العَلَمان الصيني والأمريكي وفي الخلفية مبنى الكونغرس بواشنطن (Others)
تابعنا

وتدّعي الصين أن تايوان جزء من أراضيها، وتهدّد بالاستيلاء على الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة إذا أعلنت تايبيه استقلالها رسمياً. في المقابل ترفض قيادة وشعب تايوان الخضوع لحكم الحزب الشيوعي الصيني، ولا يعترفان بحكومة بكين المركزية.

حشد وتهديد

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تان كيفي في تصريح، إن الصين أعربت عن معارضتها زيارة بيلوسي للجزيرة عدة مرات، وأنها تتطلع إلى التزام واشنطن عدم دعم استقلال تايوان.

وأكّد كيفي أن الجيش الصيني مصمّم على حماية البلاد وسيادة أراضيها في مواجهة أي تدخُّل أجنبي وأي خطط لاستقلال تايوان.

وأوضح أن زيارة بيلوسي المرتقبة لتايوان، تنتهك بخطورةٍ مبدأ "الصين الواحدة" وبنود البيانات الثلاثة المشتركة بين بكين وواشنطن.

وأضاف أن ذلك "سيلحق ضرراً كبيراً بالعلاقات العسكرية بين الصين والولايات المتحدة ويؤدِّي إلى تفاقم الوضع في مضيق تايوان".

وتتبنى بكين مبدأ "الصين الواحدة" وتؤكّد أن الجمهورية الشعبية هي الجهة الوحيدة المخوَّل إليها تمثيل بكين في المحافل الدولية، وتلوّح بين حين وآخر باستخدام القوة والتدخل عسكرياً إذا أعلنت تايوان الاستقلال.

وفي حال زيارة بيلوسي لتايوان، فستكون هذه أول زيارة يُجريها رئيس لمجلس النواب الأمريكي منذ 25 عاماً، بعد رحلة الجمهوري نيوت غينغريتش عام 1997 للقاء الرئيس التايواني آنذاك لي تنغ هوي.

وتشهد العلاقات بين بكين وتايوان توتراً منذ عام 1949، عندما سيطرت قوات يقودها "الحزب القومي" على تايوان بالقوة، عقب هزيمتها في الحرب الأهلية بالصين، وتدشين "الجمهورية الصينية" في الجزيرة.

وأمام التهديدات، لم يقف الجيش التايواني صامتاً، وتَعهَّد خلال التدريبات السنوية هذا الأسبوع بأنه جاهز للعمل والردّ على النمط الأوكراني تجاه الغزو الروسي.

وتدربت القوات التايوانية الأربعاء، على صدّ هجوم برمائي محتمَل على امتداد الواجهة البحرية التي تربط بين ميناء تايبيه ومصب نهر تامسوي، وهو أمر حاسم للدفاع عن العاصمة.

وهذه التدريبات هي جزء من برنامج مدّته خمسة أيام وتركز على التأهُّب المدني والعسكري والتعامل مع الانفجارات.

وقد جرى صد "هجوم العدو المقلَّد بطائرات هليكوبتر ودبابات وطائرات مقاتلة"، فيما كان جنود الاحتياط يشرفون على شبكة من الخنادق المبطنة بأكياس الرمل.

وقال سون لي فانغ المتحدث باسم وزارة الدفاع التايوانية إن التدريبات تحاكي زمن الحرب بشكل أوثق من أي وقت مضى، وقد جرى تصميمها بعد "مراقبة الوضع الدولي من كثب، وكذلك الحرب في أوكرانيا".

وأضاف أنه على الرغم من أن زيارة بيلوسي كانت افتراضية فقط (لم تُقَرّ بعد)، فقد جرى تدريب الجيش التايواني بالفعل على ردّ الصين المحتمَل. وأعرب عن ثقته بقدرة تايوان على التعامل مع أي طارئ.

وبدأت صفارات الإنذار المخترقة للدفاع الجوي الانطلاق في العاصمة تايبيه بعد ظهر الاثنين الماضي، ممَّا أدَّى إلى توقُّف الحركة.

وبيّنت الشرطة المشاة في الداخل كيفية التصرف، وابتعدت المركبات عن الطرق، في محاولة لرفع مستوى الوعي العامّ حول كيفية الاستجابة لتحذيرات الطوارئ وتجنُّب الإصابة حال وقوع هجمات.

كما انضمّ خفر السواحل التايواني إلى تدريبات هان كوانغ السنوية لأول مرة هذا العام لتسليط الضوء على أهمية إعداد الوكالات غير العسكرية للحرب.

واعتبر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA وليام بيرنز الأربعاء، أنّ الدروس التي استقتها الصين من الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا لم تنَل من عزمها على غزو تايوان، بل جعلتها تعيد حساباتها بشأن "متى" و"كيف" ستفعل ذلك.

وخلال "منتدى آسبن الأمني" في ولاية كولورادو (غرب) قال بيرنز: "يبدو لنا أنّ الحرب في أوكرانيا من منظور بكين لا تؤثّر حقّاً في مسألة ما إذا كانت القيادة الصينية قد تختار استخدام القوة ضدّ تايوان في السنوات القليلة المقبلة، بل متى وكيف ستفعل ذلك".

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن أثار غضب الصين في أواخر مايو/أيار حين قال إنّ بلاده لن تتوانى عن التدخّل عسكرياً للدفاع عن تايوان إذا شنّت الصين هجوماً عسكرياً ضدّها.

لكن في اليوم التالي عاد بايدن وأكّد أنّ سياسة "الغموض الاستراتيجي" التي تتّبعها بلاده إزاء هذا الملفّ لم تتغيّر، وهي سياسة تقوم على الاعتراف دبلوماسياً بالبرّ الصيني، وفي الوقت نفسه التزام إمداد تايوان بالأسلحة للدفاع عن نفسها.

احتمالات الحرب

ويقلّل خبراء الأمن التايوانيون من احتمالات "العدوان الصيني المتهور" بسبب الزيارة المحتملة من قبل نانسي بيلوسي، وفق صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

وبينما تسعى تايوان إلى تعزيز دفاعاتها وتحذير العالم من التهديد المتزايد لما تطلق عليه "الاستبداد الصيني"، يؤكّد الخبراء التايوانيون أن زيارة بيلوسي لن تؤدي إلى عمل عسكري مباشر من بكين.

ومن المرجح أن تظهر المواجهة المتصاعدة في المناقشات خلال مكالمة متوقعة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ هذا الأسبوع.

وقال شين مينج شيه، مدير أبحاث الأمن القومي في معهد الدفاع والأمن الوطني (مقره تايوان) إن إرسال الصين طائرات حربية فوق تايوان لمتابعة رحلة بيلوسي "أمر مستبعَد للغاية".

وبيّن أن استخدام الصين للطائرات العسكرية للضغط أو الاقتراب بخطورة من الطائرة التي تحمل بيلوسي سيكون "سلوكاً غير آمن وغير عقلاني"، حسبما نقلت واشنطن بوست، بخاصة أن الرئيس الصيني يريد الاستقرار في الفترة التي تسبق المؤتمر العشرين للحزب هذا الخريف، وهو اجتماع يُعقد لكبار الضباط من المرجح أن يُعيَّن فيه شي رئيساً للحزب والبلاد مجدداً لفترة مدتها 5 سنوات.

لكن في الأسبوع الماضي قال بايدن إن فهمه هو أن الجيش الأمريكي لا يريد زيارة بيلوسي، وتكهنت رئيسة مجلس النواب نفسها بمخاوف من احتمال إسقاط طائرتها.

في الوقت نفسه من المتوقَّع أن يتمثّل ردّ الصين باستعراض واسع النطاق للقوة بطائرات في شمال أو جنوب غرب تايوان، على غرار عملية "قعقعة السيوف" العام الماضي.

وفي ذلك الوقت حطمت القوات الجوية الصينية الأرقام القياسية اليومية لعدد الطائرات المقاتلة التي أُرسلَت بالقرب من المجال الجوي لتايوان.

وترى جوان تشانغ الباحثة في معهد الدراسات الأوروبية والأمريكية في أكاديميا سينيكا، وهو معهد أبحاث تايواني تدعمه الحكومة، أن تهديدات الصين العسكرية قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

وتساءلت: "إذا اتخذت الصين إجراءً صارماً، ألن يتسبب ذلك في قلق مزيد من الدول حول العالم بشأن الوضع في مضيق تايوان؟".

وعن إمكانية انطلاق الحرب بالفعل، نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن بوني إس جلاسر، مديرة برنامج آسيا في مركز أبحاث صندوق مارشال الألماني، قولها: "لا يمكن اعتبار شي جين بينغ ضعيفاً؛ إنها لحظة خطيرة للغاية. أعتقد أن قلة من الناس يدركون في الواقع مدى خطورة ذلك".

وتقول صحيفة الغارديان: "لا يُعتبر مثل هذا العمل العسكري الصارم من الصين مرجَّحاً"، رغم التهديدات التي أطلقها مؤخراً.

هو شيجين، المعلّق الصيني القومي والمحرّر السابق للصحيفة الصينية المدعومة من الدولة "غلوبال تايمز"، يتكهن بأن الجيش الصيني يمكن أن يرسل طائرات فوق جزيرة تايوان لأول مرة منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1949.

ومثل هذا العمل من شأنه أن يمثّل تصعيداً كبيراً من مئات الطلعات الجوية في منطقة تحديد الدفاع الجوي في تايوان.

أما بوني إس جلاسر فتقول إن تايوان ستُضطرّ إلى الاندفاع نحو تلك الطائرات ردّاً على ذلك، مضيفةً: "يُحتمَل دائماً وقوع حادثة، لكن ولو لم تحدث فإن الصينيين يبرهنون أن بإمكانهم التحليق فوق تايوان مع الإفلات من العقاب، لأن تايوان لن تطلق النار عليهم".

وقال محلّلون إن ردّ الإدارة الأمريكية على الخطط وردّ فعل الصين يعني أنه كان من الصعب تهدئة الموقف دون أن تبدو بكين أو واشنطن ضعيفة.

ويعتقد تشين شين مين أستاذ العلوم السياسية في جامعة تايوان الوطنية أنه "إذا زارت بيلوسي تايوان، فإن شي جين بينغ سيتعرض لانتقادات أشخاص آخرين قد لا يريدون له أن يستمرّ في قيادة الصين".

وقال: "في هذه الحالة يكون الأمر خطيراً على تايوان، وقد يرغب شي جين بينغ في استخدام الأنشطة الخارجية، على سبيل المثال مهاجمة تايوان، لزيادة المشاعر القومية للصين".

لكنه استبعد الهجوم "لأن الصين ستخسر على الأرجح، ما دامت الولايات المتحدة منخرطة في الأمر".

مع ذلك فإن لإلغاء الزيارة مخاطره الخاصة، من وجهة نظر تشين، فمن شأنه أن يؤدّي بتايوان إلى التشكيك في مصداقية الالتزام الأمني الأمريكي تجاه الجزيرة.

من جهتها نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن المسؤولين الأمريكيين "ليسوا على علم بأي معلومات استخباراتية محددة تشير إلى أن القيادة الصينية قررت التحرك قريباً في تايوان".

ورجّحَت أن تطير بيلوسي إلى تايبيه على متن طائرة عسكرية أمريكية، كما هو معتاد في مثل هذه الزيارات.

ويقول بعض المحللين الذين ينظرون إلى التنديدات الصينية للزيارة المقترحة إن الصين يمكن أن ترسل طائرات لـ"مرافقة" طائرتها ومنعها من الهبوط.

وقال شي ينهونغ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين الصينية في بكين، إن الصين ستهدف إلى ردّ عسكري يُنظَر إليه على أنه قوي، لكنه ليس عدوانياً، لدرجة أن من شأنه أن يثير صراعاً أكبر.



TRT عربي