حرائق الغابات.. أحد تكتيكات PKK الإرهابي بعد شل قدراته العسكرية داخل تركيا (AA)
تابعنا

على عكس الحرائق التي تجتاح غابات العالم في القارات الخمس كل صيف، فإن معظم الحرائق التي تندلع في الغابات التركية هي بفعل فاعل، يقف وراءها تنظيم PKK الإرهابي ضمن ما يطلق عليه "الإرهاب البيئي".

فمنذ تسعينيات القرن الماضي اتخذ التنظيم من الحرائق استراتيجية إرهابية بهدف الأضرار بتركيا، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في حدة هذه الهجمات الإرهابية، وانتشارها بالقرب من الأحياء السكنية في مختلف المدن التركية.

نجحت قوى الأمن والاستخبارات والجيش التركي في شل قدرة تنظيم PKK الإرهابي عن تنفيذ عمليات إرهابية ناجحة داخل وخارج البلاد بشكل شبه كامل تقريباً، فضلاً عن تحييد عدد كبير من قياداته وأعضائه المختبئين في سوريا والعراق، وما نتج عنه من ضرر كبير أصاب هيكلية التنظيم العسكرية والاقتصادية.

وهو ما دفع التنظيم إلى اللجوء في السنوات الأخيرة إلى تبني أسلوب إرهابي جديد لا يتطلب تكلفة وتخطيطاً وأشخاصاً كثراً، تمثل في حرق الغابات القريبة من المدن بهدف إلحاق أضرار بالمناطق السكنية والصناعية والزراعية داخل تركيا.

ومنذ تدشين الموسم السياحي العام الجاري، شهدت مدن مثل أنطاليا وأضنة وأنقرة حرائق طالت مساحات واسعة من غاباتها.

وبينما تجري أعمال الإطفاء ومحاولات السيطرة على النيران، باشرت الهيئات والمؤسسات المسؤولة إجراء التحقيقات من أجل الوقوف على الأسباب وراء هذه الحرائق.

كما أُعلن منذ أيام عن اعتقال أشخاص حاولوا إضرام النيران بإحدى غابات العاصمة أنقرة، الأمر الذي عزز من الشبهات القائلة بأن التنظيم الإرهابي هو من يقف خلف هذه الحرائق.

الإرهاب البيئي

بالإضافة إلى الأعمال الإرهابية التي تستهدف عناصر الأمن والجيش التركي والتفجيرات الانتحارية التي تستهدف المدنيين الأتراك، والتي خفت حدتها بشكل لافت في السنوات الأخيرة بفضل العمليات العسكرية والأمنية التي تنفذها تركيا ضد أعضاء وقيادات التنظيم، يواصل تنظيم PKK الإرهابي ابتداع وابتكار أعمال إرهابية جديدة تستهدف الطبيعة والحيوانات من خلال إضرام النار بالغابات التركية.

وعقب الهزائم المتتالية التي ألحقتها قوى الأمن التركي بالتنظيم في مدن وقرى جنوب شرق الأناضول، أضرم إرهابيو PKK النار في غابات وحقول المناطق التي فروا منها، كما أحرقوا الغابات في جبال "أمانوس" بين مدينتي هاتاي وكهرمان مرعش بعد الخسارة التي حظي بها التنظيم في عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين السورية.

ولم تفلت المدن والقرى السورية التي احتلتها وحدات حماية الشعب منذ فبراير/شباط 2016، الامتداد السوري لتنظيم PKK الإرهابي، من الحرائق التي التهمت حقول ومنازل المدنيين الذين اضطروا إلى النزوح.

والعام الماضي، أعلنت مجموعة "أبناء النار" التابعة لتنظيم PKK الإرهابي عن تبنيها لأعمال إضرام النار في مناطق الغابات القريبة من الأحياء السكنية والصناعية في مدن مثل هاتاي وكهرمان مرعش وطرابزون، والتي ألحقت أضراراً بالعديد من المنازل والشركات والمصانع والمزارع، فضلاً عن إصابة 8 أشخاص بجروح طفيفة.

وعلى إثر التحقيقات التي أجريت، اعتُقل أكثر من شخص ينتمون إلى التنظيم الإرهابي ثبت ضلوعهم بهذه الأعمال الإرهابية، اعترف بعضهم بتنفيذهم للحرائق التي حدثت في وقت سابق من عام 2011 في غابات "فوتشا" بمدينة إزمير.

الإرهاب يستهدف الاستثمارات بأفعاله

وظف تنظيم PKK جميع الوسائل الإرهابية من أجل منع وإيقاف أعمال التنمية في المدن والقرى التي كان يسيطر عليها بشكل أو بآخر، وذلك من خلال تدمير وتخريب البنية التحتية واستثمارات البنية الفوقية التي تمت في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، فضلاً عن قيام عناصر التنظيم الإرهابي بتدمير معدات البناء ومداهمة موقع البناء وتهديد وخطف العمال.

وبنفس طريقة إشعال النار بالغابات في المدن التركية، أضرم أعضاء التنظيم في يونيو/حزيران 2015 النار في معدات البناء العاملة في موقع بناء سد "كوتشالي" بالقرب من قرية "دوغانلي" في مدينة أديامان. وفي أغسطس/آب 2015، داهم إرهابيو التنظيم موقع بناء الطريق السريع في ماردين، وأشعلوا النار في 12 آلة بناء.

وفي يوليو/تموز 2017، هاجم تنظيم PKK الإرهابي العمال الذين يعملون في موقع بناء الطرق في منطقة قاعدة "كيل تيبي" في مدينة شرناق، وأسفر الهجوم عن مقتل عاملين وإصابة 5 آخرين.

شل قدرة التنظيم

أكد الرئيس التركي أردوغان مراراً فكرة أن تركيا مصممة على تجفيف منابع الإرهاب بشكل كامل، واصفاً الاستراتيجية التركية الجديدة في مواجهة التنظيمات الإرهابية، التي تتمثل في أن تركيا لم تعد تنتظر حدوث أعمال إرهابية من أجل الرد عليها، بل أصبحت تسعى وتبادر في البحث عن العناصر الإرهابية وتضيق الخناق عليهم، فضلاً عن إيجاد وتدمير الخلايا الإرهابية النائمة.

ونجحت تركيا لأول مرة منذ عقود في شل قدرات التنظيم العسكرية بشكل شبه كامل وإنهاء قدرته على تنفيذ هجمات إرهابية داخل تركيا، وذلك من خلال العمليات العسكرية والأمنية والاستخباراتية المتواصلة داخل وخارج تركيا، والتي أنهكت التنظيم ودفعت قياداته وأعضاءه المتبقين إلى الفرار بعيداً إلى كهوف الجبال شمالي العراق وسوريا، الأمر الذي نتج عنه إنهاء خطر التنظيم بتنفيذ عمليات انتحارية وهجومية داخل المدن والقرى التركية.

وبالتالي اتجه التنظيم إلى محاولة شن عمليات إرهابية بطرق مختلفة، كان آخرها إضرام النار بالغابات داخل تركيا.

وتوسعت العمليات الاستخباراتية والعسكرية التركية لتشمل أيضاً مخططي ومفتعلي الحرائق بالقرب من المناطق السكنية والصناعية في المدن التركية، كان آخرها العملية الاستخباراتية التي انتهت بتحييد الإرهابي الذي أمر بإشعال حرائق الغابات في المدن التركية، مسعود تاتسكين، في 20 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

TRT عربي