"رحلة صعبة إلى بكين".. ما الذي يريده المستشار الألماني من الصين؟ / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

هي أول زيارة لزعيم أوروبي وقائد دولة من مجموعة السبعة للصين منذ أزمة كورونا، تلك التي قادها المستشار الألماني أولاف شولتز الجمعة وسط انتقادات غربية واسعة بأنه "يكرر خطأ ميركل بتعزيز العلاقات السياسية مع روسيا"، فيما رد شولتز على الانتقادات بأن "على أوروبا نهج سياسة جديدة مع الصين".

سياسات جديدة ذات أساس اقتصادي بدرجة أولى، يرجح مراقبون، معللين ذلك بالتوقيت الذي تأتي فيه الزيارة الحالية وتزامنها مع خطر الركود الواسع الذي يهدد الاقتصاد الألماني لارتفاع التضخم جراء أزمة الطاقة. ما يجعلهم شبه مجمعين على أن شولتز حل ببكين آملاً طوق نجاة عنوانه "الاستثمارات الصينية".

شولتز في بكين

استقبل الرئيس الصيني شي جينبينغ الجمعة في بكين المستشار الألماني أولاف شولتز مصحوباً بوفد من كبار رجال الأعمال والمستثمرين الألمان، من بينهم الرؤساء التنفيذيون لـ"دويتش بانك" وشركة الصناعات التكنولوجية "سيمنز" وعملاق صناعة السيارات "بي إم دابليو".

وبعد جولة المباحثات التي جمعت الزعيمين قال الرئيس الصيني إن زيارة شولتز لبكين "تعزز التعاون العملي" مع ألمانيا. ومن جهته أبلغ المستشار الألماني الرئيس الصيني بأنه يرغب بـ"زيادة تطوير" التعاون الاقتصادي مع الصين رغم "وجهات النظر المختلفة" بين البلدين.

وشدَّد المستشار الألماني في حديثه لشي جين بنغ على أنه "نريد أيضاً أن نناقش كيف يمكننا تطوير تعاوننا (...) في مواضيع أخرى: تغير المناخ والأمن الغذائي والدول المثقلة بالديون".

هذا واعتبرت الخارجية الصينية هذه الزيارة بمثابة "كبح التوجه الأوروبي المتشدد ضد الصين". وفي وقت سابق الخميس قال المتحدث باسم الوزارة تشاو ليجيان إن "نصف القرن الماضي من التبادلات والتعاون بشكل كامل أظهر أن الصين وألمانيا لديهما أرضية مشتركة أكثر من الخلافات، وإن التعاون يفوق المنافسة كثيراً، ونحن شركاء ولسنا منافسين. وقد استفاد كلا الجانبين من التنمية والتعاون العملي".

توجه شولتز السياسي الجديد تجاه الصين

فيما تأتي الزيارة بالتزامن مع دعوة شولتز إلى "توجه سياسي جديد مع الصين". وهو ما عبر عنه الخميس في مقال على موقع "بوليتيكو" الأمريكي قال فيه إن مخرجات مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني (الحاكم) قبل أسبوعين "أقنعته بأن تغيير السياسة تجاه الصين ضروري".

وشدد شولتز على أن زيارته للصين تأتي في سياق مرور وقت طويل منذ آخر لقاء لزعيم أوروبي مع نظيره الصيني بحيث "أصبح الحوار المباشر أكثر ضرورة"، كما أن "العلاقات الاقتصادية (مع بكين) لم تعد خياراً" في ظل المشاكل الاقتصادية التي تعيشها القارة جراء الحرب في أوكرانيا، وأزمة الطاقة التي تجر الاقتصادات الأوروبية نحو الركود.

وتقوم استراتيجية الصين الاقتصادية على تقوية السوق المحلية وتقليل التبعية للدول الأخرى، وهو ما يؤكده خطاب لشي جين بينغ أواخر عام 2020، تحدث فيه عن استخدام التقنيات الصينية "لتشديد اعتماد سلاسل الإنتاج الدولية على الصين". وفي هذا الخصوص أوضح المستشار الألماني: "نحن نأخذ مثل هذه التصريحات على محمل الجد، وبالتالي سنفكك التبعيات أحادية الجانب لصالح التنويع الذكي، الأمر الذي يتطلب الحكمة والبراغماتية".

وضمانةً لمنتقديه بأنه "يلقي بالاقتصاد الألماني بين فكي التنين الصيني" قدَّم شولتز خطة لما سمَّاه "مكافحة التبعية الأحادية"، وذلك بحسر التعاون على المواد "التي لا يوجد فيها نقص في الموردين البديلين ولا يوجد فيها خطر الاحتكارات الخطرة"، وهو ما يعود بالفائدة على "الصين وأوروبا على حد سواء".

مضيفاً أنه "مع الاستثمار الصيني في ألمانيا سنحرص على التدقيق مع هذه الشركات فيما إذا كانت تؤدي إلى تفاقم التبعيات المحفوفة بالمخاطر، وعلى أساسه يمكن تحديد موقفنا إزاءها". هذا قبل أن يحض أوروبا بالقول: "تنويع وتعزيز قدرتنا على الصمود، بدلاً من الحمائية والانسحاب إلى سوقنا، هذا هو موقفنا في ألمانيا وفي الاتحاد الأوروبي".

انتقادات داخلية وخارجية

وأعطت الحكومة الألمانية أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي الضوء الأخضر للمضي قدماً في الصفقة الصينية للاستحواذ على 24.9% من حصة "HHLA" في إحدى محطات حاويات ميناء هامبورغ. رغم معارضة وزير الاقتصاد روبيرت هايبك لهذه الخطوة وتنديد وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك بهذه الخطوة التي "قد تضع البلاد تحت طائلة الابتزاز الصيني".

وحذَّر الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي يقود زيارة إلى كييف في هذه الأثناء من الصفقة بالقول: "علينا أن نتعلم من الدروس وأن نتعلم الدرس يعني أنه يتعين علينا تقليل التبعيات أحادية الجانب كلما كان ذلك ممكناً، وهذا ينطبق على الصين على وجه الخصوص".

وعلى الجانب الأوروبي عقب قمة الـ27 شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي ناشد رئيس الوزراء الإيطالي المنتهية ولايته ماريو دراجي الزعماء الأوروبيين: "يجب ألا نكرر حقيقة أننا كنا غير مبالين ومتسامحين وسطحيين في علاقاتنا مع روسيا". وأضاف في تلميح لنظيره الألماني: "تلك التي تبدو علاقات تجارية هي جزء من الاتجاه العام للنظام الصيني، لذا يجب معاملتها على هذا النحو".

TRT عربي