الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني و الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء لقاءهما في العاصمة القطرية الدوحة  (AA)
تابعنا

لفتت زيارة من يوم واحد أجريت الخميس، وتخللها اجتماع مدته 3 ساعات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد في الدوحة، الأنظار مرة أخرى إلى نوع جديد من العلاقات الثنائية الصاعدة في المنطقة، إذ تسير العلاقات بين البلدين منذ 2014 تحديداً، في مسار تصاعدي ملحوظ.

وتتميز علاقات البلدين بأنها أقرب إلى نبض شعوب المنطقة، إذ دعمتا المطالب الشعبية في 2011، والحكومات المنبثقة عنها في مصر وتونس وليبيا وغيرها، كما يتجاوب البلدان مع قضايا المنطقة بإيجابية عالية على الرغم من وجود تحديات أمامهما، وأثبتت علاقاتهما أنها تختلف عن بقية العلاقات الثنائية سواء فيما بين دول المنطقة نفسها أو بين دول المنطقة والدول الكبرى التي تمارس أدواراً كبيرة إقليمياً سواء روسيا أو الولايات المتحدة.

للمزيد حول الموضوع، يمكنك قراءة:

ليبيا بين الدعم التركي والتحركات الأوروبية

وكما يقول البروفيسور كمال إنات من جامعة سقاريه في حوار خاص مع TRT عربي، بأن "علاقات تركيا وقطر مع القوى الأخرى تختلف عن علاقات بقية دول المنطقة مع القوى الكبرى، إذ إن علاقات أنقرة والدوحة تقدم مصلحة البلدين ومصالح المنطقة، في حين أن علاقات دول أخرى في المنطقة إما تقدم مصالح النخبة الحاكمة وإما مصالح القوى الكبرى على المصالح الحقيقية لشعوبها".

وعلى الجانب القطري جاء مانشيت صحيفة العرب القطرية في كلمة التحرير الرئيسية في عددها الصادر بعد يوم من الزيارة، مشيراً إلى معاني تميز العلاقة من حيث مجال المصلحة، إذ كان العنوان هو "تركيا وقطر.. توظيف الشراكة لصالح الشعوب".

وأضافت الصحيفة: "عكَس اللقاء أن قطر وتركيا تخطوان باستمرار في طريق علاقة قوية لخدمة مصالح الشعبين، والعمل سوياً بهدف إحلال الاستقرار في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، إذ بُحثت العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والسبل الكفيلة بدعمها وتعزيزها في شتى المجالات، لا سيما ما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري والطاقة والدفاع، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين".

ويمكن الاستدلال هنا بما قالته لولوة الخاطر مساعدة وزير الخارجية القطري والمتحدثة الرسمية للوزارة: "إن كلاً من قطر وتركيا ترفضان صراحة خطة الضم الإسرائيلية لأراضٍ من الضفة الغربية". ويأتي هذا في ظل مواقف إقليمية باهتة أو متواطئة مع خطة الضم الإسرائيلية.

تتميز الزيارة الحالية بأنها تأتي بعد انتصارات حكومة الوفاق الوطني الليبية التي دعمتها تركيا بشكل قوي بعد توقيع مذكرتَي تفاهم إحداها في المجال البحري والأخرى في المجال الأمني والدفاعي معها في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

إذ قلبت تركيا معادلة التوازنات، فبعد أن كانت مليشيات خليفة حفتر التي تتلقى دعماً متعدداً تحاصر العاصمة الليبية طرابلس، أصبحت في وضع دفاعي عن سرت بعد الفرار من طرابلس وترهونة ومحيطهما، وقد كانت قطر أيضاً داعمة لشرعية حكومة الوفاق المعترف بها من الشعب الليبي التي جاءت بعد اتفاق وطني في 2015.

ولهذا، فإن الزيارة تحمل في طياتها رسالة مهمة هي أن العلاقة والتعاون بين أنقرة والدوحة يسجلان نجاحات في المنطقة التي تتميز بوتيرة عالية من التنافس والصراع.

وبالطبع قبل الحديث عن دعم الحلفاء، وقف البلدان بعضهما مع البعض في محطات مختلفة، وتشير الزيارة التي كانت الدوحة وجهتها وهي الأولى إلى الرئيس رجب طيب أردوغان خارج البلاد منذ بدء أزمة كورونا مطلع عام 2020، إلى عمق العلاقات بين البلدين.

وفي سياق أزمة كورونا التي يُعتبر التحدي الأساسي فيها تحدياً اقتصادياً في ظل تدابير الإغلاق التي لجأت إليها البلدان، فمن الطبيعي أن تتضمن أجندة الزيارة أن يكون على رأسها بحث سبل التعاون في المجال الاقتصادي، ولعل إحدى الاتفاقيات التي جرى توقيعها بين البلدين خلال الزيارة هي مذكرة تعديلية على الاتفاقية المتعلقة بترتيبات تبادل العملات الثنائية (الليرة التركية والريال القطري) بين البنك المركزي التركي ومصرف قطر المركزي.

كما جرى توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة مركز قطر للمال ومكتب التمويل التابع لرئاسة الجمهورية التركية، وجرى توقيع اتفاقية بشأن التعاون الصناعي والتكنولوجي، ومذكرات تفاهم في مجال الاستثمار ومجال التخطيط المدني، وإعلان نوايا مشتركة لإنشاء مختبر لتسهيل التجارة وتعزيز حماية المستهلك.

وهنا يمكن القول بأن الاستثمارات القطرية في تركيا تختلف عن بقية الاستثمارات الأخرى الأجنبية، الاستثمار القطري جاء في أوقات الحاجة إليه وتحديداً عند الأزمات، سواء في أزمة الليرة في 2018 أو خلال أزمة كورونا، ولعل النقطة الثانية هي أن الاستثمارات القطرية تكون في مجالات استراتيجية بالنسبة إلى تركيا سواء في القطاع الصناعي العسكري أو غيره.

وعلى الجانب الآخر فإن الدعم الاستراتيجي التركي لقطر خلال حصارها يختلف عن أي دعم آخر فرنسي أو أمريكي، وذلك ما أثبته الرئيس دونالد ترامب عندما بدا مؤيداً لحصار قطر في بدايته.

يحمل توقيت الزيارة العديد من المعاني، إذ تأتي قبل أيام من الذكرى الرابعة للمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في 15 يوليو/تموز 2016، التي كان أمير قطر أول زعيم يتصل بالرئيس أردوغان في ليلتها ويعلن دعمه له حتى قبل أن تتبين نتائج المحاولة الانقلابية.

كما أن الزيارة تأتي أيضاً بعد أيام من الذكرى السابعة لتولي الشيخ تميم بن حمد إمارة قطر خلفاً لوالده في 25 يونيو/حزيران 2013. وبعد مرور 3 سنوات على حصار قطر من جيرانها الذي ساندتها فيه تركيا بشكل قوي في أكثر من مجال، مما ساهم في تخطيها لآثار الحصار المفروض عليها.

لا يمكن ونحن نتحدث عن العلاقة بين تركيا وقطر أن نغفل عن العلاقات المميزة بين قيادة البلدين، إذ إن تصورات الزعماء بعضهما للبعض ورؤاهما لمستقبل المنطقة تلعب دوراً كبيراً في تقوية علاقات البلدين وتقاربهما، كما تفعل التغيرات النظامية الإقليمية والدولية التي تجعل البلدين يحتاجان إلى التعاون والشراكة. وهنا يمكن القول بأن دراسة تاريخ علاقة البلدين منذ 2011 حتى 2020، تشير إلى أن العلاقات بين البلدين سوف تتعمق وأن الشراكة سوف تتوسع من شراكة استراتيجية إلى شراكة استراتيجية شاملة، كما جاء في إحدى تصريحات وزير الخارجية القطري نهاية 2019.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي