إحدى الطائرات المسيرة التركية  / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

شهدت السنوات المنصرمة تزايداً مطرداً في حجم المبيعات العسكرية التركية إلى القارة الإفريقية، حيث تتقدم أنقرة بثبات بين اللاعبين الدوليين في ملف الخدمات الأمنية العسكرية في القارة السمراء.

هذا التطور يعكس تنامي الثقة الإفريقية في السلاح التركي من جهة، والتطور الذي شهده قطاع الصناعات العسكرية التركية، ولا سيما الطائرات دون طيار، من جهة أخرى.

إفريقيا.. القارة المضطربة

تبرز الحاجة الإفريقية المستمرة إلى تطوير القدرات الأمنية العسكرية نتيجة التهديدات المتنوعة التي تواجهها دول القارة، سواء أكانت مرتبطة بالتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، أو بأشكال مختلفة من التمرد المسلح المزعزع للاستقرار في العديد من مناطق القارة.

والنظر في قائمة التنبيه الشهرية التي تصدرها مجموعة الأزمات الدولية المرموقة، ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية، حول النقاط الساخنة في العالم، يكشف حضوراً إفريقياً يمتد إلى أطراف القارة الأربعة.

على سبيل المثال تتضمن التحديات الأمنية في قائمة شهر يونيو/حزيران من هذا العام دولاً كإثيوبيا وأوغندا وتوغو وموزمبيق والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والصومال فضلاً عن دول الساحل.

حديث الأرقام

في مواجهة هذا الواقع المضطرب يبدو أن عدداً متزايداً من الدول الإفريقية بدأت تجد في استيراد السلاح التركي استراتيجية قادرة على تصعيد قدراتها في مواجهة أزماتها الأمنية المركبة.

ووفقاً لجمعية المصدرين الأتراك فقد حققت إفريقيا عام 2021 أعلى زيادة في الصادرات العسكرية وفق المناطق، حيث زادت بنسبة 700% من 41 مليون دولار إلى 328 مليون دولار في الأحد عشر شهراً الأولى من العام المذكور.

في السياق نفسه تحظى إفريقيا باهتمام المصنعين الأتراك حيث بلغت حصة صادرات الصناعات الدفاعية التركية إلى إفريقيا في عام 2020 قرابة 9% من إجمالي الصادرات الدفاعية، وبصيغة أخرى، جرى تحقيق 82.9 مليون دولار من صادرات الدفاع والفضاء إلى إفريقيا.

في حين شهدت الأشهر العشرة الأولى من عام 2021 صادرات للقطاع نفسه بقيمة 288 مليوناً و439 ألف دولار إلى السوق الإفريقية، بزيادة توازي 6 أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

لماذا السلاح التركي؟

هذه الطفرة الكبيرة يمكن عزوها إلى العديد من العوامل، في مقدمتها إثبات المسيّرات، قاطرة التصدير العسكري التركي، فعاليتها العالية في ساحات قتال مختلفة متنوعة، وفي مواجهة أسلحة وأنظمة دفاع جوي روسية وصينية، في كل من سوريا وليبيا وأذربيجان وأوكرانيا مؤخراً.

هذه المسيّرات تمتلك العديد من الميزات قياساً بسلاح الجو التقليدي، فمن جانب فإن تكلفة إنشاء أسطول فعال من المسيّرات التركية لا يمكن مقارنتها بأعباء بناء أسطول تقليدي من الطائرات المقاتلة، بل تبدو المسيّرات التركية أكثر منافسة في هذا المضمار من نظيراتها الغربيات.

يتضح هذا من المقارنة التي عقدتها صحيفة اللوموند الفرنسية، إذ ذكرت أنه بينما يصل سعر المسيّرة التركية ذائعة الصيت "بيرقدار تي بي 2" كاملة التسليح إلى قرابة 10 ملايين دولار، فإن الوحدة غير المسلحة منها تساوي نحو 5 ملايين دولار أمريكي.

وفقاً لهذه الأرقام تمتلك المسيرات التركية ميزة تنافسية عالية عند مقارنتها مثلاً بمسيّرة "هيرون تي بي إس" الإسرائيلية البالغ سعرها 200 مليون دولار أمريكي، أو المسيّرة الأمريكية "أم كيو 9 ريبير" التي يصل ثمنها إلى 100 مليون دولار أمريكي.

من جانب آخر فإن إعداد فرق التحكم بالطائرات المسيّرة لا يتطلب الوقت والجهد والتكاليف التي يجري إنفاقها لإعداد الطيارين العاملين على أسراب السلاح الجوي التقليدي، وهو ما يتناسب أكثر مع تسارع وتيرة انتشار المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل على سبيل المثال.

وذكرت دراسة صادرة ضمن "مجلة الدراسات الإفريقية لوسط وشرق أوروبا" صيف عام 2021 أن أهم الصادرات العسكرية التركية لإفريقيا هي المعدات المرتبطة بصناعة الطيران والمعدات الإلكترونية والتقنية وعربات النقل المدرعة والسفن.

ومن أهم مشتري السلاح التركي الأفارقة وفقاً لمبيعات 2021 بوركينا فاسو التي زادت وارداتها من 92 ألف دولار إلى 8 ملايين دولار، وكذلك تشاد من 249 ألف دولار إلى 14.6 مليون دولار، والمغرب من 505 آلاف دولار إلى 82.8 مليون دولار، وجرى تصدير ما قيمته 63.9 مليون دولار إلى تونس بزيادة 645%، وارتفعت الصادرات إلى إثيوبيا من 234 ألف دولار إلى 94.6 مليون دولار، وبينما لم يجرِ تصدير أي صادرات إلى رواندا في نفس الفترة من عام 2020 ، فقد جرى الوصول إلى صادرات بقيمة 28.7 مليون دولار في الأحد عشر شهراً الأولى من 2021.

السلاح التركي كخيار استراتيجي

ليست الميزات التنافسية الاقتصادية وحدها ما يقف خلف إقبال الدول الإفريقية على المعدات العسكرية التركية، إذ أثبتت أنقرة أنها شريك موثوق ويمكن الاعتماد عليه عند الأزمات، كما تجلى ذلك في أزمة حصار قطر وحرب ناغورنو كارباخ.

من منظور استراتيجي، تتيح السوق التركية الفرصة أمام القادة الأفارقة لتنويع مصادر تسليحهم، إذ يتجاوز استيراد السلاح الجانب العملياتي إلى ارتباطه بالقدرة على حماية سيادة الدولة، ما يؤثر بشكل مباشر في توازنات القوة في العلاقة بين بين موردي السلاح ومستورديه.

ووفقاً لمعهد استوكهولم للسلام فإن تجارة المعدات العسكرية لطالما استخدمتها القوى الدولية المصدّرة لزيادة نفوذها في إفريقيا جنوب الصحراء، وهذا الواقع فرض نوعاً من التبعية لشروط القوى الاستعمارية السابقة للقارة الإفريقية، والتي شكلت عند خروجها منها الجيوش في الدول الناشئة واحتكرت تسليحها.

ويمكن إدراك خطورة هذا الجانب بالنظر إلى تجربة مالي مع فرنسا، حيث ظل الجيش المالي لأعوام ينادي بمده بالأسلحة والتقنيات الحديثة لمواجهة الإرهاب، في حين قابلت باريس هذه المطالب بالمماطلة المستمرة، ما أدى في النهاية إلى قيام الجيش المالي بانقلاب سيطر به على مقاليد السلطة، ودخلت على إثره علاقات باماكو وباريس في قطيعة غير مسبوقة.

توسيع مروحة الخيارات أمام الأفارقة يفتح لهم باب التخلص من الضغوط السياسية التي قد تترافق مع بعض عقود الأسلحة الغربية، حيث تقدمت أنقرة لتملأ الفراغ الذي أحدثه توقف ألمانيا عن تصدير السلاح إلى السنغال نتيجة لمشاركتها في حرب اليمن، واستوردت إثيوبيا من تركيا بما يقرب من 95 مليون دولار عام 2021 إثر امتناع الدول الغربية عن تسليحها في سياق ضغوطها على أديس أبابا على خلفية الحرب في إقليم تغراي الإثيوبي.

كما يدعم خيارَ التسليح التركي الترحيبُ الشعبي الواسع الذي تحظى به أنقرة في العديد من الدول الإفريقية، نتيجة لمشاريعها الإغاثية وخطابها المدافع عن حقوق العالم الثالث.

ويرى كثير من الأفارقة الذين تجمعهم قواسم مشتركة مع أنقرة أكثر من الصين وروسيا وأوروبا، تركيا طرفاً أقل استبداداً من الاتحاد الأوروبي أو فرنسا، وشريكاً له المصالح نفسها، وفقاً لورقة صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية المرموقة صيف 2021.

في المقابل تصاعد في السنوات الأخيرة مزاج إفريقي شعبي رافض للقوى الاستعمارية السابقة وسياساتها قبل وبعد نيل الدول الإفريقية لاستقلالها، حيث تواجه فرنسا، على سبيل المثال، صعوبات كبرى في الحفاظ على نفوذها ضمن مستعمراتها السابقة، في حين تتزايد المظاهرات الشعبية المطالبة بخروج قواتها من العديد من المناطق ولا سيما الساحل والغرب الإفريقي.

في المحصلة فإن التجربة التركية في سوق السلاح الإفريقية تؤكد قدرة القوى الصاعدة في النظام الدولي على اختراق احتكارات استمرت عقوداً طويلة، ما يدفع المورّدين المختلفين إلى العمل لزيادة الميزات التنافسية لصادراتهم العسكرية، ويصب في النهاية في مصلحة دول القارة السمراء.



TRT عربي