مُسيّرات بيرقدار تقلق الدفاعات الروسية (Others)
تابعنا

ما زال التوتر الحاصل بين الغرب وروسيا ماضياً في مسار من التصعيد، يهدد بانفجار صِدام مسلّح، بحيث لم يعد يتمنّع طرفا النزاع من التلويح صراحة باللجوء إلى الحلّ العسكري في حال تخطّي أيّ منهما خطوط الآخر "الحمراء". هذه كانت فحوى خطاب الرئيس الروسي الأخير، إذ قال إن بلاده ستردّ "عسكرياً وتقنياً" إذا لم يخضع الغرب للشروط التي يُمليها في أوكرانيا.

وأردف بوتين في خطاب ألقاه خلال اجتماع موسّع لقيادة وزارة الدفاع الروسية، يوم الثلاثاء، أنه "في حال استمر التوجّه العدائي لزملائنا الغربيين، سوف نتخذ إجراءات الردّ الملائمة وسنردّ بقوة على الخطوات غير الصديقة". مشدداً على أنه "يجب أن يفهموا أنه ليس لدينا مكان لمزيد من التراجع".

روسيا، التي تواردت تقارير دولية عديدة عن حشدها عشرات الآلاف من قواتها على الحدود مع أوكرانيا، محذّرة من احتمال اجتياح مرتقب لأراضي الجمهورية المدعومة غربياً، أطلقت قبل أيام حملة دعائية ضد تسليح الجيش الأوكراني بطائرات "بيرقدار TB2" التركية، تقليلاً من القدرات الاستراتيجية لهذا السلاح المشهود له بالتفوق، محاولة رد الاعتبار لدفاعاتها الجوية إزاءه.

دعاية متناقضة تفضح القلق

هذا وقال نائب قائد قوات الدفاع الجوي في القوات الجوفضائية الروسية، يوري مورافكين، في تصريح بثّه التليفزيون الرسمي الروسي بأن مُسيّرات "بيرقدار TB2" التركية، نظراً لحجمها وسرعتها، تشكّل هدفاً سهلاً بالنسبة لنظام "بانتسير" الدفاعي الروسي. مضيفاً بأنه "ليس هناك أيّ صعوبة (في إسقاط "بيرقدار")، حتى إذا كان مستوى تدريب طاقم بانتسير عند درجة المقبول".

في حملة دعائية قُرأت بكثير من الاستغراب، كونها تُناقض الواقع الذي يوثّق تدمير عدد من منظومات "بانتسير" بضربات جوية نفّذتها "بيرقدار" خلال الحرب في ليبيا وسوريا وقره باغ، حيث ظهرت وقتها الدفاعات الجوية الروسية عاجزة عن صدّ التكنولوجيا العالية للسلاح التركي.

كما تُناقِض خطاب الكرملين ذات نفسه الذي اعترف شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بقلقه من بيع تركيا مُسيّرات "بيرقدار TB2" للجيش الأوكراني، قائلاً إنها تؤدّي إلى "إذكاء الصراع" في منطقة دونباس. وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أنه "في هذه الحالة، للأسف، تتحقق مخاوفنا من أن تصدير مثل هذه الأنواع من الأسلحة إلى العسكريين الأوروبيين من شأنه أن يؤدي إلى تقويض الاستقرار في خط التماس". ما وصفه المحلل الاستراتيجي الروسي ألكسندر نزاروف وقتها بأن "توريد الأسلحة التركية لأوكرانيا هو مصدر إزعاج قوي لموسكو".

في المقابل، قال تقرير لمجلة "نيوزويك" الأمريكية إن "روسيا تخشى مُسيّرات بيرقدار التركية أكثر مما تخشى السلاح الأمريكي". وأردف التقرير بأن المُسيّرة التركية "تهدد بتحويل مسار الحرب لصالح أوكرانيا في مواجهة روسيا". كما نقل عن مدير برنامج الأبحاث في برنامج دراسات روسيا، مايكل هوفمان، قوله إنّ "الطائرات التركية بدون طيار أثبتت فعاليتها، خاصة مع تكلفتها المنخفضة".

لماذا تُقلق "بيرقدار" دفاعات موسكو؟

هذا وأثبتت مُسيّرات "بيرقدار TB2" التركية كفاءتها في مسرح العمليات شرق أوكرانيا منذ أن تسلّم جيشها هذا السلاح في حرب ضد انفصاليي دونباس المسلحين روسياً. وسبق أن أعلن الجيش الأوكراني في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي تنفيذه ضربات ناجحة باستخدام المُسيّرة التركية دمّر بها مدفع "هويتزر D-30" الروسي.

كما أثبتت المُسيّرات قدراتها على قلب موازين القوى في الحروب التي خاضتها إلى الآن، حيث كانت أغلب الأطراف المعادية لها تحتمي بدفاعات روسية، في ليبيا كما في روسيا، اخترقت "بيرقدار TB2" بنجاح وتنفيذ المهمات القتالية المطلوبة منها, الأمر الذي منحها سمعة عالمية مرموقة بين مثيلاتها من الأسلحة. ونظراً لهذه القدرات استطاعت "بيرقدار" أن تشكّل تحدياً استراتيجياً لروسيا، بعد أن اجتذبت الدول الحليفة مع الغرب على حدودها.

على رأس هذه الدول كانت أوكرانيا التي تسلّمت أولى شحناتها من هذا السلاح شهر يوليو/تموز الماضي، واحتفت بها قائلة إنها "ستمنح الجيش الأوكراني القدرة على المراقبة وتأمين البحر الأسود وبحر آزوف، والقدرة على ضرب أهداف بحرية سطحية وبرية للعدو، بوسائل عالية الدقة". بل وسرعان ما أعلنت كييف أنها تخطّط لشراء 4 طائرات أخرى من نفس الطراز خلال عامَي 2021 و2022.

هذا وأعلن وزير الخارجية الأوكراني، ديميترو كوليبا، شهر سبتمبر/أيلول الماضي استعداد بلاده لإنتاج طائرات بيرقدار التركية على أراضيها، مؤكداً في معرِض حديثه عن تعميق العلاقات مع تركيا أن كييف لا تنوي شراء هذه المُسيّرات فحسب، بل تريد تصنيعها أيضاً و"سيجري إنشاء مصنع بيرقدار على أراضي أوكرانيا".

كما في يونيو/حزيران وقّعت بولندا وتركيا أول اتفاقية شراء مُسيّرات "بيرقدار TB2"، لتكون بذلك أول عضو في حلف الشمال الأطلسي يمتلك هذا السلاح بعد بلده المُصنّع. وصرّح وقتها وزير الخارجية البولندي، زبيغنيو راو، قائلاً: "أثق بأن هذه الطائرات ستزيد من قدرة الجيش البولندي والجناح الشرقي لحلف الناتو"، كونها "متطورة تقنياً وأثبتت فعاليتها في المعركة".

وفي نفس السياق، من المرجّح أن تلحق لاتفيا بركب الدول المسلحة بالمُسيّرات التركية. حيث زار وزير الدفاع اللاتفي، أرتيس بابريكس، مقرّ شركة "بايكار" المصنِّعة لـ"بيرقدار TB2" في إشارة إلى اهتمام بلاده بها, وصرّح بابريكس وقتها بأن الطائرات المُسيّرة هي النقطة "التي نوليها اهتماماً حالياً، وسنواصل الاهتمام بها كثيراً"، وأشار إلى أن "أنظمة الطائرات المُسيّرة تخلق عديداً من الخيارات الإضافية للاتفيا، وتسمح لنا حقاً بزيادة قدراتنا القتالية".

وعلى أساس هذا يتعالى القلق الاستراتيجي الروسي من المُسيّرات التركية، حيث تتمركز في نقاط ملاصقة لحدودها لدى جيوش سواء من حلف الناتو أو مدعومة منه. وبالتالي، تأكد ما أشار إليه عالِم السياسة الأمريكي فرانسيس فوكوياما على أن "استخدام أوكرانيا للطائرات المُسيّرة التركية بمثابة تغيير كامل لقواعد اللعبة".

سعراً وتكنولوجياً.. بيرقدار متفوقة

هذا وإذا ما قُورنت مُسيّرات "بيرقدار TB2" مع مثيلاتها الصينية والأمريكية والإسرائيلية، نجدها تتفوق من ناحية السعر عن تلك التي تُنتجها تلك الدول المهيمنة على سوق تصميم وتصنيع المُسيّرات المسلحة، حيث تأتي مُسيّرات "بيرقدار" في مرتبة متوسطة من حيث السعر، فهي أغلى سعراً من المُسيّرات الصينية وأقل سعراً إذا ما قورنت بالمُسيّرات الإسرائيلية والأمريكية.

مقابل ذلك فإن الصين لا تقدّم خدمة ما بعد البيع كما تفعل تركيا، لذلك فإن بكين تفقد خاصية جمع المعلومات من أرض الميدان، والتي قد تستخدمها لتطوير وتحسين منتجاتها، بعكس ما تفعله شركة "بايكار" التي تُجري العديد من التحسينات والتطويرات على مُسيّراتها بشكل دوري، الأمر الذي يمنحها الصدارة مقارنة بالمُسيّرات الأخرى.

وفي السياق ذاته، تعاني إسرائيل هي الأخرى من تسويق مُسيّراتها العسكرية إلى الدول الأوروبية، لأسباب عدة أهمها: ارتفاع سعرها، وفشلها في إثبات قدراتها الحربية في أثناء إجرائها لعمليات عسكرية على حدود غزة ولبنان، فضلاً عن احتياجها إلى تقنية عالية جداً من أجل تشغيلها وإصلاحها، بعكس التركية سهلة الاستخدام والتي أثبتت كفاءتها الحربية في أعتى ساحات المعارك في سوريا وليبيا وأذربيجان.

TRT عربي