جانب من تظاهرات العراق (AP)
تابعنا

إذ كانت الاحتجاجات تطالب في الجولة الأولى بمكافحة الفساد والحَدّ من البطالة وتوفير الخدمات الأساسية وتعيين أصحاب الشهادات العليا، لكنها اليوم تتصاعد الخطابات نحو مرحلة انتقالية تاريخية ينادي بها المتظاهرون نحو ضرورة استقالة الحكومة الحالية.

هذه التظاهرات هي بمثابة التحدي الأخطر الذي يقيَّم فيه أسلوب إدارة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لملف الإصلاح وسط منافسة شديدة بين الأحزاب لتبني موجة التظاهرات، ونسبها ضمن إنجازاتها لإرضاء الشارع العراقي.

فقد حاول عادل عبد المهدي اتخاذ بعض القرارات كمنح القروض البسيطة وفتح أبواب الوظائف الحكومية لمستويات المجتمع كافة، وكان يمضي نحو تهدئة الوضع المضطرب عن طريق التفاوض مع المتظاهرين، لكن المطالب الشعبية المتمثلة في إسقاط الحكومة ورئاسة الجمهورية وحلّ مجلس النواب هي الأكثر تعقيداً وتضعه المسؤول المباشر عن معالجة الأزمة.

إثارة الخوف وقمع الشعب

تخدر الحكومة العراقية المواطنين وتؤخّر إجراءاتها التفاوضية وتستخدم أساليب قمعية جديدة، وتلعب على وتر الوقت هدفاً بتوحيد صفوفها الأمنية واختراق التنسيقيات ومعرفة أبرز المؤثرين في ساحات التظاهرات، وفي هذا الصدد تحدث الخبير الاستراتيجي هشام الهاشمي لـTRT عربي قائلاً: "الاستقرار وتمكين الديمقراطية لا يأتيان بالقمع والاعتقال، بل يأتيان بفاعلية الحوار والاستماع الجيد والمتواضع لمطالب الشعب، وهذا ما لا تعترف به الحكومة فتحاول تقويض الحرية وتقتل آمال الشباب بالإصلاح".

وتابع الهاشمي بأن آخر الأرقام المرعبة على أثر التظاهرات تعلن وبكل أسف استشهاد 306 مواطنين مدنيين، وإصابة نحو 15000 بجروح وبحالات اختناق بالغازات السامة، ونحو 2500 معتقَل، قد أُطلِقَ سراح غالبيتهم عدا ما يقرب من سبعة عشر أُحيلوا إلى المحاكم، أما المغيَّبون فوصل عددهم إلى 13 شخصاً مجهول المصير، ونحو 80 إعلامياً ومدوناً وناشطاً مدنياً يعيشون حالةً من التشرد بسبب محاولات الأمن خطفهم واعتقالهم تعسُّفيّاً.

وأضاف الخبير الاستراتيجي: "‫صناعة التهدئة والاحتواء في ساحات التظاهرات لا تكون عبر التهديد بالاعتقال القسري وفق قانون الإرهاب، والفرصة لا تزال بيد الحكومة، فعليها أن تكون شجاعة في تنفيذ الاستجابة السريعة لمطالب المتظاهرين، والمحاكمة العلنية للقيادات الأمنية التي شاركت أو أصدرت الأوامر بقمع المتظاهرين، وتوسيع وإسناد الحوارات التي تُجرِيها الجهات الدولية بمعية رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس القضاء الأعلى".

ورأى الهاشمي أن سبب تورط الحكومة أنها تصدّق الذي يخدعها، والمشهد العراقي أخذ يتعقد، ومناقشة إعلان الطوارئ ليست حلّاً، بل سيعقّد الأمور أكثر، والتظاهرات التي كسرت حظر التجوال قادرة على كسر أحكام الطوارئ. بالتالي فالحلّ الأمثل هو الاستجابة السريعة والفورية لمطالب المتظاهرين، ومن ثم فالآليات الديمقراطية والقانونية كفيلة بالحل السلمي.

محاولات لتسويف مطالب المتظاهرين

تعاني مؤسسات الدولة العراقية سيطرة الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة على الأموال والمصارف والسلطة التنفيذية التي يشكّل الفساد المتجذّر فيها أبرز سماتها المعروفة التي لا يمكن للعراق معها أن يخرج بنفسه من دائرة الفساد الذي ينخر بمؤسساته في ظلّ استمرار هذه الأحزاب في قيادة البلد، وهو ما أدركته الحركة الاحتجاجية التي طالبت في بعض شعاراتها بإسقاط الحكومة وإجراء إصلاحات سياسية جذرية في بنية العملية السياسية القائمة منذ 16 عاماً، أي منذ عام 2003.

في هذا الإطار أكّد رئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي في تصريحه لـTRT عربي "عدم التخوف من وجود بديل للحكومة الحالية"، إذ اعتبرها "حجة واهية لتسويف المطالب الجماهيرية". وأضاف أن "المطالبة باستقالة الحكومة وحلّ مجلس النواب تأتي ضمن خطة متكاملة وبمدة زمنية محدَّدة. والمعالجات الحقيقية تتطلب أيضاً تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة، وتحديد موعد لانتخابات برلمانية عامة، وفق قانون دستوري يتعامل بشفافية ولا يخضع لأي سلطة حزبية".

ودعا علاوي إلى ضرورة تبنِّي موقف حيادي يكترث لأزمات المواطنين قائلاً: "أي تغيير في الحكومة أو في العملية السياسية محكوم بشكل ما بإرادة الكتل السياسية الرئيسية ورغبتها في التغيير، بالإضافة إلى دور العامل الخارجي، بخاصة الولايات المتحدة وإيران وضرورة اتفاقهما "الضمني"، لكن وَفقاً لمصالح العراقيين، وهذا ما سيحسم ملفّ التظاهرات".

وأضاف: "أنصح المتظاهرين بالتزام السلمية وعدم التعرُّض لمؤسسات الدولة، والعمل على تنظيم الخطابات لتحقيق المطالب المشروعة، كما أؤكّد حقن الدماء وعدم تعرُّض قوات الأمن لإخوتهم في ساحات التظاهرات".

مطالبات المتظاهرين تؤكّد السلمية

أحد الناشطين في الحراك الشعبي تحدث لـTRT عربي قائلاً إن "التظاهرات مستمرة حتى الاستجابة الجدية وتعديل قانون الانتخابات وتوزيع الموارد الاقتصادية بشكل عادل، بالإضافة إلى إجراء انتخابات مبكّرة ونزيهة، وإيجاد فرص عمل للعاطلين، والدعوة إلى استقالة الحكومة العراقية وترشيح شخصيات جديدة كفأة ومخلصة للبلد".

وقال الناشط المدني ضياء الهندي، معرباً عن تحديه للحكومة العراقية، بالإصرار على الصمود والبقاء في ساحات التظاهرات، مصرّحاً لـTRT عربي بقوله: "لن نملّ ولن نستكين حتى نستحصل حقوقنا، مهما تعرضنا لتهديدات واستفزازات قوات الأمن، كل ذلك سيقوّينا، ودماء الشهداء تصبّرنا وتجبرنا لنكمل المسير، ونطالب بإطلاق سراح إخواننا وأخواتنا المختطَفين والمعتقَلين الذين لا ذنب لهم سوى حب الوطن وتحقيق إصلاحات حقيقية".

واستبعد الهندي وقف التظاهرات، ودعا إلى مليونيات في المحافظات الجنوبية أيضاً، معرباً عن أمله أن "يتوحد الشعب العراقي بجميع أطيافه ويمضي نحو نهضة الوطن"، مؤكّداً سلمية التظاهرات، محذّراً من "تشويه المسيرات الجماهيرية، لأن تلفيقات الحكومة باتت قديمة وغير منطقية، والشعب أصبح ناضجاً ويدرك أن حقوقه قد نُهبت، وهذه الفرصة مهمة لإنقاذ الأجيال الحالية والمستقبلية".

كما أكّد ضياء الهندي في حديثه أنه "يجري قتلنا بالرصاص ونُخنَق بالغازات السامة والقنابل المسيلة للدموع، ونقابل ذلك بمطالب قانونية ضمن الدستور العراقي، لكن لا جدوى من وعود الحكومة العراقية، إذ لا تنوي إجراء إصلاحات، بل تحاول تنويم معالجاتها كي ننساها أو نتراجع عن تصريحاتنا، والأمن العراقي يعتقل كثيراً من الشباب ويستفز أهاليهم باختطافهم، كل ذلك لأننا نطالب بالحرية والعيش بكرامة".

تبريرات حكومية ترفض الاستقالة

المتحدث باسم الحكومة العراقية "سعد الحديثي"، برّر لـTRT عربي، موقف الحكومة العراقية الذي يذهب نحو إيجاد الحلول المشتركة والصبر على الإصلاحات، مشيراً إلى "عدم إنصاف الخطابات الموجهة نحو دولة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لأنها تحمّله فشل الحكومات التي سبقتها".

كما أوضح الحديثي في تصريحاته أن "الحكومة لن تسقط، ولن يكون هذا في صالح المتظاهرين، لأنها ستحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال، وبالتالي لن تغادر السلطة حتى إجراء انتخابات جديدة، وذلك في حال حلّ البرلمان بكامله، أو من الجانب الآخر يمكن الاستقالة، بشرط تكليف جهة أخرى من القوى السياسية الموجودة حاليّاً في البرلمان، وهذا ما دعونا إليه السيد هادي العامري والسيد مقتدى الصدر".

ولفت إلى أن "المتظاهرين لا يستوعبون مدى تعقد العملية السياسية في العراق، ومن الضروري أن يفهموا أن استقالة الحكومة تعني تجريدها من كثير من صلاحياتها، بالتالي ستفقد القدرة على تحقيق الإصلاحات، وأن حكومة عبد المهدي تخطط حاليّاً لمشروع قانون للانتخابات وآخر يتعلق بعملية مكافحة الفساد، سيراجع جميع أموال وممتلكات وعقارات المسؤولين الحاليين والسابقين في العراق".

وأكّد الحديثي لـTRT عربي، أن "الحكومة العراقية ليست ضد الانتخابات المبكّرة، لكن آليات هذه الانتخابات في صلاحية الدستور والبرلمان لا ضمن صلاحيات رئاسة الوزراء، وهذا ما يتم تضليله في الإعلام لتوريط عادل عبد المهدي ووضعه في المواجهة.

هل رفضت إيران إسقاط الحكومة الحالية؟

تتوقع مصادر عراقية أن تكون إيران وراء عدم إعطاء الضوء الأخضر لحلفائها في العراق الذين يهيمنون على العملية السياسية ويعملون لعدم إسقاط عبد المهدي، وفي هذا الجانب يتحدث المحلل السياسي أسامة رحيم لقناة TRT عربي قائلاً: "إيران تواجه مأزقاً في العراق إثر المواقف العدائية لها من المحتجين العراقيين ومحاصرتهم قنصليتها في كربلاء وهتافهم في مختلف مدن البلاد (إيران برا برا، بغدادنا تبقى حرة)، وهذه الخطابات جاءت نتيجة سيطرة الأحزاب الدينية على كل مفاصل الدولة بدعم من إيران عن طريق زعمائها العراقيين".

وتوقع رحيم أن سبب عدم قبول السيد هادي العامري ومقتدى الصدر مبادرة عادل عبد المهدي التي طلبها في تكليف العامري والصدر مهمة إدارة الحكومة الحالية، وسبب الرفض من تسلمهما هذا الملف، هو أوامر من إيران بعدم إحراق جميع الأوراق، بل تعزيز الخطابات التي تحثّ على عدم التعرُّض لمؤسسات الدولة العراقية لكي لا يكون هناك خراب ودماء كما حدث في سوريا واليمن".

وأكّد رحيم أن هذه "إشارة صريحة لسيناريو خطر ومهدّد لمستقبل العراقيين، يقول إما يبقى عبد المهدي مع أزلامه وإما سيكون للعراقيين مصير دموي، بالتالي لا تريد إيران إسقاط الحكومة الحالية ولن تضحي بمكتسباتها، بل تتهم الولايات المتحدة الأمريكية بخلق فوضى في المجتمع العراقي"، حسب تعبيره.

TRT عربي