاء أو التخفيف ما أمكن أو الإذن بإعادة النظر". وبالتالي كفل هذا الدستور الحقوق الأساسية لسكان المملكة دون الرجوع إلى معتقداتهم الدينية ولم يذكر أية ديانة في فصوله.

وتتضمن أغلب فصول دستور 1861 عبارة "على اختلاف الأديان" حرصاً من الباي آنذاك على حرية المعتقد مثلما ورد في الفصلين الثاني والثالث من الباب الثاني عشر حيث ينص الثاني على: "جميع رعايانا على اختلاف الأديان لهم الحق في الوقوف على دوام إجراء قانون المملكة وسائر القوانين والأحكام الصادرة من الملك على مقتضى القوانين ولهم معرفتها بلا حجر ولا منع والشكاية للمجلس الأكبر من عدم إجرائها ولو في غير حق الشاكي." وينص الفصل الثالث على: "سائر أهل المملكة على اختلاف الأديان بين يدي الحكم سواء لا فضل لأحد على آخر بوجه من الوجوه. يجري حكم هذا القانون على أعلى الناس مع أدناهم من غير نظر".

لم تطرح المسألة الدينية في الدستور التونسي إلا خلال صياغة دستور 1959 حيث أحدثت صداماً داخل المجلس القومي التأسيسي في فترة الاستقلال بين شق "الزيتونيين" (الشيخ الشاذلي النيفر) الذي يرون ضرورة النص على دين الدولة ذات الأغلبية المسلمة وبين "الحداثيين" الذين يعتقدون أنه لا ضرورة لربط الدولة بالدين.

وحسب الباحث في الشأن السياسي سامي براهم في تصريح لموقع TRT عربي فإن الحسم حول الفصل الأول آنذاك كان بأمر من الرئيس بورقيبة الذي صاغه بنفسه، ولاحقاً اعتبر الحقوقيون في تونس أنه فصل وصفي ليس له أثر قانوني لذلك لم يجدوا حرجاً في الإبقاء عليه حتى بعد ثورة يناير2011 .

وأضاف براهم: "الجدل اليوم حول هذا الفصل يعيدنا إلى مربع الاستقطاب حول الإسلام واتخاذ قرار كهذا من قبل الصادق بلعيد الذي يمثل التيار الحداثي والعلماني يعبر عن قناعات رئيس الجمهورية ويبدو أن سعيد متجه نحو الموافقة عليه والقصد من ذلك إلغاء الفصل المتفق عليه من قبل جميع أطراف المجلس التأسيسي (معارضو الرئيس) وبهدف إقصاء "الإسلام السياسي" فهذا الفصل هو نقطة التقاء التيارين الحداثي والإسلامي".

قضية هوية

يرى المحلل السياسي والمختص في الأنثروبولوجيا الأمين البوعزيزي في تصريح لموقع TRT عربي أن "مسألة الهوية ليست صنيعاً تونسياً فأغلب الدول تدستر هذا الأمر في شكل وصفي وليس تشريعي مثلما دسترت مسألة الدين في الفصل الأول من دستور تونس منذ عهد الرئيس بورقيبة وبعده بن علي الذي فصل الدستور على قياسه، لكن رغم ذلك لم يلتفت إلى هذا الفصل وأساساً يجري التنصيص على أن هذه النقطة لا يمكن تنقيحها على اعتبارها تكرس بعض الثوابت كي تلتفت الشعوب إلى قضاياها.. فذلك الوصف هو نوع من حسم المسألة حتى لا نعود إليها".

وحسب البوعزيزي فإن ما فعله سعيد هو "إعادة فتح لملف خطير أغلق منذ زمن وهو عبث بالدستور بخاصة فصله الأول الذي لا يمكن تغييره باعتباره ذا صبغة وصفية وهذه الخطوة ليست من صالح الرئيس فأغلبية التونسيين سيرفضون الأمر لأنه مس بهويتهم في زمن تحكمه العولمة والتغييرات الأيديولوجية".

ويصف سامي بن نصر مختص في علم النفس الاجتماعي إلغاء الفصل الأول من دستور البلاد بالخطير ويقول لموقع TRT عربي: "إن عملية طرح مسألة الهوية يجعلها مسألة نقاش فيها الكثير من الخطأ. الشيء نفسه بالنسبة للدستور حيث يفترض أن يترجم ما هو موجود في البلاد. يعني المسائل ذات القاسم المشترك على غرار الهوية العربية الإسلامية بالنسبة للشعب التونسي". ويختم بن نصر حديثه بمقولة دوركايم أحد أبرز مؤسسي علم الاجتماع الحديث: "نحن لا نرفض فعلا لأنه جرمي وإنما هو جرمي لأننا نرفضه".

ما نلاحظه اليوم أن النصوص القانونية تعتمد على أحكام قانونية واضحة كما تعتمد أيضاً على العادات والتقاليد التي تدخل هي الأخرى في صلب القانون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويجب على المسؤولين البحث عما هو مشترك للبناء عليه وليس العكس، فالمجتمع السليم هو الذي يغلب الجانب المشترك على الجانب المختلف والدستور يجب أن يثمن ما يجمعنا.

رغم الجدل القائم مع كل تنقيح أو تغيير للدساتير حول الفصل الأول من الدستور الذي ينص على أن دين الدولة الإسلام إلا أن جميعها كرّست مبدأ الحرية الدينية والمعتقد كغيرها من الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور. وغلبت أحياناً الدين الإسلامي بما أنه دين الأغلبية المطلقة من الشعب التونسي على غرار ضرورة أن يكون المترشح للرئاسة تونسياً مسلماً. والإسلام هو شرط أساسي لقبول الترشح. يقول الفقيه بيار روندو: "إنّ الإقرار بأن يكون رئيس الجمهورية مسلماً في بلد أغلب متساكنيه مسلمون هو في الواقع إقرار لا يضيف شيئاً، ذلك أنّ تحرّك القوى السياسية والعاطفية يؤول حتماً إلى النتيجة نفسها. ولكن هذا الإقرار يبدو رغم ذلك ضرورياً إذ إنّه يشهد بتفوّق المجموعة الإسلامية، ويتضمّن تكريماً مبدئياً للإسلام".

TRT عربي