في 28 يونيو/حزيران 2018، وجهت إلى لافارج تهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية" و"تمويل منظمة إرهابية" وبأنها "عرضت للخطر حياة" موظفين سابقين و"انتهكت حظر النفط" (Charles Platiau/Reuters)
تابعنا

فشلت شركة الإسمنت الفرنسية لافارج Lafarge، في محاولتها إسقاط تهمة التواطؤ في "ارتكاب جرائم ضد الإنسانية" في سوريا، الثلاثاء، بعد أن قضت المحكمة العليا في فرنسا بضرورة إعادة النظر في القضية، ملغية بذلك حكماً سابقاً.

وما زالت الشركة ملاحَقة بتهمة "تمويل الإرهاب"؛ إذ يشتبه في أنها دفعت قرابة 13 مليون يورو (15 مليون دولار) لوسطاء وجماعات مسلحة، على رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي، في الفترة من 2011 وحتى 2014، تحت ذريعة تسهيل نشاطها وحماية مصنعها في سوريا وقت الحرب.

يشار إلي أنه عقب إغلاق شركة "لافارج" مصنعها في سوريا عام 2014، جرى تأسيس شركة "لافارج هولسيم" الفرنسية السويسرية، وفي مايو/أيار 2021، جرى تغيير اسم الشركة إلى " هولسيم المحدودة".

وسبق للشركة نفسها أن أقرت، بعد إجرائها تحقيقاً داخلياً، بأن الشركة السورية المحلية التابعة لها دفعت مبالغ مالية لجماعات مسلحة مقابل المساعدة في حماية موظفيها ومصنعها، لكنها تتمسك ببراءتها من تهم "تمويل الإرهاب" و"ارتكاب جرائم ضد الإنسانية". فما تفاصيل القصة؟ وإلى أي مدى تتورط فيها السلطات الفرنسية؟

الاستمرار في الربح "بأي ثمن"

قبل قرابة عام من اندلاع الثورة السورية ربيع عام 2011، كانت شركة الإسمنت الفرنسية قد وجدت لنفسها موطئ قدم على الأراضي السورية. فمنذ ربيع 2010 كانت "لافارج" تستعد لإعادة افتتاح مصنع إسمنت كبير استحوذت عليه عام 2007 في صفقة مع مالكه السابق؛ شركة أوراسكوم Orascom المصرية، حسب صحيفة لوموند الفرنسية.

المصنع الذي ستديره شركة "لافارج سيمنت سيريا" التابعة للشركة الأم، يقع في منطقة جبلية على بعد 150 كيلومتراً شمال شرقي مدينة حلب ولا يبعد عن الحدود التركية سوى بقرابة 60 كيلومتراً، وكلف الشركة استثماراً قدّر بحوالي 680 مليون يورو، وكان يعدّ وقتها أكبر مصنع إسمنت في الشرق الأوسط.

مع بداية الثورة السورية وتحوّلها فيما بعد إلى صراع مسلّح، غادرت أغلب الشركات الدولية البلاد، فيما آثرت "لافارج" البقاء، وكافحت من أجل استمرار الإنتاج في المصنع الذي لم يكن قد عمل سوى قرابة السنة وقتئذ.

يقع مصنع لافارج في منطقة جلبية على بعد 150 كيلومتراً شمال شرقي مدينة حلب ولا يبعد عن الحدود التركية سوى بقرابة 60 كيلومتراً (Google Maps)

مع دخول جماعات مسلحة أخرى إلى أرض المعركة، بات وضع المصنع في خطر شديد، دفع الشركة التي أرادت الاستمرار إلى عقد صفقات مالية مع جماعات مسلحة، إذ أشارت صحيفة لوموند الفرنسية، في 21 يونيو/حزيران 2016 إلى أن الشركة حاولت تشغيل مصنعها "بأي ثمن" لقاء "ترتيبات غامضة ومشينة مع الجماعات المسلحة المنتشرة في محيطها" بما في ذلك تنظيم "داعش" الإرهابي.

أكدت "لافارج" لاحقاً أن "أولويتها المطلقة" كانت "دائماً ضمان سلامة موظفيها وأمنهم"، لكن الهدف من هذه "الترتيبات" كان الاستمرار في الإنتاج حتى 19 سبتمبر/أيلول 2014 حينما سيطر تنظيم "داعش" على الموقع، وأعلن مصنع الإسمنت وقف كل الأنشطة.

ويشير تقرير أعدته الأكاديمية الفرنسية ناتالي بيلهوست، ونشر على موقع The Conversation، إلى أن الصفقات لن تكن مالية فقط (15 مليون دولار)، بل تخطّتها إلى التزويد بالنفط مقابل الإسمنت، الذي استخدمه التنظيم الإرهابي في بناء تحصيناته.

شكاوى ثم تحقيق ثم اتهام

موضوع النفط هذا سيكون باب جحيم على الشركة، ففي سبتمبر/أيلول 2016، تقدمت وزارة الاقتصاد الفرنسية بشكوى ضد "لافارج"، ما أدى إلى فتح تحقيق أولي معها من قبل مكتب المدعي العام في باريس وإبلاغ دائرة الجمارك القضائية الوطنية.

تعلقت الشكوى الوزارية وقتها بفرض الاتحاد الأوروبي حظراً على شراء النفط في سوريا، في إطار سلسلة عقوبات ضد نظام بشار الأسد، واعتبرت "لافارج" واحدة ممن اخترقوا هذا الحظر.

منذ ربيع 2010 كانت "لافارج" تستعد لإعادة افتتاح مصنع إسمنت كبير استحوذت عليه عام 2007 في صفقة مع مالكه السابق؛ شركة أوراسكوم Orascom المصرية (Le Monde)

بعدها بأقل من شهرين، وفي نوفمبر/تشرين الثاني، استُهدفت "لافارج" بشكوى جديدة قدمتها منظمتا "شيربا" و"المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان"، ذهبت إلى حد المطالبة بمقاضاة الشركة بتهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية".

وفي التاسع من يونيو/حزيران 2017، فتح مكتب المدعي العام في باريس تحقيقاً قضائياً بتهمة "تمويل مشروع إرهابي" و"تعريض حياة الآخرين للخطر"، فيما أكدت دائرة الجمارك القضائية الوطنية، في تقريرها، أن "لافارج" "دفعت مبالغ للجماعات الجهادية" و"صادقت على تسليم هذه الأموال عبر تقديم مستندات محاسبية مزورة".

وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول اتهم مديران سابقان لفرع الشركة في سوريا، برونو بيشو وفريديريك جوليبوا، ومدير أمن المجموعة جان كلود فيار، رسمياً بـ"تمويل تنظيم إرهابي" و"تعريض حياة الآخرين للخطر".

وبعد أيام، جرى توجيه اتهام لبرونو لافون رئيس مجلس الإدارة والمدير العام السابق للمجموعة، في الفترة من 2007 إلى 2015، وإريك أولسن المسؤول عن الموارد البشرية في ذلك الوقت، ونائب المدير التشغيلي السابق كريستيان هيرو.

في المجموع، وُجه اتهام إلى ثمانية كوادر ومديرين بتمويل تنظيم إرهابي و/أو تعريض حياة آخرين للخطر، كما وجه في نهاية أغسطس/آب 2019 اتهام إلى سوري كندي يشتبه بأنه عمل وسيطاً، بـ"تمويل الإرهاب".

تواطؤ مع شركة متواطئة

في 28 يونيو/حزيران 2018، وجهت إلى لافارج تهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية" و"تمويل منظمة إرهابية" وبأنها "عرّضت للخطر حياة" موظفين سابقين و"انتهكت حظر النفط"، ما دفع الشركة وثلاثة من مسؤوليها إلى استئناف القرار وشككوا في أسس التحقيق.

استمرت "لافارج" في الإنتاج حتى 19 سبتمبر/أيلول 2014 حينما سيطر تنظيم "داعش" على الموقع، وأعلن مصنع الإسمنت وقف كل الأنشطة (Le Monde)

وفي السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ألغت محكمة الاستئناف في باريس اتهام لافارج بـ"المشاركة في جرائم ضد الإنسانية"، لكنها أبقت على التهم الثلاث الأخرى، ما دفع كلاً من منظمتي "شيربا" ومركز حقوق الإنسان طعنا في القرار.

وفي 7 سبتمبر/أيلول 2021، ألغت محكمة النقض، أعلى محكمة في النظام القضائي الفرنسي، قرار محكمة الاستئناف القاضي بإبطال تهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية" وثبّتت المحكمة تهمة "تمويل الإرهاب" ضد الشركة.

مع اتهامها بالتواطؤ، يبرز اتهام آخر بالتواطؤ يخصّ السلطات الفرنسية، التي علمت في وقت مبكر بنشاطات الشركة في سوريا، لكنها لم تتحرك بشأن الموضوع. ففي 13 يوليو/تموز 2021، نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تقريراً كشف أن "الإدارة العامة للأمن الخارجي" (DGSE)، والتي تعدّ جهازاً فرنسياً للاستخبارات الخارجية، كانت على علم بالمعاملات المالية بين "لافارج" وداعش منذ 2014، دون أن تحرك ساكناً.

في المقابل، يشير تقرير موقع The Conversation، إلى أن عدداً من الرسائل الإلكترونية المسربة أشارت إلى أن "لافارج" عملت على بناء شبكة مخبرين محليين قوية، وأنه بناء على ذلك عقدت اجتماعات بين مديرها الأمني والاستخبارات الفرنسية DGSE تم فيها تبادل معلومات.

ويشير الموقع إلى أن مصنع الشركة في وقتها كان يعدّ نقطة مراقبة لفرنسا في سوريا، خصوصاً أن موقعه كان استراتيجاً ومتفرداً؛ باعتبار قربه من الحدود السورية التركية، وباعتبار أن الشركة كانت تعدّ من الشركات الأجنبية النادرة التي استمرت في العمل بالبلاد.

وأكد الموقع أن بعض مسؤولي الشركة برروا استمرارها في العمل في سوريا بالقول إن وزارة الخارجية الفرنسية طلبت منهم البقاء، بدافع المعلومات التي قد تحصل عليها الشركة، وهو ما تنفيه الوزارة.

هذا الأمر يتعزز مع ما نشرته وكالة الأناضول، التي حصلت على وثائق تكشف عن علم الاستخبارات الفرنسية بتمويل لافارج لداعش، وقيامها بإطلاع المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الفرنسية، على طبيعة علاقاتها مع التنظيم الإرهابي، كما تؤكد الوثائق أن لافارج حظيت بدعم من جهاز الاستخبارات الفرنسي.

والوثائق المذكورة هي مراسلات ومستندات لمؤسسات فرنسية، تظهر أن الاستخبارات والمؤسسات الرسمية الفرنسية، لم تحذّر "لافارج" من أنشطتها مع "داعش" وعمدت إلى إبقاء الأمر سراً.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً