تابعنا
إلى جانب التوغل العسكري الذي أحرزته والهيمنة الاقتصادية التي حققتها طوال سنوات الحرب، يبدو أن المليشيات الإيرانية تتجه بخطى حثيثة ضمن السياسة الإيرانية، لتأسيس موطئ قدم طويل الأمد في سوريا، عبر البوابة الثقافية والاجتماعية.

خدمة لمخططها الإقليمي، قدمت طهران منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، مختلف أنواع الدعم العسكري والمادي اللازمين للنظام السوري لإخماد الاحتجاجات.

ومع احتدام التوترات عام 2013، شكّلت إيران مليشيات مسلحة جندت فيها أبناء الطائفة الشيعية السورية واستقدمت مجندين من دول أخرى، لمساندة جيش النظام في معركته، التي تورط فيها بحجم كبير من الدمار وقُتل فيها آلاف من المدنيين من أبناء الشعب السوري، في جريمة إنسانية فظيعة، أدانتها القوى والمنظمات الدولية، وقررت على أثرها فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على نظام بشار الأسد.

وباعتبار أن مآلات الحروب وخارطة التحالفات الدولية والإقليمية، لا يمكن دائماً الجزم فيها، قررت إيران تأسيس نفوذ وهيمنة مستقبلية تضمن بقاءها لأمد طويل في سوريا، بعيداً عن المعادلة العسكرية والاقتصادية التي تمكنت عبرها من إحكام قبضتها على سوريا، فبنت على ذلك باختراق عديد من الفضاءات الثقافية والاجتماعية، بالاستعانة بمليشياتها الموجودة على الأرض.

تمدُّد شيعي في دير الزور

انطلاقاً من أهميتها الاستراتيجية ضمن مخطط التوسع الإيراني في المنطقة، سعت طهران لترويج مذهبها الشيعي ونشره في مختلف الفضاءات في سوريا، علناً أو بمخططات ضمنية، باستخدام مليشياتها المنتشرة في مناطق مختلفة من التراب السوري.

ورصد ناشطون وإعلاميون في هذا الإطار، خلال السنوات الأخيرة، عديداً من مظاهر التشيع في مختلف المحافظات والمناطق السورية، الواقعة تحت سيطرة النظام.

وكانت دير الزور آخر هذه المحافظات التي شهدت تمدداً إيرانياً وشيعياً واضحاً، فبعد أن نجحت المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في تموضعها العسكري في المدينة، عبر السيطرة على عديد من منازل المدنيين وتحويل كلية التربية ومعهد الحاسوب في المدينة إلى ثكنات عسكرية، فرضت إثر ذلك رفع الأذان على المذهب الشيعي، وغيرت كذلك اسم "مسجد الفاروق عمر" الواقع في بلدة محكان في الريف الشرقي لدير الزور، إلى "مسجد محكان الكبير"، وهددت باعتقال الأئمة والمؤذنين والمدنيين الذين يعارضون القرار.

كما جددت المليشيات الإيرانية التي تتمركز في المدينة، في وقت سابق مقابر قديمة وأضرحة وحسينيات، ورفعت عليها رايات مذهبية، وغيرت مختلف مساجد المدينة التي تحمل أسماء الخلفاء أبو بكر وعثمان وعلي، انطلاقاً من عقيدتها الشيعية، كما يؤكد ناشطون من دير الزور.

غزو ثقافي واجتماعي إيراني

إن حقيقة ما يحدث في محافظة دير الزور تُعتبر أحد التمظهرات الواضحة للتمدد الإيراني في سوريا، التي شهدت بقية المحافظات والمناطق السورية حوادث شبيهة لها.

فسياسة تغيير أسماء المساجد واستحداث الأضرحة والحسينيات، ليست بالأمر الجديد الذي تفعله مليشيات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، إذ فعلت ذلك في محافظتَي حلب ودمشق.

وفي هذا السياق تحدثت عديد من المصادر الإعلامية عن افتتاح المليشيات ما يقارب 7 حسينيات ومركزاً ثقافياً إيرانياً في مدينة حلب منذ إعلان السيطرة عليها، لنشر المذهب الشيعي الإيراني.

ولم تتوقف إيران عند ذلك الحدّ، بل اخترقت المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها، محاولة استدراج الشباب واليافعين والعمل على كسب ولائهم، وللترويج للمشروع الإيراني. وافتتحت بذلك أكثر من 40 مدرسة شيعية خاصة ومراكز ثقافية تعلّم اللغة الفارسية، تتركز أساساً في العاصمة السورية دشق.

وأنشأت كذلك عشرات المدارس الشرعية المرخصة في مدن متفرقة تقع تحت سيطرة النظام، خصوصاً بمدينة طرطوس واللاذقية، وعيّنت منحاً ومكافآت مالية للطلاب، مستغلة تردِّي الأوضاع الاقتصادية السورية، للضغط على الأهالي واستدراجهم لقَبول إرسالهم إلى هذه المدارس، وبالتالي تنجح في ترويج ثقافتها ومذهبها العقدي. كما افتتحت عديداً من الجامعات والكليات الإيرانية لاستقطاب الشباب.

على الصعيد ذاته، يعتبر خبراء ومحللون أن قرار الرئيس السوري بشار الأسد أيضاً إلغاء منصب المفتي العامّ مؤخراً، وإحالة مهامِّه إلى المجمع العلمي الفقهي المتعدد الطوائف، ينضوي في نفس إطار التمدد الشيعي، ويُخفي في طياته مخططاً لإعادة رسم المشهد الديني في سوريا وضرب الهوية السُّنية السورية، وسيراً بسوريا نحو مخطط "الوليّ الفقيه".

TRT عربي