هل يستغلّ ماسك تويتر ليلعب أدواراً جيوسياسية؟ (AP) (Susan Walsh/AP)
تابعنا

في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشر الملياردير الأمريكي إيلون ماسك تغريدة اعتُبرت صادمة لكثيرين، إذ اقترح فيها "خطة سلام" لإنهاء الحرب في أوكرانيا، من خلال "استفتاءات تقرير مصير برعاية الأمم المتحدة" على الأراضي التي ضمّتها روسيا مؤخراً، دون شبه جزيرة القرم التي قال إنها "أراضٍ روسية تاريخية منذ 1783"، عارضاً هذه الخطة لتصويت متابعيه.

التغريدة جرّت عليه سخط الجانب الأوكراني، إذ ردّ الرئيس فولودومير زيلينسكي باستفتاء معاكس يتهم في أحد اختياراته ماسك بدعم روسيا. وغرَّد ميخائيلو بودولايك مستشار الرئيس الأوكراني بقوله: "إيلون ماسك، أنت تحلم باختراع الصواريخ الفضائية واستيطان المريخ، فيما توغل روسيا وتبدع في صنع محارق جثث متنقلة وتحلم بالقضاء على الأوكرانيين. كلا، إنها ليست مسألة تصويت".

وبين هذا وذاك تكشف تلك الحرب الكلامية اتساع رقعة التأثير التي بلغها إيلون ماسك، الذي يُعَدّ منذ بداية الحرب المزود الرئيسي لأوكرانيا بالإنترنت عبر شبكة "ستارلينك"، وتحوله من رجل أعمال إلى ديبلوماسي مؤهل -حسب تقديره- لإعطاء حلول للعلاقات الدولية المحتقنة، فيما يُرجَّح أن يزيد هذا التأثير مع استحواذه مؤخراً على شركة "تويتر".

لاعب جيوسياسي لحسابه الخاص

ويبرز هذا التأثير الجيوسياسي لإيلون ماسك أكثر على الأرض، عبر خدمة الإنترنت "ستارلينك" التي يقدّمها مجاناً لأوكرانيا، إذ لعبت هذه الشبكة دوراً محورياً هناك، مع إغلاق خدمات الإنترنت الأرضية وشبكات الهاتف المحمول، فتُستخدم بشكل واسع في الاتصالات الحكومية، كذلك في تنسيق العمل العسكري وتوجيه الصواريخ وجمع المعلومات على الأرض ونقلها بشكل أسرع.

وزودت "سبيس إكس" أوكرانيا بعديد من أجهزة استقبال "ستارلينك" منذ بداية الحرب، ويزيد طلب الجيش الأوكراني هذه الخدمة التي يعوّل عليها بشكل أساسي، وهو ما تقدم به لماسك ليزودهم بـ8 آلاف جهاز استقبال إضافي، حسبما كشفت وثائق اطّلعت عليها "CNN".

في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعثت شركة "سبيس إكس" إلى البنتاغون برسالة، تقول فيها الشركة إنها غير قادرة على الاستمرار في تحمل تكاليف خدمة الإنترنت المجاني التي تقدّمها لأوكرانيا، وهو ما تفاعل معه البنتاغون على مضض، ونقل موقع "بوليتيكو" عن مسؤولَين في وزارة الدفاع تأكيدهما أن الوزارة قررت الدفع من أجل خدمة الإنترنت في إطار مبادرة المساعدة الدفاعية لأوكرانيا.

وهو ما يدفع عدداً من المحللين إلى القول إن ماسك اكتسب تأثيراً جيوسياسياً مهمّاً، حتى "أصبح يتعدى في بعض الأحيان قدرات الدول" وفق موقع "أكسيوس" الأمريكي. ويورد الموقع نقلاً عن الخبيرة في سياسة الفضاء في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية كايتلين جونسون قولها: "لم تعد الدول وحدها القادرة على اتخاذ قرارات في ما يخصّ الفضاء".

تخوُّف بكين وموسكو

في مؤشرات أخرى على هذا التأثير، تظهر المخاوف الاستراتيجية التي أعربت عنها كل من الصين وروسيا إزاء شبكة ماسك للإنترنت، وهو ما نقلته جريدة "وول ستريت جورنال" على لسان مسؤول في الخارجية الروسية، بقوله إن بلاده مستعدة لاستهداف الأقمار الصناعية التجارية الأمريكية "إذا استُخدمت لمساعدة الجيش الأوكراني".

وفي مايو/ أيار الماضي أطلقت بكين نفس التهديدات، وذكرت دراسة منشورة على مجلة "Modern Defense Technology" الصينية المحكَّمة، شارك فيها خبراء من هيئات ومراكز حكومية، أن الصين "بحاجة إلى تطوير قدرات لتتبُّع ورصد، وإذا لزم الأمر تدمير، كل قمر صناعي لستارلينك".

وتواصل الحكومة الصينية ضغطها على ماسك لضمان عدم نشر خدمة "ستارلينك" على أراضيها، وهو ما كشفه الملياردير الأمريكي بنفسه، إذ قال إن الصينيين طلبوا منه تأكيدات بذلك. في المقابل تعتزم "سبيس إكس" التقدم بـ"طلب لاستثنائها من العقوبات المفروضة على إيران"، لنشر خدمة "ستارلينك" هناك، وفق ما أعلنه إيلون ماسك.

وبعد الاستحواذ على تويتر؟

تتضاعف المخاوف من لعب ماسك هذا الدور، عقب الإعلان الرسمي عن استحواذه على تويتر، الأمر الذي عبّر عنه ميخائيلو بودولايك مستشار الرئيس الأوكراني، بالسؤال: "تَجمَّد سكان تويتر تحسُّباً لعصر جديد... إيلون ماسك يعد بضمان تجربة لا تُنسى من الاعتدال غير المعهود (على المنصة). هل حصل طائر (تويتر) على حريته في النهاية، أم انتقل للتوّ إلى قفص جديد؟".

في هذا السياق رجّحَت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن تأثير ماسك سيزداد بعد استحواذه على تويتر، ويضاعف التأثير على إدارة محتوى المنصة، ومن الممكن أن تسقط رهينة آراء مالك "سبيس إكس" التي "يصعب فصلها عن مصالحه الاقتصادية الخاصة".

أما الخطوة التي يمكن أن يكون لها الوقع الأوسع، حسب مجلة "أتلانتيك" الأمريكية، فهي أن يبطل ماسك حظر تويتر للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، إذ سبق وأعرب عن أن "حظر ترمب لم يكن صحيحاً"، وتَعهَّد بإعادة الرئيس الأمريكي السابق إلى المنصة.

TRT عربي