التوتر هو السمة الأبرز للأيام الأخيرة من علاقة روسيا بحلف "الناتو" (Hoshang Hashimi/AP)
تابعنا

التوتر هو السمة الأبرز للأيام الأخيرة من علاقة روسيا بحلف "الناتو"، تطوّر لدرجة تعليق البلاد عمل بعثتها بالحلف. جاء ذلك رداً على طرد 8 أعضاء من البعثة الروسية لديه، متّهماً إياهم بأنهم "يعملون سراً ضباطَ مخابرات". بالمقابل، ومنذ سنة 2014، لم يكن الروس والغربيون على وفاق تام حول قضايا مثل حرب أوكرانيا وسباق التسلّح.

فيما تسعى روسيا إلى مدّ أذرعها داخل القارة الإفريقية، على حساب التقهقر الفرنسي في إفريقيا الوسطى ودول الساحل، مراهنة في ذلك، بحسب محللين، على حليفتها الجزائر. هذه الأخيرة التي تعيش مسلسل تصعيد مستمر بينها وبين جارتها الشرقية، المملكة المغربية، الأمر الذي تجلى في إقبالها الكبير على السلاح الروسي وتوطيد شراكاتها الدفاعية معه.

من جهة أخرى، يسعى المغرب إلى تعزيز شراكته الدفاعية مع أمريكا، ما برز عبر المناورات العسكرية المشتركة التي يخوضها جيشا البلادين منذ شهر يونيو/حزيران الماضي. كما عقد صفقات تسليح مع عدد من دول الأعضاء بحلف الناتو، على رأسهم تركيا.

توتر روسيا والناتو

ما تخشاه روسيا، بحسب وسائل إعلام، هو إعادة تمركز قوات حلف "الناتو" في آسيا، بعد انسحابه من أفغانستان التي كانت تستنزف جهوده، من أجل احتواء موسكو وبكين. تخوّف سبق وعبَّر عنه وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، خلال اجتماع وزراء خارجية الدول المشاركة في مؤتمر "التفاعل وبناء الثقة في آسيا"، الثلاثاء 12 أكتوبر/تشرين الأول، متّهماً الحلف بأنه "يحاول تسخين الوضع، وتقويض آليات التفاعل القائمة بين الدول" بسعيه إلى نشر قواته في آسيا بعد انسحابه من أفغانستان.

من جهة أخرى، اتهم الناتو روسيا بالتجسس عليه انطلاقاً من بعثتها لديه، ما دفعه إلى طرد أفراد البعثة الثمانية. فيما برر المدير السابق لمكتب حلف الناتو بموسكو، روبرت بزتشيل، ذلك القرار أنه "كانت هناك تطورات مقلقة للغاية تحدث أسبوعياً، إذ أصبحت روسيا أكثر عدوانية وأكثر استفزازاً للخارج. العلاقات مع الناتو سوف تتغير في حالة إقدام روسيا على تغيير سياستها، لكن هذا لم يحدث". ما جعل العلاقة بين الطرفين تصل أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، بحسب ما قاله مراقبون.

هذا وتحدَّثت وسائل إعلام فرنسية أنّ باريس، العضو في حلف الناتو، تشهد تزايداً كبيراً لنشاط شبكات التجسس الروسية. وقال موقع "ميديابارت" الفرنسي نقلاً عن مصادر استخباراتية إنّ هناك الكثير من الأمثلة على التدخل الروسي في السنوات الأخيرة، حيث إنّ الاستخبارات العسكرية الروسية تعمل بطريقة ضخمة وغير مقيدة للغاية في فرنسا.

يُضاف هذا إلى سباق التسلّح بين موسكو و"الناتو" الذي انطلق منذ سنة 2018. أعلنت روسيا وقتها على لسان رئيسها تطوير بلاده منظومة الصواريخ الفرط صوتية "إسكندر" القادرة على "الرد على العدوان الذي يستهدف روسيا". لتُلحقها واشنطن بإعلان اختبارها صاروخاً يطير بسرعة تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف، مؤكدة ما كشف عنه الجيش الأمريكي سنة 2020، بأنه "اختبار نموذج صاروخ فرط صوتي، يأمل في نشره خلال السنوات الخمس المقبلة".

سباق حول إفريقيا

بالرجوع إلى فرنسا، يعيش البلد العضو في حلف "الناتو" أسوأ حالته في منطقة الساحل وإفريقيا الوسطى. حيث يتقهقر نفوذه في المنطقة مقابل توسع النفوذ الروسي بأداة مرتزقة "فاغنر"، بعد أن وسع المتعهد الأمني المقرب من الكرملين نشاطاته في القارة السمراء، وزاد من عقوده مع حكومات كل من إفريقيا الوسطى ومالي.

هذا وفي تقرير لها اعتبرت يومية "لوموند" الفرنسية أنّ "الجزائر تدعم الوجود الروسي في مالي". ونقلت عن مصادر جزائرية نفيها دعم البلاد لانتشار مرتزقة "فاغنر" على تراب جارتها الجنوبية، لكنها أكدت أن "مواجهة تدهور الوضع الأمني في مالي قد تتطلب تعزيز الوجود الروسي هناك".

وسبق لوسائل إعلام فرنسية أنْ اتّهمت الجزائر بضلوعها في تمويل صفقة تجنيد مرتزقة "فاغنر". وقال موقع "ألجيري بارت" إنّ الجزائر "وافقت على تمويل ما بين 50% إلى 70% من تكلفة صفقة جلب فاغنر إلى مالي". ادعاءات سرعان ما نفتها السلطات الجزائرية، موضحة في بيان لها أنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة وقد صدرت من طرف وسيلة إعلامية معروفة بولائها لمصالح المديرية العامة للأمن الخارجي التابعة للاستخبارات الفرنسية التي يقودها السفير السابق بالجزائر برنار إيميي".

رهان على النزاع بين المغرب والجزائر

يوم الخميس، 21 أكتوبر/ تشرين الأول، أشرف مسؤولون عسكريون أمريكيون ومغاربة، على إطلاق دورة تدريبية عسكرية على تقنيات الإنزال السريع من برج يبلغ ارتفاعه 50 قدماً ( أزيد من 15 متراً) بمدرسة الغوص التابعة للبحرية الملكية بمنطقة نواحي طنجة (شمال البلاد). وقال رئيس مكتب التعاون الأمني بالسفارة الأمريكية بالمغرب، الملازم الكولونيل تيريمورا شامل، إنّ هذه التدريبات "تُعتبر مثالاً آخر للعلاقة الوثيقة بين القوات المسلحة الأمريكية والمغربية "، مضيفاً: " نحن نعمل معاً باستمرار من أجل التدريب والاستعداد لأية تهديدات ممكنة للاستقرار الجهوي".

يأتي هذا التدريب في وقت تزداد فيه وتيرة التصعيد بين المغرب والجزائر، بعد القطيعة الديبلوماسية بين البلدين وارتفاع حدة الاتهامات بينهما. الجزائر التي بدورها اختتمت نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مناورات "مركب الردع 2021" البحرية المشتركة بين قواتها والقوات الروسية، التي أُجريت بالقرب من الحدود المغربية.

وشاركت في المناورات غواصات رُميت من خلالها صواريخ وتوربيدات لقصف أهداف على سطح البحر و"دُمّر الهدف بنجاح" بحسب بلاغ نشرته وكالة الأنباء الجزائرية. فيما تُعدّ هذه الأنظمة الصاروخية التي زوّدت بها روسيا الغواصات الجزائرية متطورة للغاية ولا تملكها سوى سبع دول في العالم. فيما تحدثت جريدة "هيسبريس" الإلكترونية المغربية أن "من غير المستبعد أن تسمح الجزائر، في ظلّ هذه الظروف التي تعيشها، بإقامة قاعدة عسكرية روسية على أراضيها، وتقديم الدعم لقوات "فاغنر" بأراضي جمهورية مالي، نكاية في فرنسا والمغرب".

هذا وقد سبق وأوردت وسائل إعلام جزائرية عن تسلُّم البلاد منظومة الدفاع الجوية الروسية "S400". ذات المنظومة التي شملت مناورات "الأسد الإفريقي" التي جمعت القوات المغربية والأمريكية، محاكاة تدميرها.

وعلَّق خبير استراتيجي مغربي لـ"هسبريس" على هذا الموضوع بأن إقامة قاعدة عسكرية روسية في وهران، "يعني إخلالاً بالتوازنات العسكرية لصالح روسيا على حساب أوروبا، وهو ما يترتّب عنه تغيير في قواعد الاشتباك". يرى مراقبون أن التحركات الروسية في المنطقة المغاربية قد تؤدي إلى تفجير العلاقات أكثر بين البلدين الجارين، وإلى خلق استقطاب دولي حول المنطقة ارتباطاً بالتوترات التي تعرفها العلاقات الروسية بحلف "الناتو".

TRT عربي