جماعة متطرفة تهاجم مدنيين في بوركينا فاسو وتقتل 160 منهم  (Michele Cattani/AFP)
تابعنا

نهاية أسبوع دمويَّة تلك التي شهدتها بوركينا فاسو، البلد الإفريقي الذي يواجه هجمات هي الأكثر عنفاً منذ ست سنوات لمسلَّحين اشتبه في انتمائهم إلى تنظيمات متطرفة، مودية بحياة ما يقارب 160 قتيلاً من المدنيين، تعيد هذه الهجمات إلى الواجهة سؤال الجهود العسكريَّة في مواجهة هذه الجماعات التي تنشط بخاصة في المثلث الحدودي (شمال شرق البلاد)، وخصوصاً مع تعثُّرها بعد إعلان فرنسا تعليق العمليات العسكريَّة المشتركة مع الجيش المالي.

فيما تضاف الحصيلة الثقيلة لها إلى سلسلة الفشل الذي يلاحق عمليَّة بارخان وإلى المأزق الفرنسي في منطقة الساحل. فهل عادت بوركينا فاسو عنواناً جديداً للفشل الفرنسي في الساحل؟

تفاصيل نهاية أسبوع دمويَّة

حدث الهجوم ليلة السبت حينما استهدف مسلَّحون منسوبون إلى جماعات متطرفة بلدة سلوهان شمال شرق بوركينا فاسو. فيما واصلت حصيلته الارتفاع من 100 إلى 138 قتيلاً ثم 160، حسب ما أكَّد نائب المنطقة.

وقال النائب: "لقد تم دفن 160 جثة أمس (السبت) في ثلاث مقابر جماعية من قبل السكان المحليين، بينها 20 جثة لأطفال". كان ذلك خلال الساعات الأولى من صباح 5 يونيو/حزيران 2021، حين هاجم المسلحون القرية، مستهدفين مراكز لقوات "منظَّمة الدفاع الوطني"، وهي قوات مسلَّحة تطوعية أنشئت لمساعدة الجيش في حربه للجماعات الجهاديَّة، قبل أن يحرقوا منازل المدنيين وسوق القرية.

كما تم الهجوم على منجم قريب، حيث كانت سولهان مركزاً لتعدين الذهب، نقلًا عمَّا أوضحته مصادر أمنيَّة بوركينابيَّة. وأضاف النائب المحلي أن "الوضع لا يزال هشاً في المنطقة رغم الإعلان عن عمليات عسكرية"، وأن السكان لا يزالون "يفرون من سولهان" إلى المناطق القريبة في سيبا ودوري.

وأتبع بأن "الكثيرين فقدوا كل شيء بعد احتراق ممتلكاتهم ومساكنهم". هذا ووصف الرئيس البوركينابي، روش مارك كريستيان كبوري، هذه الهجمات بـ"البربريَّة"، داعياً شعبه إلى " التمسك بالقوَّة والصمود" ضدَّ من أسماهم بـ"القوى الظلاميَّة".

بارخان عمليَّة فاشلة؟

في تفاعل مع الأحداث، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الأحد، على حسابه على تويتر أنه سيزور "هذا الأسبوع" بوركينا فاسو. وقال: "لقد تحدثت اليوم مع الرئيس (روش مارك كريستيان) كابوري".

زيارة لودريان التي تأتي في أعقاب تعليق بلاده عملياتها العسكريَّة المشتركة مع الجيش المالي، أحد القوات المشاركة في عمليَّة بارخان التي تقودها فرنسا ضد الجماعات التنظيمات الجهادية بالمنطقة.

فيما الحصيلة على الأرض: أنه منذ بداية العام الماضي، زادت بشدة هجمات جماعات مسلحة في منطقة الساحل غرب إفريقيا، موقعة في بوركينافاسو وحدها نحو 500 قتيل أغلبهم من المدنيين.

وتعرضت النيجر أيضاً في 21 مارس/آذار لهجمات كبرى على قرى في منطقة تيلا القريبة من حدود مالي وأسفرت عن 141 قتيلاً. وأدت هذه الهجمات على البلدان الثلاثة، النيجر ومالي وبوركينافاسو، إلى نزوح أكثر من 1.14 مليون شخص عن ديارهم خلال ما يزيد قليلاً على عامين، في حين تستضيف بوركينافاسو الفقيرة أيضاً نحو 20 ألف لاجئ من مالي المجاورة يلتمسون الأمان من هجمات المسلحين.

ما يطرح السؤال عن مدى فعالية تلك العملية العسكريَّة التي تقودها باريس، التي تعد أكبر عمليَّة عسكرية يقوم بها الجيش الفرنسي خارج حدوده منذ حرب الجزائر. في حوار سابق على موقع Médiapart الفرنسي، تقر ناغالي باغايوكو الباحثة المالية المتخصِّصة في الشأن الأمني بالساحل بأن "الأهداف الأساسية للعملية العسكريَّة، أي حصر توسع الجماعات الجهادية و تحييد أخطارها، لم تحقق بشكل فعلي"، وتضيف: "نرى أن العملية الفرنسية لم تمنع من تفاقم الخطر الجهادي، ولا في تحقيق الأمن المطلوب بالنسبة إلى المدنيين في الساحل".

بل ما هو أكثر من ذلك، أتبعت المتحدِّثة: "بأن هذه الجماعات المتطرفة أصبحت أكثر قوة الآن وأوسع تأثيراً ممَّا قبل التدخل الفرنسي، بحيث إنها دخلت في تحالفات بينها واندماجات لأكثر من منظمة إرهابيَّة".

بالمقابل، الهجمات كالتي حصلت في بوركينا فاسو أو النيجر قبلها توضح أن المدنيين هم الأكثر عرضة للخطر الجهادي. أمام فشل بارخان في حمايتهم، كما ضعف الجيوش الوطنية لدول الساحل، مثال الجيش البوركينابي الضعيف وغير المجهز جيداً، والذي لا يتمكن من التصدي للهجمات التي تتزايد، وبالتالي استند إلى دعم من هم في الأساس مدنيون تابعون له، "متطوعو الدفاع عن الوطن" الذين يدفعون ثمناً باهظاً في حملة مكافحة الجهاديين.

بوركينا فاسو التي كانت بمنأى عن العنف خلال حكم بليز كومباوري (1987-2014)، المتهم بالتفاوض مع المجموعات المتطرفة للحفاظ على بلاده، مقابلَ ذلك مكنَّها هذا التفاوض من تقوية شوكتها بالمنطقة وتفشي تهديدها للمدنيين.

كومباوري نفسه الذي كان صديق فرنسا المقرب على سدة حكم البلاد، بعد أن ساندت انقلابه على الزعيم التحرري توماس سانكارا، وساعدته في الهرب من بلاده بعد استقالته تحت ضغط المعارضة في 2014. هذا وتشهد بوركينا فاسو أعمال عنف منذ 2015 أسفرت عن 1400 قتيل على الأقل ومليون نازح.

TRT عربي