(Onayli Kisi/Kurum/AA)
تابعنا

لفتت الاجتماعات الأخيرة واللقاءات التي جمعت بشكل علني أو سري مسؤوليين إيرانيين ومسؤولين من عدة عواصم خليجية انتباه الرأي العام، وأثارت العديد من الأسئلة عما إذا كانت هذه البلدان تعتزم في واقع الأمر تجاوز الخلافات بينها وترميم العلاقات المتصدعة منذ سنوات، وعن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا التقارب المثير للجدل.

وأعلنت مؤخراً بعض بلدان الخليج عزمها طي صفحة الخلاف و"فتح صفحة جديدة" في العلاقات بينها وبين إيران، فيما تستمر المفاوضات في الوقت ذاته مع عواصم أخرى كالرياض التي تعد أحد أهم أقطاب بلدان مجلس التعاون الخليجي، والتي يبدو أن موقفها من الصراع بدأ يتغير نوعاً ما منذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم، كما أشار إلى ذلك محللون.

العلاقات الإيرانية-الخليجية.. تاريخ من الصراع

على الرغم من أنها الدولة المتاخمة لبلدان التعاون الخليجي على طول الضفة الشرقية فإن هذا الجوار كان أحد أهم مسببات الخلاف والنزاع بين إيران وعدة عواصم خليجية، إذ عرفت العلاقة بين هذه البلدان عدة توترات على مر التاريخ بسبب النزاع على الحدود البحرية والثروات الطبيعية التي تزخر بها هذه المناطق من نفط وغاز.

وكان من بين هذه النزاعات الصراع المحتدم على حقل "الدرة" النفطي الواقع في المنطقة البحرية المشتركة بين السعودية والكويت وإيران، والتي تدعي دولة الكويت أن إيران تسعى للسيطرة عليه منفردة والاستحواذ على ما فيه. وأدى ذلك إلى خلاف شديد مهَّد لأزمات لاحقة بين هذه البلدان.

وعلى الصعيد ذاته أدى إعلان البحرية الإيرانية أيضاً عام 1972 سيطرتها على الجزر الثلاث الإماراتية التي تقع في مضيق هرمز، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، إلى صراع لا يزال مستمراً حتى اليوم من دون أي بوادر لحل محتمل بين البلدين حول هذه القضية الشائكة.

وتشير مصادر وتحليلات إلى أن تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 كان يهدف بالأساس إلى حماية أعضائه مما اعتبروه "طموحات" إيران في التوسع الإقليمي ومساعيها في تصدير مبادئ "الثورة الإسلامية" التي اندلعت عام 1979 إلى البلدان الخليجية المجاورة.

ومنذ ذلك الوقت اتسمت العلاقات بين هذه الأطراف بالتوتر والحدة، حتى اندلعت الحرب في اليمن وقررت حينها إيران دعم جماعة الحوثي الانقلابية، فيما شكلت بلدان التعاون الخليجي عام 2015 بقيادة المملكة العربية السعودية تحالفاً عربياً للدفاع عن "الشرعية" في اليمن ومحاربة جماعة الحوثي. وبدأ الصراع بين إيران والعواصم الخليجية يأخذ منحى آخر واشتد التصعيد بينها.

وكانت البحرين قد تحدثت في السياق ذاته عن وجود صلات قوية بين طهران ومنفذي التفجير الإرهابي في قرية "كرانة" خلال شهر أغسطس/آب 2015. لتتخذ موقفاً مما اعتبتره استهدافاً مباشراً وتهديداً لأمنها من قبل الجانب الإيراني.

ومع مهاجمة مجموعة من الإيرانيين للسفارة السعودية في طهران وإضرام النار فيها احتجاجاً على إعدام السلطات السعودية حينها رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر قررت السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران، وذلك منذ يناير/كانون الثاني 2016.

وبينما بدأت العلاقات الإيرانية-الخليجية تدخل منعرجاً خطيراً وشهدت في بعض الأحيان مواجهات شديدة بينها، على غرار الهجوم الذي تعرضت له ناقلات النفط الأربع قبالة السواحل الإماراتية في مايو/أيار 2019 الذي وجهت فيه الرياض حينها الاتهام إلى طهران، قررت بعض العواصم الخليجية في المقابل خفض التصعيد مخافة الانزلاق في مزيد من الحروب، ومخافة مآلات الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى الذي يناقش مؤخراً في فيينا وتخاف دول مجلس التعاون الخليجي أن تدفع ثمنه باهظاً في المستقبل، إضافة إلى تقديم المصلحة على حساب الخلاف السياسي. فرجح الكثيرون بالتالي وجود بوادر مصالحة تاريخية تلوح في الأفق بين أقطاب الخليج.

هل من طريق إلى الصلح؟

استدعت زيارة علي باقري نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية مؤخراً لعدة عواصم خليجية الانتباه، بخاصة بعد أن أعقبتها تصريحات لعدة مسؤولين خليجيين يعلنون فيها تجاوز بلدانهم الخلاف مع إيران والسعي لتعزيز التعاون بينها.

وكان من بين هذه البلدان الإمارات التي بدأت منذ 2019 إجراء محادثات ومفاوضات مع إيران، أدت إلى انسحابها من التحالف العربي الذي تقوده السعودية لمحاربة جماعة الحوثي في اليمن. ثم أعلنت لاحقاً في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي، سعيها لتجاوز الخلاف وتعزيز العلاقات مع إيران على أساس حسن الجوار والاحترام المتبادل في إطار المصالح المشتركة، وأكدت بدورها طهران على لسان باقري آنذاك فتحها فصلاً جديداً في العلاقات مع أبو ظبي.

ويرى خبراء ومحللون أن المصلحة الاقتصادية المشتركة بين البلدين قد تغلبت في النهاية على عمق الخلاف السياسي، فقيمة التبادل التجاري بين البلدين عام 2017 قُدرت بنحو 11 مليار دولار. فيما تتراوح ثروة الجالية الإيرانية في الإمارات ما بين 20% و30% من حجم ثروة الأصول المادية في الإمارات. إلى جانب العديد من التبادلات والعلاقات الاقتصادية المتينة التي يحتاج البلدان إلى تعزيزها اليوم في ظل الظروف الراهنة.

وبينما بدأت العلاقات تشهد نوعاً من الهدوء بين إيران ودول خليجية كالكويت وقطر وغيرها، لا تزال العلاقة مع السعودية أحد أهم أقطاب الخليج لم تعرف استقراراً بعد.

وقد تدخلت بعض الأطراف في الوساطة وجمع الطرفين على طاولة الحوار، وكان من بين هذه الأطراف العراق التي نظمت لقاءات ومحادثات مكوكية في أبريل/نيسان الماضي للتقريب بين وجهتَي نظر البلدين اللذين يقفان على طرفَي نقيض والوصول إلى اتفاق بينها في عدة ملفات.

وتُوجت آنذاك اللقاءات في بغداد بموافقة البلدين على خفض حدة التوتر بينهما واستئناف العلاقات التجارية والدبلوماسية. إذ كانت تربط الرياض وطهران علاقات اقتصادية متينة، فقد كانت قيمة التبادل التجاري بين البلدين تلامس 500 مليون دولار سنوياً قبل أن يحتد الخلاف بينهما.

وكان قد صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في وقت سابق قائلاً: "إيران دولة جارة، ونطمح أن تكون لدينا علاقات مميزة معها.. نريد إيران دولة مزدهرة".

ومن جانبها فإن إيران تسعى أيضاً عبر هذا الصلح ذي الأبعاد الاقتصادية أساساً إلى الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي تضيق عليها الخناق منذ فترة طويلة وتعوق فرصها في التطور والنمو.

ولكن في الوقت ذاته يؤكد خبراء ومحللون أن هذه المحادثات لا تزال بالنسبة إلى السعودية مجرد محادثات استكشافية تدعي فيها أنها تختبر جدية إيران في الصلح. فالملف اليمني واستمرار تلقي الحوثيين الدعم من إيران يمثل حجرة عثرة أمام الصلح المحتمل بينها.

وكان مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي قد صرح في هذا الإطار قائلاً: "إن المملكة ترغب في إجراء محادثات أكثر موضوعية مع إيران، لكن طهران تنتهج إلى الآن موقفاً يتسم بالمماطلة وليست جادة بشأن المحادثات."

TRT عربي