أمرت السلطات الروسية بإخلاء خيرسون من السكان المدنيين (Reuters)
تابعنا

دعت السلطات الروسية الحاكمة في خيرسون، الخميس، أهالي المدينة إلى مغادرتها تزامناً مع تقدم القوات الأوكرانية نحوها، والقصف الصاروخي والمدفعي الذي يتبع ذلك. ما يرجّح فرضية تحوّل المدينة في الأيام القليلة القادمة إلى منطقة اشتباك مفتوح، بين القوّتين المتحاربتين.

فيما تُعدّ هذه أوضح إشارة على إمكانية فقدان روسيا سيطرتها على الإقليم، الذي ضمته أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي، عبر استفتاء من جانب واحد، لقي إدانة دولية واسعة. وقبل شهر نصف تقريباً، أطلقت كييف هجوماً مضاداً في الجنوب، من أجل استرجاع المنطقة الاستراتيجية لدحر القوات الروسية عن أراضيها.

"خذوا أطفالكم وغادِروا!"

ودعا الحاكم الروسي لمنطقة خيرسون، فلاديمير سالدو، المدنيين في المدينة إلى حمل أطفالهم والمغادرة إلى مناطق روسية، عقب الهجمات الصاروخية اليومية التي تنفّذها القوات الأوكرانية مع تقدّمها. وقال سالدو في رسالة مصورة: "نقترح على جميع سكان خيرسون إذا رغبوا في حماية أنفسهم من عواقب الضربات الصاروخية... الذهاب إلى مناطق أخرى".

وحثّ المسؤول، الذي نصّبته روسيا زعيماً على المنطقة الأوكرانية، أن يشمل الإجلاء "في المقام الأول" سكان المناطق الواقعة على الضفة اليمنى لنهر دنيبر، حيث تتقدم قوات كييف، طالباً المساعدة من موسكو من أجل تيسير عملية النزوح تلك.

ومن جانبه، أيّد نائب رئيس الوزراء الروسي مارات خوسنولين، دعوات سالدو، مؤكداً بأن حكومة بلاده ستوفر الإمكانية اللازمة لإجلاء المدنيين من خيرسون. وقال خوسنولين في رسالة بثها التليفزيون الحكومي: "عقب نداء رئيس منطقة خيرسون في الاتحاد الروسي فلاديمير سالدو قررت الحكومة تنظيم عمليات مساعدة على مغادرة سكان المنطقة إلى مناطق أخرى في البلاد".

هذا وسيُنقل السكان إلى شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها موسكو في عام 2014، وإلى مناطق روستوف وكراسنودار وستافروبول في جنوب روسيا. وقال حاكم منطقة روستوف الروسية، فاسيلي غولوبيف، إن الدفعة الأولى من الأشخاص الذين سيجري إجلاؤهم من خيرسون ستصل إلى إقليمه يوم الجمعة، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الروسية الحكومية "تاس".

ماذا يحدث في خيرسون؟

تُعدّ هذه الدعوات لإجلاء المدنيين من خيرسون أحد أبرز الإشارات على تراجع السيطرة الروسية على الإقليم، الذي أعلنت ضمّه رغم الإدانات الدولية لذلك القرار، أمام التقدم الكبير للقوات الأوكرانية الطامحة لاسترداده.

وفي 29 أغسطس/آب الماضي، أعلن الجيش الأوكراني إطلاقه هجوماً مضاداً في الجنوب، بهدف دحر القوات الروسية إلى الجانب الشرقي من نهر دنيبر، واستعادة السيطرة على مدينة خيرسون الواقعة في قبضة الروس منذ الثاني من مارس/آذار المنصرم.

ونجحت قوات كييف في تحقيق تقدّم واسع في استرداد أراضي الإقليم. وفي 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إعادة تمركز قواتها في خيرسون، مع التشديد على أنها تتصدى بنجاح "لهجمات القوات المعادية". نجاح لا تأكده الخرائط التي نشرتها بعدها، والتي أظهرت انسحاب الروس من أجزاء كاملة في الإقليم.

وقالت القوات الأوكرانية، يوم الخميس، إنها استعادت السيطرة على خمس بلدات في خيرسون، تُضاف إلى 75 بلدة أخرى سيطرت عليها منذ بداية الهجوم المضاد. كما أكدت، الأسبوع الماضي، سيطرتها على أكثر من 400 كيلومتر مربع في سبعة أيام. وأفادت وسائل إعلام روسية، يوم الأربعاء، بتعرّض مدينة خيرسون لقصف صاروخي عنيف، تمهيداً لتقدّم الجيش الأوكراني نحوها.

ما أهمية استرداد خيرسون؟

زادت الأهمية الاستراتيجية والرمزية لخيرسون، بعد استفتاء ضمها إلى روسيا. حيث ستصبح، إذا ما نجحت أوكرانيا في استردادها، أول فشل لمخطط الضمّ الروسي، ما يمكن أن يمهد إلى سقوط المناطق الأخرى المماثلة لها، وصولاً إلى شبه جزيرة القرم، التي يُعدّ الإقليم المعبر البري الوحيد نحوها.

فيما بالنسبة للروس، تكمن أهمية المدينة الاستراتيجية في كونها تقع على مصبّ نهر دنيبر، ما يجعلها مصدراً رئيسياً للمياه العذبة نحو القرم ومناطق الجنوب الخاضعة للسيطرة الروسية. وتُعدّ كذلك نقطة ارتكاز أساسية في مساعيها للاستحواذ على أوديسا، حيث أهم ميناء تصدير أوكراني، وإتمام مهمة عزل البلاد عن كامل شريطها الساحلي.

هذا وشهدت خيرسون، وغيرها من المدن الأوكرانية التي بسطت روسيا سيطرتها عليها، عملية "ترويس" مكثف وطمس لمعالم السيادة الأوكرانية عليها. حيث أطلقت موسكو عملية تجنيس واسعة لسكان تلك المناطق، كما أنشأت نظاماً مصرفياً موازياً لنظيره الأوكراني، وغيّرت أنظمة البثّ التليفزيوني لتسمح للسكان بمشاهدة القنوات الروسية المشفرة.

وفي أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، أجرت موسكو استفتاءً لضمّ خيرسون لأراضيها. وهو الذي شارك فيه، بحسب المصادر الروسية، 50% من سكان الإقليم الذين صوتوا في أغلبيتهم على الانضمام لروسيا.

TRT عربي - وكالات