تابعنا
عمد اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ بداية توليه حكم الشرق الليبي على تنحية شخصيات بارزة مقرَّبة منه وإبعادهم عن المشهد السياسي والأمني والاجتماعي في ليبيا.

أكّدَت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير منتصف أغسطس الجاري أنه منذ انطلاق عملية الكرامة في مايو/أيار 2014 بقيادة خليفة حفتر، فر عشرات المعارضين أو المشتبه في معارضتهم لحفتر من ديارهم في بنغازي وظلوا مهجرين في مناطق أخرى بسبب منعهم من العودة.

ووثقت المنظمة الحقوقية الدولية حالات إخفاء قسري لأقارب مهجرين قسراً وحالات تعذيب وسوء معاملة ومضايقة وترهيب وتدمير ممتلكات واستيلاء من القوات الموالية لحفتر في شرق ليبيا على العقارات.

أعمال انتقامية

وبدأ حفتر هجومه على مناصريه بتنفيذ هجمات مسلحة ضدّ القيادي السابق في عملية الكرامة المنشق فرج البرعصي الذي أيّد حكومة الوفاق الوطني بعد تشكيلها في ديسمبر 2016.

وتَعرَّض البرعصي لمحاولتَي اغتيال، أولاهما مطلع يناير 2017 عندما أطلق مسلحون النار على سيارته في مدينة البيضاء، وفي فبراير من ذات العام هاجم مسلحون مقر إقامة البرعصي وقتلوا أحد حراسه وأصابوا آخَرين وسرقوا نحو 200 ألف دينار ليبي وثلاث سيارات.

وأبعد القيادي السابق في عملية الكرامة المهدي البرغثي ابن قبيلة العواقير عن شرق ليبيا بعد قبوله منتصف يناير 2016 بمنصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني.

وأعلن البرغثي انشقاقه عن حفتر وشن هجمات متتالية مدعومة من وزارته على قوات حفتر في مناطق الهلال النفطي والجفرة وجنوب ليبيا قبل أن يعفيه السراج من منصبه نهاية يوليو 2018.

وبعد هذه العمليات أعلن الناطق باسم عملية الكرامة محمد الحجازي الانشقاق قائد عملية الكرامة متهماً حفتر بالإشراف على عمليات السرقة والنهب والقتل والتعذيب في شرق ليبيا.

وفي منطقة الهلال النفطي سحب حفتر البساط من أحد داعميه، وهو آمر حرس المنشآت النفطية إبراهيم جضران الذي كان يسيطر على كامل مواني النفط في منطقة الهلال النفطي، إذ دعم حفتر آمر حرس المنشآت جضران للتصدي لقوات عملية الشروق التي شنّتها حكومة الإنقاذ في طرابلس على جضران للسيطرة على مواني النفط نهاية عام 2014.

وبدأت العداوة بين الطرفين عندما هاجم تنظيم داعش الإرهابي قوات جضران في منطقة الهلال النفطي متهماً حفتر آنذاك بعدم دعمه لمواجهة التنظيم عام 2016، إلى أن شنّ حفتر هجوماً مسلَّحاً على قوات جضران منتصف عام 2018.

وفي ظروف غامضة قُتل شيخ قبيلة العواقير إبريك اللواطي الموالي لعملية الكرامة بعد استهدافه في سيارة مفخخة في منطقة سلوق شرق ليبيا.

وقد هاجم اللواطي في أكثر من مناسبة قيادات بقوات حفتر يتعدون على أبناء قبيلة العواقير في شرق ليبيا، وقبل اغتياله أعلن اللواطي دعمه ابن قبيلة العواقير المهدي البرغثي للحصول على وزارة الدفاع بحكومة الوفاق.

وفي مطلع أكتوبر عام 2018 هاجمت مجموعة مسلحة ترتدي زيّاً عسكريّاً منزل اللواء أحمد العريبي نائب رئيس الاستخبارات العسكرية وعميد بلدية بنغازي السابق واختطفته مع نجله إلى مكان مجهول.

وطالبت عائلة العريبي بعد معرفة المجموعة المسلَّحة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالإفراج عن العريبي الذي كان من أوائل الداعمين لعملية الكرامة، لكن مصادر تشير إلى أن العريبي سلّم قبل اختطافه لجنة الخبراء بالأمم المتحدة تقريراً متكاملاً حول الفساد المالي في بنغازي تَضمَّن وثائق تُثبِت تورُّط نجلَي حفتر في سرقة أموال من فرع مصرف ليبيا المركزي.

وفي آخر أعمال قوات حفتر العدائية خطف مسلحون من كتيبة أولياء الدم والكتيبة 106 التابعة لحفتر، النائبة في البرلمان سهام سرقيوة بعد هجوم مسلَّح على عائلتها في منزلها والاعتداء على زوجها وأطفالها بعد وصولها من القاهرة إلى بنغازي منتصف يوليو الماضي.

وعارضت سرقيوة صراحة في مداخلة تليفزيونية على قناة الحدث الموالية لحفتر هجوم قواته على العاصمة طرابلس ووصفت على صفحتها في فيسبوك المجموعة المسلحة التي اعتدت على منزلها قبل يوم دخولها إلى بنغازي بـ"الغوغائيين".

حفتر الدكتاتوري

واعتبر رئيس الهيئة البرقاوية عبد الحميد الكزة أن الدور البارز الذي لعبه المقربون من حفتر المنشقون عنه أدَّى إلى تصفيتهم قتلاً أو إبعادهم عن المشهد السياسي والأمني والاجتماعي في شرق ليبيا.

وأضاف الكزة قائلا لـTRT عربي "حفتر اتبع أسلوب الإقصاء والتهميش ضدّ جميع من خالفه، ومن يشعر أنه تمادى أو حاول أخذ موقع بارز في المشهد غضّ الطرف عنه واتهمه بالخيانة أو بالإرهاب وقتله أو وضعه بالسجن".

ورأى الكزة، وهو من مشايخ برقة شرق ليبيا، أن حفتر تَعدَّت صفته أعتى الدكتاتورات والمجرمين بسبب أنه تَربَّى على الدم والخيانة واستباحة القتل حتى أصحبت هذه الانتهاكات ضدّ حقوق الإنسان جزءاً من أفعاله اليومية هو ومن معه.

وصرّح الكزة بأن القبائل الليبية في الشرق لا صوت لها خوفاً من بطش وسطوة حفتر التي لا تعرف الرحمة، مضيفاً أن " شارع الزيت ومكبات القمامة ومذبحتَي الأبيار والصفصفة وغيرها من السجون السرية راح ضحيتها آلاف من المدنيين الأبرياء دون أي معلومات عنهم".

وأشار المتحدث إلى أن مئات الجرائم والتفجيرات لم يُفتح فيها أي تحقيق طوال السنوات الماضية بتعليمات مما يسمى "القيادة العامة" التي يرأسها حفتر ولم يعلن عن مرتكب جريمة واحدة رغم آلاف الجرائم واضحة المعالم.

تُهَم جاهزة

وأفاد الخبير العسكري عادل عبد الكافي بأن حفتر يصف مخالفيه سياسيّاً بأنهم ينتمون إلى الإرهابيين ويحملون أفكاراً متشددة حتى يستطيع أن ينفّذ مشروعه ويبعدهم عن المشهد ويستمرّ في عملياته العسكرية التي ظلّ يحشد لها منذ أكثر من خمس سنوات.

وتابع قائلا لـTRT عربي "حفتر استخدم شماعة الإرهاب وألصق بها كل من يخالفه سياسيّاً وزرع في مليشياته وعصاباته ورقة اجتماعية تقودهم هي أعيان القبائل من أسوأ الشخصيات في شرق ليبيا، واختارهم كي يسهل التحكم في القبائل واستخدمهم لتحقيق مآربه إضافة إلى تفعيل الورقة الإعلامية مثل التوجيه المعنوي العسكري".

وأوضح عبد الكافي أن خطورة وجود خليفة حفتر في ليبيا تكمن في تفتيت النسيج الاجتماعي الليبي من خلال زرع الأحقاد والعداء بين أبناء الوطن الواحد وخلق الفوضى الهدامة التي يعمل عليها بعض الدول التي لا تريد الاستقرار للمنطقة من أجل إدخال ليبيا في حروب ونزاعات وتقليص حدودها الجغرافية والعمل على تقسيمها.

وعدّد عبد الكافي بعض الدول الإقليمية التي لا تريد استقرار ليبيا، مثل مصر والإمارات، والدول الغربية كفرنسا التي ترى في حفتر عميلاً محلياً يستطيع تحقيق نظام ديكتاتوري تكون السلطة والموارد في يده وتستغله هذه الدول لتحقيق مصالح جديدة على حساب ارتباطات دولية أقامتها ليبيا.

منظومة دكتاتورية

ويرى المحلل السياسي صلاح البكوش أن حفتر استطاع أن يبعد الشخصيات المقربة منه من المشهد الليبي باعتبار حفتر لا يمثل مؤسسة فعلية بل يعتمد على منظومة ديكتاتورية يحرّكها شخص واحد مستخدماً مزاج أبنائه وأبناء قبيلته المقربين منه.

وقال البكوش لـTRT عربي "نحن في ليبيا نواجه مشكلة حقيقية وخطراً داهماً، خليفة حفتر ومشروعه الانقلابي، وعلى الجميع أن يكون مستعدّاً لرفض المشروع ومنع أي جسم سياسي أو شخصية داخل ليبيا من الجلوس مع حفتر والوصول إلى اتفاق معه، لأن حفتر أثبت على مدى السنوات الماضية ازدراءه الكامل للعملية السياسية ومبدأ التوافق والدولة المدنية".

وأوضح البكوش أن ليبيا لا تخلو في جميع مناطقها من شخصيات وطنية منفتحة على العالم الخارجي في القرن الحادي والعشرين قد ينتفضون ضدّ حفتر في أي وقت، يؤمنون بالديمقراطية والحرية والعدالة، وبأن عسكرة الدولة خطر على الدولة الليبية الحديثة.

في منطقة الهلال النفطي سحب حفتر البساط من أحد داعميه، وهو آمر حرس المنشآت النفطية إبراهيم جضران (TRT Arabi)
بدأ حفتر هجومه على مناصريه بتنفيذ هجمات مسلحة ضدّ القيادي السابق في عملية الكرامة المنشق فرج البرعصي الذي أيّد حكومة الوفاق الوطني (TRT Arabi)
<يرى مراقبون أن ليبيا لا تخلو في جميع مناطقها من شخصيات وطنية منفتحة على العالم الخارجي في القرن الحادي والعشرين قد ينتفضون ضدّ حفتر في أي وقت (TRT Arabi)
TRT عربي