تابعنا
فسر كثيرون تبرير راشد الغنوشي دعمه للمرشح قيس سعيّد في الدور الثاني للانتخابات باعتباره "الأقرب لروح الثورة".

يرى كثيرون أن إعلان النهضة دعمها الصريح للمرشح للرئاسة قيس سعيّد، وتوجيه أنصارها للتصويت له في الدور الثاني من الانتخابات، بعد هزيمة مرشحها عبد الفتاح مورو، محاولة لكسب "معركة التشريعية" التي تراهن عليها الحركة للبقاء في الحكم.

استمالة قواعد النهضة

لم تمر الهزيمة التي مُنِيَ بها مرشح حركة النهضة للانتخابات الرئاسية عبد الفتاح مورو دون أن تخلف حسب مراقبين ارتدادات باتت تهدد ليس فقط البيت الداخلي للحركة، بل وأيضاً وجودها على الساحة السياسية كحزب له وزنه في الحكومة وفي البرلمان.

وحل عبد الفتاح مورو في المرتبة الثالثة بت 12.88% من الأصوات بفارق كبير بينه وبين المتأهلين للدور الثاني نبيل القروي الحائز على 15.58 بالمئة من أصوات الناخبين، وقيس سعيّد المتصدر طليعة الترتيب بـ18.40 بالمئة من الأصوات.

وفسر كثيرون تبرير راشد الغنوشي دعمه للمرشح قيس سعيّد في الدور الثاني للانتخابات باعتباره "الأقرب لروح الثورة"، لكونها محاولة لاستمالة قواعد النهضويين، ممن منحوا أصواتهم للمرشح قيس سعيّد ولمرشحين ارتكزوا في برامجهم الانتخابية على قيم العدالة الاجتماعية والمساواة والسيادة الوطنية ومبادئ الثورة، كسيف الدين مخلوف، ولطفي المرايحي والصافي سعيّد.

موقف شورى النهضة

وأعلن مجلس شورى الحركة مطلع الأسبوع بشكل صريح مساندته للمرشح قيس سعيّد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها داعيا أنصاره إلى التصويت له، كما أكّدَت الحركة أنها "تلقّت بكل اهتمام رسائل الشعب التونسي" على ضوء هزيمة مرشحها، ووعدت بالقيام بالتقييم الذاتي واستخلاص الدروس والعبر من نتائج الانتخابات.

وفي حديثه لـTRT عربي نفى الناطق الرسمي باسم النهضة عماد خمير أن يكون دعم الحركة لقيس سعيّد مبني على حسابات حزبية ضيقة أو إكراهات سياسية، مقللاً في المقابل من انعكاسات هزيمة مرشحهم مورو، ولفت إلى أن سعيّد هو أقرب لنبض الثورة وللمبادئ التي طالما دافعت عنها النهضة.

وأقرّ خمير بأن الحركة خلال تجربة الحكم الممتدة من 2014 إلى 2019 دفعت ضريبة التصاقها بالسلطة وإكراهاتها، في وقت لم يعُد فيه المواطن التونسي قادراً على الصبر أكثر على من هم في السلطة في ما يتعلق بقضايا اجتماعية واقتصادية تمسّ حياته اليومية ومقدرته الشرائية.

وشدّد على أن النهضة انبرت منذ نحو ثماني سنوات على المحافظة على الأهداف الكبرى للثورة وضمان إنجاح الانتقال الديمقراطي، "لكنها اليوم تدخل معركة الانتخابات التشريعية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في انسجام مع نبض الشارع المطالب بالتغيير والإصلاح".

النهضة ورهان التشريعية

وتعوِّل النهضة حسب كثيرين على تعويض خسارتها في الانتخابات الرئاسية عبر كسب رهان الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول القادم، إذ يدخل رئيس الحركة راشد الغنوشي لأول مرة في تاريخها سباق الانتخابات وعينه على رئاسة البرلمان.

في هذا السياق خاطب رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني عبر تدوينة له من أسماهم بالقوى المؤمنة بالثورة "لوضع نظام متوازن بين الرئاسة والحكومة يضمن التفرّغ للإصلاح".

ونبَّه الهاروني عبر صفحته على فيسبوك التونسيين لما قال إنه خطر ما زال قائماً منذ 2014، لقوى تمثّل تهديداً حقيقيّاً لمسار الثورة كانت تسعى لإعادة النظام الرئاسي وتغيير الدستور.

ودعا شباب الثورة وجزءاً من شباب النهضة إلى اليقظة وحسن الاختيار في التشريعية والرئاسية بهدف تأسيس "منظومة حكم ملتزمة بالثورة وبالدستور ولنتفرغ للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية".

ويأتي دعم النهضة للمرشح قيس سعيّد المحسوب على خط الثورة بحسب الناشط السياسي والأكاديمي طارق الكحلاوي للنزول بكل ثقلها لكسب معركة التشريعية التي تراهن عليها النهضة، في ظل خلافات داخلية وبوادر انشقاقات من أبرز قياداتها، سيما المحسوبين على التيار الإصلاحي، وفقدانها التحكم في جزء من قواعدها من الذين رفضوا منح صوتهم لمرشح الحركة، بعد سنوات من الانضباط القاعدي الذي ميزها من باقي الأحزاب.

ويخلص الكحلاوي في حديثه لـTRT عربي إلى أن النهضة تواجه لأول مرة في تاريخها منافسة جدية من ائتلافات حزبية وشخصيات محسوبة على قوى الثورة وعلى التيار الإسلامي، ما جعلها تركب مجدداً موجة الثورة وتدعم بشكل علني المرشح قيس سعيّد المحسوب على هذا التيار.

الحكم داخل البرلمان

وقد تشرح طبيعة النظام السياسي في تونس، برلماني معدَّل، حشد النهضة لهذه المعركة الانتخابية التشريعية بكل ثقلها، إذ إن الحزب الذي سيظفر بالأغلبية البرلمانية، ستوكل إليه رسميّاً مهمة تكوين الحكومة القادمة وتعيين رئيسها.

ويمنح دستور تونس ما بعد الثورة صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة في إدارة الدولة، على خلاف رئيس الجمهورية الذي تنحصر مهامه أساساً في الدفاع والأمن القومي وضبط السياسات الخارجية والسهر على حماية ما جاء في الدستور.

ويرى مراقبون أن اصطفاف النهضة وراء المرشح قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية وهو الذي لا يملك أي حزب يدعمه في التشريعية على خلاف منافسه ورئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، قد تضمن لها تحالفات واسعة داخل قبة البرلمان مع شخصيات مستقلة وائتلافات تسانده وتتقاطع معه في الرؤى والتصورات السياسية.

كابوس "الجهاز السري"

إثارة قضية "الجهاز السري" المزعوم لحركة النهضة قبل أيام على موعد الانتخابات التشريعية واتهامها مجدداً بالضلوع في اغتيال القياديين اليساريين محمد البراهمي وشكري بلعيد من قبل هيئة الدفاع، لا تزال تمثّل كابوساً حقيقياً للحركة، خصوصاً أن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي كان قد فتح في آخر أيامه هذا الملف في اجتماع مجلس الأمن القومي، بعد القطيعة والخلافات التي شابت علاقته بالنهضة ورئيسها، بالتالي فإن وجود رجل مشهود له بنظافة اليد في رئاسة الجمهورية كقيس سعيّد قد يضمن للحركة عدم توظيف هذا الملف سياسياً لإقصائها أو تصفيتها قضائياً.

ويذهب الإعلامي والمحلل السياسي محمد بوعود إلى القول بأن النهضة كانت مجبرة على إعلان دعمها المرشح قيس سعيّد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، "ليس حبّاً فيه أو قناعة بشخصه وأفكاره، بل خوفاً على تماسكها الداخلي".

ويعتبر بوعود في حديثه لـTRT عربي أن المرشح قيس سعيّد "طوق نجاة لكسب معركة التشريعية امتدت له يد النهضة ورئيسها لاحتواء قواعدها وأنصارها إثر بوادر الانشقاق والتمرد التي عصفت بأركان بيتها الداخلي على خلفية اتهامات خطيرة وجهت للغنوشي وصهره بتزييف إرادة كبار الناخبين وإقصاء الأصوات الحرة داخل الحركة.

ويخلص الرجل إلى أن خيوط اللعبة السياسية وإدارة الحكم في تونس تُدار أساساً من داخل البرلمان لا من رئاسة الجمهورية، وهو ما تعيه جيداً حركة النهضة وتسعى بكل ثقلها لكسب معركة التشريعية وضمان أغلبية مريحة من خلال إبرام تحالفات مع قوى تتقاطع معها فكريّاً وآيديولوجيّاً، وهي ذاتها التي صوّتَت لقيس سعيّد في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية.

TRT عربي