تابعنا
يعود قرار الحظر إلى ما قبل 33 عاماً عندما فرضت الولايات المتحدة حظراً على توريد السلاح في عام 1987 لمنع حصول سباق تسلح بين القبارصة الأتراك والقبارصة الروم، ولدعم جهود توحيد الجزيرة

في مفارقة واضحة لدعوتها لتخفيف التوتر القائم بين تركيا واليونان قررت الولايات المتحدة رفع القيود المفروضة على "بيع سلع وخدمات دفاعية غير فتاكة" لجمهورية قبرص الرومية للسنة المالية القادمة بشكل مؤقت وجزئي.

وتكرست المفارقة بعدم اكتفاء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بإعلان هذا القرار بل أشار أيضاً إلى عمله على تعميق التعاون الأمني مع قبرص التي اعتبرها بومبيو شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة شرق البحر المتوسط. وهي خطوة كفيلة بزيادة التوتر الموجود أصلاً شرق المتوسط وزيادة صعوبة التوصل لحلول توافقية حول مستقبل قبرص.

ويعود قرار الحظر إلى ما قبل 33 عاماً عندما فرضت الولايات المتحدة حظراً على توريد السلاح في عام 1987 لمنع حصول سباق تسلح بين القبارصة الأتراك والقبارصة الروم، ولدعم جهود توحيد الجزيرة، وكانت تركيا قد تدخلت عسكرياً عام 1974 في إطار عملية "السلام" لحماية القبارصة الأتراك من الاعتداءات التي كانوا يتعرضون لها آنذاك.

لا يعد القرار مفاجئاً لأنقرة فقد وافق مجلس الشيوخ في ديسمبر/كانون الثاني من عام 2019 على قرار رفع الحظر على تزويد قبرص بالأسلحة بعد جهود قادها السيناتوران الديمقراطي روبرت ميندينيز، والجمهوري ماركو روبيو اللذان عبرا بصراحة أن هدفهما من هذه الجهود هو تشجيع التعاون المتنامي بين قبرص واليونان وإسرائيل. وقد جاءت موافقة مجلس الشيوخ مع جملة أخرى من الإجراءات الأخرى في سياق التوتر التركي الأمريكي.

على الفور انتقدت تركيا عبر بيان للخارجية التركية، القرار الأمريكي حيث قال البيان "إن القرار يُسمِّمُ جو السلام والاستقرار في المنطقة وهو منافٍ لروح التحالف بين البلدين"، كما لوحت أنقرة بأنها ستتخذ الخطوات الضرورية للرد على القرار الأمريكي".

من جهتها اعتبرت قبرص التركية القرار "خاطئاً ومخيباً للآمال". كما رد عدد من المسؤولين الأتراك على رأسهم نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، الذي قال إن قرار الولايات المتحدة رفع حظر السلاح عن الشطر الرومي لجزيرة قبرص، من شأنه زيادة خطر الاشتباك في المنطقة. وأن القرار تكرار للأخطاء التي ارتكبتها أوروبا في الجزيرة.

ويتضح أن انعكاسات هذا القرار تتجاوز التأثير على سباق التسلح في قبرص من جديد إلى زيادة التوتر القائم شرق المتوسط وإلى التأثير السلبي في العلاقات التركية الأمريكية، وعلاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي وبالطبع تزايد التصدع بين تركيا والناتو.

ومع محاولة تركيا التصرف بتوازن من خلال دعوتها الولايات المتحدة إلى مراجعة القرار ودعم الجهود الرامية لتأسيس السلام والاستقرار لم تستطع تركيا أن تكتم استياءها الشديد حيث هددت باتخاذ خطوات مماثلة، بصفتها دولة ضامنة للسلام في الجزيرة وبأمن القبارصة الأتراك وبما يتوافق مع مسؤولياتها القانونية والتاريخية.

أما بخصوص الموقف الأمريكي في هذا التوقيت فهناك العديد من الدوافع التي يمكن استحضارها في سياق القرار الأمريكي، فمن جهة تدرك تركيا أن الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات حاسمة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، كما تدرك حالة التناقضات بين المؤسسات الأمريكية والتي يمكن أن تتزايد في سياق الانتخابات، ولكن من جهة أخرى، وهو الأخطر، أن هناك نظرة استراتيجية جديدة لدى الولايات المتحدة فيما يتعلق بجبهة شرق المتوسط التي تضم عدة دول وتستثني تركيا.

وفي هذا السياق يُعتقد أن هذا الموقف الأمريكي يتماشى مع التغيير في استراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع تركيا وقد قال الباحث التركي عبدالله آغير في مقابلة مع تلفزيون إي خبر التركي أن القرار الأمريكي برفع الحظر عن قبرص مرتبط أيضاً بتجهيزات الولايات المتحدة لإنشاء قاعدة عسكرية في اليونان في مدينة إليكساندرو بولي اليونانية أو ديده أغاتش بالتركي.

كما ينسجم مع هذه القراءة ما قاله عضو الكونجرس الأمريكي ميندينيز في سياق تعليقه على قرار رفع الحظر عن قبرص الرومية "أن مصلحة واشنطن الأمنية والاقتصادية تقتضي رفع قيود تعود لعقود ولم تعد صالحة ولا تساعد الأهداف الأمنية الأمريكية".

وأيضا يتسق مع هذا أن قرار رفع الحظر جاء مؤقتاً ومحدداً بسنة واحدة ويعتقد أن في هذا رسالة للطرف القبرصي أيضا لتجنب التواصل مع روسيا بل إن القانون الجديد "يقضي للولايات المتحدة بوضع قيود على بعض التقنيات الحسّاسة في قبرص إلى أن تمنع الجزيرة السفن الحربية الروسية من الوصول إلى موانئها للتزود بالوقود والخدمات".

من جانب آخر وبالنظر إلى وصول الطائرات العسكرية الفرنسية إلى قبرص الشهر الماضي فقد تكون هناك نظرة تجارية لدى واشنطن وتريد تحقيق مكاسب من خلال الصفقات العسكرية مع قبرص، وتقول الأكاديمية نورشين غوناي في حوار مع تلفزيون 24 إنه مع أخذ هذا الجانب بالاعتبار إلا أن أهميته قليلة نسبيًا، ويبقى الجانب الاستراتيجي هو الأخطر والذي يمكن أن يؤثر على توازنات المنطقة وحتى على التوزانات داخل أوروبا نفسها حيث إن واشنطن تحاول إصلاح أخطائها خلال أكثر من عقد من الزمان والتي سمحت لروسيا بالحضور في المنطقة سواء في سوريا أو ليبيا، وتعمل واشنطن على ذلك من خلال طوق من التحالفات تضم اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر.

وفي حال أظهرت الولايات المتحدة مزيداً من الإشارات على موقف أقرب لليونان وللأطراف المنافسة لتركيا في المنطقة، وخطت خطوات عملية فسوف يؤدي هذا الأمر على الأرجح إلى مزيد من التقارب التركي الروسي، وقد يسرّع من تفعيل تركيا لمنظومة S-400 التي أجّلت تفعيلها منذ أكثر من عام لتجنب حدوث توتر مع واشنطن، وقد تزيد وتيرة التقارب بين أنقرة وموسكو في حال فوز المرشح الديمقراطي بايدن.

وبالطبع تزيد هذه التطورات من التعقيدات التي تواجهها تركيا في شرق المتوسط، وكما قال الباحث في مركز سيتا مراد أصلان في حديثه مع TRT عربي "فإن تركيا تواجه صعوبات وتعقيدات في متابعة سياستها الخارجية بسبب الديناميات الكثيرة التي تحدث بسرعة وبكثافة ولهذا لابد من اجتراح أدوات جديدة في التعامل معها لتحقيق المصالح التركية" .

يبدو أن تركيا تفضل الحلول الدبلوماسية لكنها هذه المرة أكثر استعداداً للمواجهة من ذي قبل ويتضح هذا عند النظر إلى التعبئة التي يقوم بها وزير الدفاع التركي خلوصي أقار والذي كان آخر تصريحاته "لن نتسامح مع أي انتهاك ولو بسيط بحق بلدنا وشعبنا وإخواننا في قبرص، وسنستمر في حماية مصالح دولتنا".

TRT عربي