تابعنا
في أول دورة لانعقاد مجلس شورى حركة النهضة، منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية، تناقلت وسائل الإعلام وجود خلافات حادة في صفوف قيادات الحزب.

بدأت تداعيات الأزمة السياسية في تونس تتخطى مؤسسات الحكم والسلطة لتلقي بظلالها على مكونات المشهد السياسي كافة، من أحزاب سياسية وائتلافات وتحالفات. ولعل أبرزها ما نشرته مؤخراً وسائل الإعلام وتناقلته منصات التواصل الاجتماعي، وما بات يطفو على السطح من خلافات حادة وتباين شديد في المواقف في حركة النهضة، الحزب الأول في تونس، الذي بات يحمل خطيئة تعثُّر مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وحمل مسؤولية الفشل في إدارة الحكم منذ اندلاع الثورة التونسية في يناير/كانون الثاني 2011، باعتبار أنه تصدر المشهد السياسي وفاز بأعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية.

وقد عبّرت حركة النهضة، على لسان قيادتها، استعدادها للاعتذار عن أخطائها وتنفيذ مراجعات عاجلة، وتقديم أي تنازلات لضمان إجراء انتخابات مبكرة تقي البلاد مزالق الفوضى.

وكغيره من الأحزاب السياسية، تحتدّ النقاشات وتتباين المواقف والرؤى في حركة النهضة، إلا أن الأزمة انفجرت منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن تجميد عمل البرلمان وحل الحكومة، وجرى تبادل الاتهامات داخل حركة النهضة حول المسؤولية في الفشل في إدارة الأزمة، عقب انعقاد مجلس الشورى.

الإجراءات الاستثنائية لقيس سعيد.. فرصة للإصلاح

انعقد مجلس شورى حركة النهضة في دورة استثنائية يوم الأربعاء 04 أغسطس/آب الجاري، للتباحث حول الوضع العامّ للبلاد بعد قرارات الرئيس التونسي في 25 يوليو/تموز المنقضي، ومسارات الحل الذي يمكن أن يطرحه الحزب لتجاوز الأزمة السياسية في تونس. ولم تطرح في المجلس قضية إجراء أي تعديل أو تغيير على مستوى القيادات أو الهياكل رغم أنها كانت مطلباً ملحّاً نادى به عديد من الأصوات في الحركة.

وعبرت النهضة في بيان رسمي على حرصها على الحوار مع جميع الأطراف الوطنية لتجاوز الأزمة المركَّبة، على حد تعبيرها. وأكدت ضرورة تنفيذها نقداً ذاتياً معمقاً لسياساتها خلال المرحلة الماضية، ومراجعات وتجديد خلال مؤتمرها القادم.

ونُشرَت إثر انعقاد شورى الحركة تدوينة على صفحة الحزب الرسمية على فيسبوك، بأن رئيس الحركة راشد الغنوشي قال إثر الجلسة إن "علينا تحويل إجراءات 25 يوليو/تموز الماضي إلى فرصة للإصلاح، ويجب أن تكون مرحلة من مراحل التّحول الدّيمقراطي".

ولم تمضِ فترة قصيرة حتى حُذفَت التدوينة، وسط تداول لخلافات حادة وترجيح بإخراج التدوينة من سياقها، وعدم التوصل إلى اتفاق حول الخط السياسي للحركة في المحلة المقبلة.

وفي سياق متصل، عبّر المكتب التنفيذي للحزب في وقت سابق إثر إعلان قيس سعيد مجموعة من الإجراءات الاستثنائية، أن "الإجراءات الاستثنائية التي لجأ إليها رئيس الجمهورية هي إجراءات خارقة للدستور والقانون وفيها اعتداء صريح على مقتضيات الديمقراطية، وتوريط لمؤسسات الدولة في صراعات تعطّلها عن القيام بواجبها".

استقالات وانسحابات.. هل تنهار النهضة؟

تزامن انعقاد شورى النهضة مع تداول خبر استقالات وانسحابات عديدة في صفوف قيادات ومنتسبي الحركة، ومطالبات متجددة بضرورة انسحاب القيادة الحالية وتعيين بديلة لها تكون قادرة على إجراء إصلاحات جادة وترسم خطاً سياسياً واضحاً يتماشى مع متطلبات المرحلة.

وفي هذا السياق قالت سناء المرسني، الناطقة الرسمية باسم شورى حركة النهضة، في تصريح إعلامي: "تحديد الخط السياسي لحركة النهضة لا بدّ أن يكون مُرفَقاً به تغييرات على المستوى القيادي والهيكلي للحزب".

وفي معرض سؤالها عمّا تُدووِل حول إمكانية تنحي رئيس الحزب راشد الغنوشي من منصبه أجابت المرسني: "مسألة بقاء الغنوشي على رأس حركة النهضة من عدمها محسومة باعتبار أن رئيس الحركة منتخَب من المؤتمر مثل أعضاء مجلس الشورى، وبالتالي لا يمكن أن يغادر رئاسة الحركة إلا في إطار مؤتمر انتخابي... وربما في علاقة بهذه المسألة، يُفصَل في ذلك إذا جرى التوجه إلى تنظيم مؤتمر انتخابي قريب داخل الحركة، سواء خلال أيام أو أسابيع".

ولم تزد تدوينة سامي الطرقي، مستشار ئيس الحركة وعضو مجلس الشورى الخلاف إلا حدة وسوءاً، في صفوف قيادات الحركة والمنتمين إليها والمتعاطفين معها، إذ قال إن الغنوشي أكد خلال اجتماع الشورى ضرورة اعتبار هذه الإجراءات مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي، في وقت كانت تعتبره الحركة انقلاباً دستورياً ووأداً للديمقراطية. إلا أن الطريقي اعتبر أن التدوينة أُخرجَت من سياقها، وفسر كلامه باعتبار أن الإجراءات الاستثنائية فرصة للإصلاح للعودة إلى السياق الدستوري واسترجاع المؤسسات الدستورية.

من جانبه قال رفيق عبد السلام مسؤول العلاقات الخارجية بحركة النهضة، ووزير الخارجية السابق، إن التصريح الذي نقله الطريقي لا علاقة له بما ورد في مجلس الشورى، وهو رأي شخصي لا يلزمه إلا هو، مضيفاً أن الجميع متفق على أن ما وقع يوم 25 يوليو/تموز هو انقلاب مكتمل الأركان.

تلا ذلك تصريحات عديدة وتدوينات مختلفة تفاعلت مع مخرجات شورى النهضة، ومع ما آلت إليه الأمور الداخلية في الحزب من توتر وخلاف وتصدُّع، باتت تهدّد استمرارية الحزب في وضعه الحالي.

على الصعيد ذاته طالبت مجموعة من شباب حركة النهضة مجلس شورى الحركة بتحمُّل مسؤوليته وحلّ المكتب التّنفيذي للحزب فوراً وتكليف خلية أزمة، لها الحد الأدنى من المقبولية الشعبية تكون قادرة على التّعاطي مع الوضعية الحادّة التي تعيشها تونس.

قد تصبح حركة النهضة في وضعها الحالي وما يعصف بها من خلافات غير قادرة على تقديم بدائل وحلول للأزمة الراهنة في تونس، وإن كان جزء كبير من منتسبي الحركة يتفق على ضرورة إجراء التعديلات الهيكلية والقيادية في أقرب وقت، لرسم خطة سياسية واضحة لإنقاذ المسار الديمقراطي، فيبدو أن المسار الذي بدأ يخطو فيه قيس سعيد في الوقت ذاته يمضي قدماً، وقد لا يمكن لكثير من الأحزاب على غرار النهضة إدراكه بعد ذلك.

TRT عربي