الزيارة الجارية للرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية تكشف مدى التقارب الناشئ بين الرياض وبكين / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

حلَّ الرئيس الصيني شي جين بينغ الخميس ضيفاً على الرياض في زيارة تدوم يومين، وتتخللها لقاءات مع مسؤولين سعوديين وتوقيع اتفاقات اقتصادية، إضافة إلى إقامة قمتين خليجية-صينية وعربية-صينية. فيما تعد هذه أول زيارة للرئيس الصيني للمملكة منذ ما يزيد على ست سنوات.

وتكشف هذه الزيارة والاتفاقات الموقعة خلالها مدى التقارب الناشئ بين السعودية والصين، والمتزايد منذ بداية العام الجاري. ويهدف هذا التقارب التعاون إلى تخطي التحديات الدولية الطارئة، الاقتصادية والسياسية، التي تعترض البلدين، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا وأزمة النفط العالمية.

وحسب مراقبين تسببت هذه الأزمات المستجدة خلال العام الجاري في تباعد كبير بين الرياض وحليفتها التقليدية واشنطن، وذلك ما برز في موقف السعودية من بوتين، فضلاً عن تمسكها بخفض إنتاج النفط. في المقابل تبحث الصين عن امتداد جيوسياسي لها في الخليج، والمنطقة العربية عموماً، على حساب غريمتها الولايات المتحدة.

أزمتا أوكرانيا والنفط تعمّقان الخلاف

أظهر موقف مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية بشأن الحرب في أوكرانيا شقاقاً كبيراً بين تلك الدول وحليفتها التقليدية الولايات المتحدة. وإذ رفضت الرياض الاستجابة لطلبات الرئيس جو بايدن بإدانة روسيا في تلك الحرب، فقد امتنعت أبو ظبي عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرار أمريكي-ألباني يدين الهجوم الروسي.

وتظهر تلك الواقعة وغيرها إشارات عن مدى التباعد في الرؤى بين الرياض وواشنطن، تزداد وضوحاً عبر التقارير التي كشفت عن رفض ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لوقت طويل طلبات بايدن بالتباحث هاتفياً. واعتبرت آن غادل الخبيرة الفرنسية في الشؤون الخليجية أن "تلك اللحظة لم تكن فقط اختلافاً في الرؤى، بل محفزاً لتغيير واسع في العلاقات الأمريكية-الخليجية".

ويُضاف إلى ذلك القفزة التي عرفتها أسعار النفط مع بداية الاقتتال في أوكرانيا، ما دفع بايدن إلى ممارسة ضغوط على الرياض كي تزيد من إنتاجها النفطي، وذلك لمصلحتين أمريكيتين، الأولى كبح مستويات التضخم وتأمين الجبهة الاجتماعية الداخلية، والثانية قطع السبل أمام استمرار قدرة موسكو على تمويل مجهودها الحربي.

وقوبلت هذه المطالب في السعودي بالرفض والإهمال، مع استمرار تنسيق الرياض مع روسيا، في إطار منظمة "أوبك+"، للحفاظ على مستويات الإنتاج في حدها الأدنى. وجددت المنظمة في اجتماعها الأخير الأحد تأكيدها التمسك باتفاق أكتوبر/تشرين الأول حول خفض الإنتاج بمقدار مليونَي برميل يومياً، بدءاً من نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن بلاده "ستعيد تقييم" علاقاتها مع السعودية. وهو ما أكده أيضاً منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي جون كيربي في حديث للصحفيين بأنه "في ضوء التطورات الأخيرة، وقرار أوبك بلس بشأن إنتاج النفط، يعتقد الرئيس أنه يجب علينا مراجعة العلاقات الثنائية مع السعودية، لمعرفة ما إذا كانت هذه العلاقة هي المكان الذي يجب أن تكون فيه، وأنها تخدم مصالح أمننا القومي".

ووفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، فإن من وجهة نظر إدارة بايدن تعد حرب أوكرانيا لحظة تاريخية حاسمة، تتطلب من الدول أن تختار جانباً واضحاً فيها. بالمقابل يرى السعوديون تلك الحرب فرصة لتأكيد مصالحهم الوطنية، في عالم لا تكون فيه الولايات المتحدة القوة العظمى بلا منازع، وعكس توصيات واشنطن يعملون لإثبات أنهم يستطيعون دعم أوكرانيا والعمل مع روسيا في "أوبك+" في نفس الوقت.

البديل الصيني؟

وفي الوقت الذي ترغب فيه السعودية في وجود حليف قوي تؤكد من خلاله للولايات المتحدة أن الرياض لديها داعم قوي، فإن الصين بالمقابل تبحث بشكل متكافئ عن موضع قدم لتعزيز حضورها الجيوسياسي في المنطقة العربية، والخليجية تحديداً، حيث توجد احتياطيات النفط الخام والغاز الطبيعي والأسواق المالية ذات الدخل المرتفع، فضلاً عن المواني المهمة للخدمات اللوجستية الدولية والاستثمارات التكنولوجية ومبيعات الأسلحة.

وهو ما جعل من مسألتَي الحرب في أوكرانيا والنفط نقطتي تحفيز للتقارب الصيني-السعودي. ويبرز ذلك عبر الاتفاقات الاقتصادية التي وقعت بين بكين والرياض، خلال زيارة شي جين بينغ الجارية للمملكة. والتي وصفها وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح بأنها "ستقود إلى تنمية وتطوير علاقات المملكة في جميع المجالات ومنها الاقتصادية والاستثمارية مع الصين".

وقبل هذه الاتفاقات وفي مارس/آذار الماضي كشفت تقارير إعلامية أن السعودية تتشاور مع الصين لتسعير بعض صادراتها النفطية باليوان، في خطوة تعد ضربة في عمق سيادة الدولار بأسواق النفط العالمية، بتحالف أكبر مستورد في العالم للنفط مع أكبر مصدّر له. الأمر الذي اعتبره مسؤول أمريكي رفيع، بالفكرة "شديدة التقلب والعدائية"، مشيراً إلى أن دأب الرياض على طرحها في الماضي عندما شهدت علاقاتها مع واشنطن توتراً ملحوظاً.

ويعتمد الدولار الأمريكي كثيراً في إنعاش قيمته على "البترودولار"، وهي فائضات احتياطياته الناتجة عن المعاملات التجارية النفطية في فترات ارتفاع أسعار البرميل، كالفترة التي تمرّ بها في هذه الأيام الأسواق العالمية. بالمقابل يصدر نحو ربع الإنتاج السعودي من الذهب الأسود نحو الصين، وبالتالي سيسحب تسعير تلك الصادرات باليوان البساط من تحت أقدام العملة الأمريكية.

من ناحية أخرى وحسب مقال لأحمد عبده الباحث الزميل في معهد "مجلس الأطلسي" فإنه "بالنسبة إلى الحزب الشيوعي الصيني، الموقف المستقل إلى حد ما الذي ابتكره حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي للرد على الصراع في أوكرانيا، يتمثل الهدف النهائي للصين في دفع المزيد من شركاء الولايات المتحدة نحو إقامة حياد استراتيجي، ولا تتوقع منهم أن يتحدَّوا مصالح واشنطن تماماً".

إضافة إلى هذا وفق ذات المقال "يعتقد القادة الصينيون أن أوكرانيا مؤشر ملموس على رد فعل دول مجلس التعاون الخليجي، بخاصة الرياض وأبو ظبي، على أي صراع مستقبلي حول استقلال تايوان". هذا ودأب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على التأكيد مراراً لالتزام بلاده سياسة الصين الواحدة، واعترافها ببكين ممثلاً وحيداً للشعب الصيني.

TRT عربي